Algérie

قبيلة أولاد عبد النورالجزء الاول




ـإقليم قبيلة أولاد عبد النور
ترجمة : منوّر مبارك عزام ـ حمام السخنة ـ جانفي 2009
si la page n'affiche pas utilisez la souris droite / codage /arrabe windows

تقول الروايات الشفوية اليوم ، بأنّ أولاد العزام ، بعد خروجهم من عين أزال ، نتيجة الحادثة التي نفروا منها من تلك البلاد ، و التّيه بهم في أصقاع البقاع ، عادوا بعد مدّة غير معروفة إلى حدّ الآن إلى منطقة التل ، و بالذات إلى زاوية المعمّرة بتراب أولاد عبد النور ، دون أن يتخلّوا عن عين أزال . وذلك بعد أن بعُد عنهم الخوف من ثأر الأتراك منهم ، و تقادم الحادثة . كما تضيف الروايات بأنّ الجفاف الذي ضرب منطقة ريغة لأكثر من 14 سنة ، و موت الكثير من أحصنة جنود الأتراك جرّاء الجوع ، أو صارت تلك الأحصنة غير قادرة على التجوال في مختلف المناطق باختلاف تضاريسها ، ربّما جعل الأتراك يتركون جمع و تحصيل الضرائب في الكثير من المناطق لبعض الوقت ، نظراً لكثرة الصعوبات التي يتلقّاها الجنود و هم يلاحقون السّكان من مكان إلى آخر ، بحيث يسهل على الأهالي الرّعاة الرّحل مثل أولاد العزام ، الترحال بسرعة دون وصول جنود الأتراك إليهم . و لأولاد العزام تاريخ طويل مع قبيلة أولاد عبد النور ،فبعدما خرج بعضهم من إقليم قبيلة ريغة ، استوطنوا إقليم أولاد عبد النور القبيلة القوية المتحالفة مع الذواودة . إذ تواجدوا بإقليمها قبل 1645 ميلادية ، حسب الوثائق ،و ربّما قبل سنة 1636 حسب وصية الشيخ سليمان بن الحداد لجماعة أهل ضيف الله. و هم اليوم ، بحمام السخنة و عين القارصة (أولاد العزام ) و المهري بالمخانشة و بئر العرش و الولجة و قرية لهوى عبد الرحمن و تاجنانت و البخباخة و شلغوم العيد و عين الملوك و وادي العثمانية و المشيرة ، و هي مناطق كلّها تتبع قبيلة أولاد عبد النور التاريخية . و كان مصيفهم عند جبل قروس شمال شلغوم العيد بحثاً عن العشب ، و تخزين مؤونة العام من قمح و شعير و علف الماشية ،للموسم التالي حينما يعودون إلى ذلك المصيف، و يقال أنّه لا تزال آثار المطامير تحت جنب الجبل إلى اليوم . و استوطنوا المعمّرة عاصمة القبيلة من بداية القرن السابع عشر ميلادية إلى بداية القرن العشرين منه . و لذلك رأينا أنّه من الواجب التعريف بهذه القبيلة و مكان وجودها على الخريطة .

ـ و ننقل هنا جانب من سيرة أولاد عبد النور بعد ترجمتها عن مرجعها الأصلي ـ سيرة أولاد عبد النور ـ MONOGRAPHIE des Oulad-Abd-en-Nour لشارل فيرو ، الذي قام بدراسة ميدانية لها سنة 1864م . مع العلم أنّ بلديتي حمام السخنة و الطاية تعتبران من إقليم قبيلة أولاد عبد النور ، و ما فيهما من أعراش مثل أولاد بلخير و أولاد زعيم و أولاد عثمان و أولاد بلهوشات و المطارفة و أولاد كباب السبايخية و غيرهم من الفِرق ..... وقد جاء ذكر أولاد العزام في الصفحة 92 من ذلك الكتاب على أنّهم من أقدم سكان القبيلة
ـ و قد قمت بترجمة ما رأيته مفيداً في بناء هذا الموقع و علاقته بأولاد العزام و غيرهم ، و كذلك علاقته بجغرافية و تاريخ حمام السخنة ، إلاّ أني أحثّ القارئ أن يطّلع على النسخة الأصلية للكتاب لما فيه من فائدة ، و لمعرفة تاريخ المنطقة ،و لكي تتوسّع النظرة العامة له حول المنطقة ، فيكتشف المثير و المفيد ، مثل ذلك على سبيل الذكر لا الحصر ـ المعركة التي وقع فيها يوغرطا أسيراً لدى الرومان شمال جبل تنوطيت ، و الآثار المنتشرة هنا و هناك والقبائل الأولى التي استوطنت ـ أولاد عبد النور و غيرها .

تعريف الوطن
ـ قبيلة أولاد عبد النور ، واحدة من أكبر المناطق مساحة بمقاطعة قسنطينة ، و تقع بمنطقة التل ، المعروفة باسم الهضاب العليا.إذ تحتل جانب من السهول التي تمتدّ بين قسنطينة و سطيف .و عين الكبش التي نأخذها نقطة مركزية للإقليم ترتفع من على سطح البحر بـ 900 متر . تبلغ مساحتها اليوم حوالي 200 ألف هكتار ، و قد كانت أكبر من ذلك في العهد التركي . خلال العهد التركي كانت القبيلة تنصب خيامها حول عين السلطان عند جبال أولاد بوعون أو أولاد سلام ، و في كثير من الأحيان وسط السهل الغني لزانة .أثناء الصيف نرى أولاد عبد النور على مشارف وادي العثمانية ، حيث توجد اليوم القرية الأوروبية التي تحمل نفس الاسم .بل يصلون بقطعانهم إلى جنب جبل الشطابة و جبل سيدي الزواوي الذي تمتد سلسلته إلى قسنطينة.حيث يقال حينذاك تلميحاً لامتداد هذا الوطن [ قطيف أولاد عبد النور عنده أربعين ذراعاً ] . و هو تعبير يصوّر بالمقابل الأحجام العادية للزرابي النادرة .
ـ في هذه الفترة كانت قبيلة أولاد عبد النور تشكّل واحدة من أقوى قبائل مقاطعة قسنطينة ، حيث كان من السهل لها جمع ألفي[ 2000] فارس ،و مساعدة ، عند الحاجة أصدقائها سكان جبال أولاد بو عون .كانت القبائل المجاورة تسعى للتحالف مع أولاد عبد النور و تعمل على عدم إغضابها .

ـ وقد عمل الحاج أحمد باي على كسر شوكة هذه القوة الكبيرة ، بعزلها و نقض معاهدات التحالف القديمة بينها و بين جيرانها و تقليص الانسجام معها. عندما تزعزع تأثير هذه القوة ، بدأ الباي بتضييق حدود القبيلة و حصرها ، فلم نعد نرى أولاد عبد النور في سهول زانة و لا في شرق جبل قروس .فقد منحت أراضيها المنزوعة إلى قبائل أخرى ، و شكّلت أراضي بايلك ـ عزالي ـ أو أقطعت لعائلات ذات نفوذ بالبلاد.
ـ عندما نغادر قسنطينة متّجهين إلى إقليم أولاد عبد النور ، نصعد بعكس مجرى وادي الرمال ، فنأخذ الطريق الملكي (الرئيسي ) المؤدّي إلى سطيف الذي خُطّ على الجانب الأيسر من الوادي ضمن سلسلة من الكتل الجبلية إلى غاية قرية العثمانية ، حيث تضيق فسحة الوادي. بعد تجاوز هذه القرية ، ندخل في مضيق ذي طابع متوحّش و كئيب ، إنّها صخور منفّرة و مهتزّة ، ذات أشكال عجيبة باللون الرصاصي ، تبدو معلّقة و تهدد باستمرار المسافرين من خشية سقوطها عليهم.
ـ منذ عدّة سنوات ، تمّ إنجاز الطريق من طرف وحدات قواتنا ، و نحتت من جانب الجهة المقابلة لوادي الرمال .هذه الكتل الصخرية التي تسيطر على جانبي الطريق تتوسّع فجأة ، و تتباعد الجبال يميناً و شمالاً و بدون تحضير لهذا التحوّل ، فتنكشف فجأة أمامنا السهول الضخمة التي تمتد بلا نهاية إلى ما وراء سطيف .
ـ بعد خروجنا من المضيق ، وجدنا على اليمين آثار زاوية سيدي حمانة ، آثار تتميّز بصبغة الاحمرار الظاهر، و كما أنّ للعرب حكايات عن كل شيء ، فإنّهم يقولون بأنّ هذا المرابط ، فجّر ينبوعاً من المياه السخنة بحمام قروس حتى يسهل الوضوء لأتباعه المصابين بالبرد خلال الشتاء. إنّ سهول أولاد عبد النور ليست مغطّاة بالأشجار ، و هي ترتفع تدريجياً من الشرق إلى الغرب إلى غاية سطيف كنقطة بلوغ الأوج ، فهي متموّجة نوعاً ما ، عدا الجهات المرتبطة بسلسلة الجبال المحاذية لجهتي الشمال و الجنوب ، حيث الارتفاعات المتزايدة .
ـ من جهة الشمال لم يكن النسق الجبلي ذي طابع كبير ، فجبل قروس ، الذي يبدو في الواجهة ، كأنّه رأس مسمار عارٍ أحرقته الشمس ، لا يوجد على سطحه أدنى شيء أخضر . ثمّ تأتي بعده مرتفعات سيدي مسعود التي لا تعدّ صعبة بل بالعكس فهي ترتفع تدريجياً إلى القمّة على أراضي فلاحية ، حيث يمكن القول بعدها ، بأنّ السهول تبدو لا بداية لها و لا نهاية .
ـ نحو الجنوب تنتشر سلسلة جبلية تدعى جبال تافرنت ، مقطوعة بممري كل من المشيرة و عين الكبش ، و ممرات أخرى لا أهمية لها .و في ختام هذا المنظر يبدو من بعيد طيف الصورة لجبل تنوطيت .باختصار ، فإنّ إقليم أولاد عبد النور ينقسم إلى منطقتين ذات تأثير مناخي مختلف ، و من المنطق ، أن يكون منظرهما مختلف، التل و السباخ ، يفصل بينهما سلسلة جبل تافرنت ، ثمّ في الغرب جبل تنوطيت .هذان الجبلان يمثّلان نوعاً ما نقطة مركز القبيلة .
ـ و التل هي المنطقة المرتفعة نحو الشمال ، و تسمى ـ السروات ـ ، بلد الفلاحة التامّة ، إنّها المنطقة الخصبة بامتياز .أثناء الصيف تهبّ رياح معتدلة باستمرار ، لتلطيف الأرض حيث تحدّ من أشعة الشمس الحارقة للسهل .و في الشتاء ، يكون الهواء سريعاً و البرد قارساً ، و لقد رأينا ، في شهر جانفي الماضي ، أنّ مقياس درجة الحرارة قد نزل إلى الدرجة السادسة تحت الصفر [ 6°-]. كما أنه أمر معتاد بأن تكون العواصف المصحوبة بالبرَد و الثلج تغطّي الأرض لعدّة أيام . أمّا المنطقة المنخفضة من التل ، المتّسمة بمجرى وادي مرج حريز فهي مستنقع سبخي .
ـ أمّا السباخ ، أي الأراضي المُشربة بالملح البحري، التي تسمّى أيضا بالبلاد الحامية و تشتمل على السهول المنخفضة ، غالباَ ما تكون حصراَ على الرعي للحيوانات و نصب الخيام في فصل الشتاء .عندما نتوغّل داخل هذه الامتدادات ، من أحد ممرّات جبل تافرنت ، تجذب عينك أفاقاً كبيرة و ضخمة .نحو الجنوب وراء عين السلطان ، نشاهد سلسلة تصاعدية من الجبال ، تشكّل تقسيمات عجيبة لا يتصوّرها العقل .إنّها قمم جبال ، لأولاد بو عون و أولاد سلطان ، أحياناً تكون مغطّاة بالثلوج ، ، هي جملة المرتفعات المحيطة بباتنة .ثمّ في أقصى الغرب يوجد جبل ـ أقمرول ، حيث تبدو بحيرة مالحة هي ـ شط الصايدة ـ كأنّه يقف في وجه الألوان البخارية للأفق ، يبدو ساطع البياض و يلمع كمرآة قد نُصِبَت في وجه الشمس . و تكون السباخ على العموم مغطّاة بنباتات :
ـ القطف :Atriplex halimus
ـ الشيح : Artemisia herba Alba
ـ الحلفاء : Stipa tenacissima
كنّا نرى دوماً في هذه المروج الضخمة ، و أراضي البور المعشوشبة ، القطعان الكبيرة من الأغنام ترعى فيها ، وقليل منها قطعان البقر ، و لكن بالأخص نوع من الأحصنة ذات سلالة مشهورة . تغّيرت هذه الظروف منذ الاحتلال الفرنسي ، فقد اتسعت الأراضي الفلاحية بمساحات كبيرة ، و تمّ حرث الأراضي البور ، و شيئاً فشيئاً ازداد الأمن و الثقة ، فأُتبٍعت المحاريث بالخِيام ، ثمّ شُيٍّدت المشتى ثمّ أنشئت دواوير جديدة بالقرب منها.

الحدود الحالية للقبيلة
ـ مثلما هو معلوم اليوم ، فإنّ حدود القبيلة تبدأ من قمّة جبل قروس ،ثمّ تتجه نحو الشمال حيث تصل إلى قمّة كاف تازروت الذي يفصلها عن أولاد كباب ، ثمّ تتبع القمم نحو الغرب، فتنزل إلى وادي الدهس حيث الحدود مع قبيلة وادي بوصلاح .ثمّ تصعد إلى قمّة جبل سيدي مسعود فتعبر رأس الوهاد النازلة ، فتقطع مرج البلاعة عند رأس ساقية تدعى وادي تاجنانت [ الرمال] ، هنا تبدأ مناطق العلمة . و محافِظة على اتجاهها الغربي ، تمر الحدود من سفح جبل ستيتة ، إلى وادي جرمان ، فتجتاز السهل الكبير للباحرة و تمرّ غرب المياه السخنة للسخنة و تصل إلى حافة البحيرة المالحة المسماة شط الصايدة و على كامل هذا السهل نجد قبيلة العلمة جارة لها .تستأنف الحدود بدءً من ثنية رمادة على الجانب الشرقي للسبخة، فتتّجه شرقاً و هي تتبع طريق سطيف إلى عين السلطان الذي يفصلها عن أولاد السعيد بن سلامة من الحضنة ، ثمّ إلى أولاد بوعون و ممر الأشراف . تمرّ على قمة جبل أقمرول و تنزل إلى بئر بن خليفي . و من هنا تتجه شمالاً تاركة عين السلطان و وادي بوغزال على اليمين ، ثمّ تقوم بمنعطفات داخل السهل الفسيح للسباخ حتى تصل إلى ثنية السدرة و جبل مقطع الحجر . تأخذ الاتجاه من جديد ، فتتبع قمة جبل تيزوريت مروراً ببئر بن زيرق و تصعد شمالاً اتجاه التلال الصخرية للضايات ـ Daiat ـ حتى ثنية الصايدة قرب جبل قدمان .يجاورها عند هذه النقطة إقليم الصحاري [ السحاري ] .و من ثنية الصايدة تعود إلى الشمال ، فتجتاز سهل ـ قابل تافرنت ـ لغاية وادي جبانة أولاد الباهية ، تاركةً على يمينها جانب من تراب التلاغمة .تصعد شعبة بنت كاعم من خلال أرض مغطاّة بالأشواك ، هذه الأخيرة تفصلها عن قبيلة البرّانية ، ثمّ تنزل السهل الممتد شرق المشيرة ، مجتازة عدّة تلال ، حيث تصل إلى مشارف وادي مرج حريز ، ثمّ تقطع طريق سطيف إلى قسنطينة لتصل أخيراً إلى جبل قروس، تاركة على اليمين مبنى إدارة البرق الجوي القديم ، الذي شُيّد على جنب هذا الجبل .
المستنقعات و مجاري المياه
ـ كل ما هو شعبة أو وهد ، إنّما تكَوّن نتيجة السيول المتقطّعة ، فهو تقريباً ناشف على الدوام ، و لكن هذه الشعاب تُبقي هنا و هناك على بِرك الماء ، التي يبقى بعضها إلى منتصف الصيف.في سهول التل و السباخ ، تسمّى المستنقعات بالغدير أو بالفايد . يعبر إقليم أولاد عبد النور و تقريباً على كل طوله ، مياه النهر الذي يغمر حافة قسنطينة ، و يسمى وادي الرمال ، ثمّ يرتمي في أحضان البحر عبر اسم الوادي الكبير . ينزل مجرى المياه هذا ، من أعالي جبل سيدي مسعود ، فيُطلق عليه بالتعاقب ، الوادي الفارغ ، ثمّ وادي البلاعة ، ثمّ وادي المعمّرة ، ثمّ وادي تاجنانت ، ثمّ وادي العثمانية وعند خروجه من مضيق جبل قروس يأخذ اسم وادي الرمال ، فهو ممكن العبور تقريبًا من كل النقاط ، و غزارة مياهه هي عند وادي مرج حريز و وادي أوسكورت( الذي كان يسمى وادي المهري) و أخيراً عند وادي الذكري ، و هناك مجاري صغيرة و ناشفة لا أهمية لها ، و لكن خطرة في فصل الشتاء عندما تمتلئ جرّاء العواصف .هناك حادثة وقعت مؤخّرا ، تكفي لمعرفة الأضرار المعتبرة التي تسببها هذه المصائب المفاجئة . " ـ ضرب إعصار شديد أولاد عبد النور ، مساء 18 سبتمبر 1862 ، ففاض وادي الرمال بسرعة ، و كان ذلك عشية سوق العثمانية ، حيث نُصبت دزينة من الخيام لتجّار من الأهالي . ففي ظرف أقل من خمس دقائق وصل الماء المنحدر من الجبال على هذا المركز إلى أربع سنتيمترات ، و شكّل سيلا عارماً في الوادي . فـجرّ معه الخيام و المساكن البسيطة و الأشجار و الرجال و الحيوانات جرّاء قوة المياه . و بسقوط البرَد بكثافة أعطى لذلك الخراب طابع أكثر غرابة . فقد اجتاح الماء الطريق و وصل ارتفاعه إلى نصف متر داخل غُرف فندق العثمانية ، كما اقتُلعت عدّة جسور و وصل عدد الضحايا إلى المائة ."
ـ في الغرب يسيل وادي جرمان مشكّلاً نقطة الحدود مع العلمة .
جبال و غابات
ـ أولاً في شمال أولاد عبد النور ، يوجد جبل قروس (علوه 1107 م) ، هو اليوم تعرّى بالكامل و أصبح جافاً و قاحلاً ، رغم أنّ الحكاية تقول لنا بأنّ أشجاره كانت تستعمل في القديم كمحاريث لسكان السروات . ثمّ يأتي بعده جبل سيدي مسعود الذي أقطع أشجاره الأهالي ، فجبل تنوطيت [1274م] الذي يسمّيه العرب ـ أخ جبل براهم بالعلمة ـ . و هكذا فجبل قروس الذي كان مشجّراً في ما مضى ، لم يكن موصولاً بالنسق الجبلي لتافرنت إلا عن طريق مجموعة كتل تسمى ـ المقسم ـ أو خط التقسيم ، أي الأعالي التي تفصل التل عن السباخ .و جبل تافرنت هو جبل كبير يمتد من الشرق إلى الغرب ، و نسقه الجبلي هذا يوجد في وسط القبيلة ، و له عدّة قمم ، تعرف بأسماء عدّة . و ذروة القمم هي ـ ركبة الجمل ـ( 1400م )ثمّ قمّتا تامغزة و بلغرور لجبل الطارف .هذه الجبال لها عدّة ممرات مثل الذي هو بالمشيرة و ثنية سد الباب و ثنية طريق البيضاء و تامغزة و المقسم ، و سوف نتكلّم حول ذلك فيما بعد.
ـ أمّا جبل تافرنت و بالأخص عند قمّة ركبة الجمل ، فهو مغطّى بأشجار البلّوط الأخضر و شجر الضّرو (المصطكا)و الشربين الشوكي و شجر العرعار و بعض أشجار الزيتون البرّية . فهذه الغابة ـ إذا سمحنا لأنفسنا بإعطائها هذا الاسم الآن ، فهو ممكن في المستقبل .فقد قدّمت مصلحة الغابات بتحفّظات اتجاه القبيلة التي قامت بتبديد هذه الثروة الثمينة بدون بصيرة. و الجدير بالذكر هنا ، أنّه وسط بقايا هذه الغابات ، يوجد على عدة نقاط مثل جبل الطارف ، أشجار زيتون نحيلة ولا قوة لها من دون شك ، و لكن ذلك دليل على أنّ هذه الشجرة الثمينة تنمو باستمرار إذا وجدت من يغرسها. و الباقي ممّا يأتي لتأييد هذا الرأي ،هو العدد الكبير للمعصرات الرومانية (معاصر الزيتون)، حيث نرى بقايا آثارها في منطقة السباخ و كذلك بين المشيرة و وادي جبانة أولاد باية على المنحدر الجنوبي لجبل الطارف .
جبل أقمرول : يوجد هذا الجبل في نهاية السباخ ، و يمتد من الشرق إلى الغرب بدءً من عين السلطان إلى مشارف سبخة الصايدة .و قمم أقمرول مغطاة جيداً بالأشجار ، و الأشجار المهيمنة هي شجرة الشربين الشوكي ممزوجة ببعض الصنوبريات و نبات الضرو و أشجار الزيتون النحيلة.

مسالك و دروب و طرق
ـ إنّ أهم طريق في وقت العرب هو طريق السلطانية ،إن شئنا قلنا هو الطريق الملكي (الرئيسي).أخذ هذا الاسم كونه الطريق المعتاد من طرف البايات ، عندما يذهبون إلى الجزائر حاملين معهم الضرائب الفصلية. يقطع هذا الطريق من الشرق إلى الغرب السروات أو الجهة المرتفعة من أولاد عبد النور ، و يمرّ عبر كاف تازروت و قصر بني فيلان و ذراع طوبال و جامع سيدي علي المكسي و غيره.... هذا الطريق الواسع الاتصالات ـ و نقول ذلك بتسرّع ـ ليس هو كما نتوقّع في البداية . فلا توجد به قنوات صرف المياه و لا ردم ولا قناطر ، فما نسمّيه أعمال تقنية مجهول تماماً . فعندما نتصوّر طريقاً بدون حدود محصورة ،ويقطع الوديان الصعبة دوماً في فصل الشتاء ، و يتسلّق جوانب صلبة ، و ملتويًا عبر الحقول.... على العموم ، تلك هي طبيعة كل طريق عربي ، التي لا يستثنى منها طريق السلطانية .
ـ يوجد كذلك طريق آخر موازياً للأول .ذلك الذي يبدأ من مضيق حمام قروس ، محاذياً المنحدر الجنوبي للسروات حتى يصل برج المعمّرة .إنّه تقريباً رسم طريقنا مروراً على قرية الذكري . يوجد درب آخر على جنب جبلي تنوطيت و تافرنت ، يبدأ من الشرق إلى الغرب ، أي من التلاغمة إلى العلمة . أخيراً و في السباخ ، هناك مسلكان لهما نفس الاتجاه كالطرق السابقة الذكر ، فالأول يبدأ من بحيرة تينسيلت عند دوار زمول و يمرّ على حافة نيف النسر تحت جبل ركبة الجمل ، إلى بيار الطاية (آبار الطاية) ، فيصل إلى الباحرة و منها إلى العلمة . و الثاني يبدأ من زمول و يمر على عين السلطان على المنحدر الشمالي لجبل ـ أقمرول ـ و يفضي إلى السخنة قرب شط الصايدة . يتفرّع هذا المسلك محاذياً عين السلطان على المنحدر الجنوبي لجبل ـ أقمرول ـ و يصل إلى هنشير العطش و ذلك دائماً على مشارف شط الصايدة .
ـ زيادة على هذه الطرق الكبرى للاتصالات ، هناك طرق أخرى تتجه من الجنوب إلى الشمال قاطعة الطرق السابقة تقريباً في زاوية قائمة و بذلك فهي تشكّل معها خطوط رقعة ضامّة كبيرة. في شرق أولاد عبد النور ، هناك درب ينزل من أعالي كاف تازروت و يجتاز أولاد إدير ، ثمّ ممر مرقب الطير ، ثمّ ممر المشيرة و يصل إلى الأبيار الجدد ( الآبار الجدد) ثمّ بئر الرعيان و من ثمّ إلى أولاد بو عون . هناك درب آخر يأتي من عين كارب و يمر قرب قرية الذكري و يجتاز سهل أولاد خلوف ثمّ جبل تافرنت و ممر عين الكبش و يفضي إلى السباخ . هناك درب آخر و يبدأ كذلك من عين كارب و يمر على المعمرة و يقطع سلسلة تافرنت عند ممر تامغزة بعد اجتيازه السباخ و يصل إلى عين السلطان . و معرفتي للإقليم تجعلني أعتقد بأنّ هذا الدرب هو نفسه الذي سلكه الرحالة بايسونال ـ Peysonnel ـ حيث قال في هذا الموضوع : " في 12 جوان 1725 م بتنا في دوار أولاد عبد النور قرب ينبوع يسمى عين كارب ، و يوم 13 مررنا عبر سهل جدب حيث يوجد مسجد جلم مور ... ، ثمّ اجتزنا هذا السهل فوجدنا جبال حيث قطعناها عبر وادي صغير و جميل ، لكي ندخل سهلا ثانياً أكبر حجماً ، حيث لم نجد قطرة ماء . في هذا اليوم مات الكثير من الثيران و الأحصنة ، سواء جراء التعب ، أو سواء جراء نقص الماء. كان لزاماً علينا اجتياز هذا السهل ، لكي نرى آثار مدينة التي يمكن اعتبارها هامة ، تسمّى اليوم لامازا ـ Lamazaـ ربّما كانت تسمى في الماضي لاماسبا ـ Lamasba...حيث نمنا قرب ينبوع يسمى عين السلطان . يشكّل هذا العنصر المائي ساقية سرعان ما تتلاشى بجنب مستنقعات مالحة . كان الطريق في الاتجاه الجنوبي الغربي بطول إحدى عشر فرسخاً ."
ـ هل يمكن القول أنّه عندما كان الرحالة بايسونال ـ Peysonnel ـ و هو يبحث عن أسماء أماكن الآثار الرومانية الموجودة فعلاً بالسباخ ـ جنوب جبل تامغزة ، يكون مرشِدوه قد دلّوه على اسم الجبل الذي يحيط بالإقليم ؟ و لا يعرفون غيره ، و بذلك صارت تامغزة لامازا أو لاماسبا ؟ .
ـ هناك طريق يبدأ من ضواحي المعمّرة و يجتاز ذراع المقسم بين جبل تنوطيت و آخر القمم الصغيرة لجبل تافرنت و يفضي إلى سهول السباخ ، و يتفرّع ليصل بيار الطاية (آبار الطاية). أخيرا و غرب جبل تنوطيت يوجد مسلك يبدأ من أعالي جرمان و يعبر السهل إلى السخنة . زيادة على ما تقدّم ، فقد شُقَّ الإقليم بمسالك عديدة و من كل الاتجاهات لربط مختلف الفِرق و المشاتي بعضها ببعض .
عيون و منابع و آبار
ـ بأولاد عبد النور ، فإنّ السروات تسقى بينابيع الماء المتعددة ، حيث المياه صافية و غزيرة .فقد تمّ تهيئة ذلك في زمن الرومان ، بشكل يكاد كلّياً . و لكن في حقبة زمنية ما ، من الصعب علينا تحديدها بدقة ، انقلبت الأوضاع .فقرب كل ينبوع ماء أقيمت مدن أو أبراج أو مزارع ، حيث لا نشاهد إلا البقايا . و نذكر فيما يلي بعض العيون :
ـ عين كارب ـ عين الملوك ـ عين العافية ـ عين عزيز بن تليس .
حاليا ، تضيع هذه المياه في وسط الأسس القديمة ، و لكن في حفريات أقيمت بلياقة ، مما يسمح لهذه العيون بأن تصل إلى مستواها القديم ، و يزداد ضخّها بصفة معتبرة .
ـ يوجد في النسق الجبلي لتافرنت منبعا عين المشيرة و عين الكبش . و تعتبر عين المشيرة واحدة من أغزر عيون الإقليم ، فهي تسيل على الدوام تحت قبّة هي اليوم مردومة بالكامل ، و رغم ذلك يبقى حجم الماء قوياً جداً ، هو كاف لدوران طاحونة أوروبية توجد بالقرب منها. بالقرب من الوادي ، تحت المطحنة ، نشاهد قناة ماء تستغل للسقي .. كما قام الأهالي بتنظيف عدة آبار رومانية لأجل أغراضهم الخاصة ،محفورة في عرض السهول قرب مؤسسات قديمة.
ـ في منخفضات التلال الرملية (الفايد)، يكفي إقامة حفر بعمق بعض الأمتار ( الحاسي)، للحصول على كمية الماء المطلوبة ، و قد حفرت السلطات العسكرية كذلك ، الكثير من الآبار لمساعدة السكان ، و أهم هذه الآبار :
بئر أولاد خلوف ـ بيار الطاية( 05 آبار) ـ بئر التاورة ـ بئر الخربة ـ بئر هنشير العطش
هذه الآبار حيث الماء الجيد و الغزير ، و لكن يمكن القول أنّه نوعاً ما عديم الطّعم . و لكن بكل أسف لا يمكن القول ذلك على :
بئر أولاد أوجرتان ـ بيار (آبار) تاميمونت
حيث حُفِرت الآبار على الطبقات الجبسية الممتدّة تحت الكتل الثانوية لجبل تافرنت .فمياهها شديدة الملوحة ، و ذات طعم مقزّز و لها صفة التطهير بشكل واضح،فالحيوانات ذاتها تشربها بِنفور .

مستشفان طبيعيان
شط الصايدة : شط الصايدة حيث تتلاشى مياه السباخ ، عبارة عن حوض فسيح ، يحتل سطحه أكثر من أربعة ألاف هكتار . له عمق جبسي ومغطى بطبقة لامعة من ملح بلوري ، حيث يستهلكه الأهالي بعد جنيِه .و منطقة الشط التابعة لأولاد عبد النور ، تكون ناشفة تقريباً في فصل الصيف ، حيث يمكن للرجال و الحيوانات اجتيازها بدون خطر يذكر.
المياه السخنة بالسخنة : يوجد عنصر المياه السخنة للسخنة وسط التلال الرملية على مشارف شط الصايدة ، و تتراوح درجة حرارتها ما بين 40° و 45° درجة سنتيغراد ،و الأهالي يولونها اهتمام كبير من جانب النظافة لحفظ الصحة ، إلى جانب العنصر نرى أطلال التي تشهد على الاستعمال من طرف الرومان لهذه المياه المعدنية الحارة ،و لا يزال العرب يفعلون الشيء نفسه في أيامنا هذه . و قد زارها ديفونتان ـ Desfontaines ـ و قال بشأنها : "هذه الأماكن مجدبة و أرض بوار ، و نشاهد بُقَع ذات مساحات معتبرة ، بيضاء كالثلج.على كل هذه السهول ، لا توجد ولا شجرة واحدة .على الساعة الواحدة ، نصبنا خيامنا في مكان صلصالي، منيع و مسطّح ، يسمّى ـ صرامة ـ (السخنة) ، حيث توجد مياه مالحة ساخنة جداً .السهول رائعة ولكن غير محروثة ، إلاّ قليل منها ، و تمتدّ من الشرق إلى الغرب على مدى البصر. "
لوران شارل فيرو ـ أولاد عبد النور ـ فبراير 1864
ترجمة : منوّر مبارك عزام ـ حمام السخنة ـ جانفي 2009
حواشي المترجم:
جبل قروس : جبل قروز
شط الصايدة : يسمى اليوم شط البيضاء
جبل تنوطيت : و يسمّى كذلك جبل عائشة تنوطيت أو عيشة تنوطيت
السروات : جمع سراة و هي الأرض المرتفعة
جبل الطارف : كان مغطّى بشجرة تعرف بـ الطرفاية
عين السلطان : ينبوع جنوب سوق عين جاسر
الفرسخ : أربع كيلومترات تقريباً
Peysonnel : رحالة فرنسي عاش ما بين 1694م- 1759م ، زار أولاد عبد النور عام 1725م
مسجد جلم مور : حسب شارل فيرو هو ـ مسجد المعمرة
Desfontaines : عالم نبات فرنسي عاش ما بين 1750م- 1839م ، زار أولاد عبد النور في سبتمبر 1785 م
صرامة : يقال بلد صرامة عن سكان السباخ ، هنا يقصد بها بلاد حامية و جدباء
شارل فيرو : L.Charles FERAUD ، مترجم للقوات الفرنسية بإفريقيا عاش ما بين 1829-1888م



Votre commentaire s'affichera sur cette page après validation par l'administrateur.
Ceci n'est en aucun cas un formulaire à l'adresse du sujet évoqué,
mais juste un espace d'opinion et d'échange d'idées dans le respect.
Nom & prénom
email : *
Ville *
Pays : *
Profession :
Message : *
(Les champs * sont obligatores)