الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى
********************************************
لو خيِّر كثير منا بين الصحة والمال لاخترنا المال عن وعي أو دون وعي لما هذا الأخير من أهمية في زماننا هذا..
أيها الأعزاء
هذه تجربة حقيقية وقعت لي حينما دخلت المستشفى وأجريت لي عملية جراحية ، تذوقت حينها معاني السعادة الحقيقية ، سعادة لها رابطة وثيقة بالروح لا تشترى ولا تباع ، وأدركت الفرق الواضح بين الصحة والمال ، بمفهومها العام الصحة البدنية والنفسية والعقلية..
أثناء وجودي في المستشفى رأيت مشاهد ووقائع حية تجعل أقسى قلب يلين وأشده قسوة يرق من هول المعانات و الآلام وفي بعض الأحيان قلة العناية بالمريض وسوء الاتصال مع المحيط إذ لازالت لغة الخشب واللامبالات هي المنطق السائد..
أكبر ما يزيد من معانات المرضى داخل المستشفى طول المكوث فيها لدواع صحية ، مع إفتقارها إلى الأنشطة الترفيهية ، وإلى مكتبة للمطالعة ، أو نادي للأنترنت لعله يستعيد المريض توازنه النفسي والعقلي ، ورأيت أن أكبر وأهم ما يرفع الغبن والاحساس بالغربة لدى المريض كتلك الكلمة الحانية والرقيقة والمعاملة المثالية التي يتلاقها من الممرض أو الطبيب ..إذ أن معاناة المريض لا تنتهي ؟ يعاني من المصاريف ! يعاني من الغربة ! يعاني من الوحدة ! يعاني من البعد عن الأهل في الجزائر العميقة ! هذا من الجنوب !وذاك من الشرق ! إنها تفتح أبواب التجارة مع الله .. أين هم المتنافسون؟
أعزائي ... كل منا له تصورات خاصة به عن الموت أو الحياة أو الدنيا ، ذلك أن التربية والعادات والتقاليد تجعل كل منا تنطبع لديه تصورات معينة قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة عن الكون والحياة.. لكن حين يكون الانسان في غرفة العمليات الجراحية وبين أنامل الجراحين تتغير لديه جميع المفاهيم والتصورات وتكون الحقيقة المجردة والعلم اليقين أقرب إليه من أي شيء ، وفي تلك اللحظة التي يتهيأ الأطباء لاجراء العملية الجراحية يذهب الخيال بالمريض إلى إعادة مراجعة مسيرة حياته فتبدو له الحياة قصيرة جدا جدا حتى ولو عاش100سنة. الله 100 سنة من الحياة تختصر في لحظات ! نعم إنها الحقيقة بعينها ، قل إن شئت إنها عبارة عن شريط لا يتعدى بضع ثوان!
في تلك اللحظات المصيرية من حياة الفرد يبدو الانسان ضعيفا هزيلا حقيرا بعدما كان ينتفش مثل الطاووس ، فجميع من كان يستعين بهم من الزوجة والولد والمال والمنصب والقوة لا قيمة لهم ، إنه يجد في داخل وجدانه أن هنالك قوة غيبية أكبر منه وأكبر من كل قوة في الوجود ، وفي ذلك الموقف المهيب تحدثه نفسه وتقول له أنت مقبل على عملية جراحية بعد هنيهة وستغيب عن وعيك ، فهلا أدركت أنك مقبل على الله إن كتب لك أن تموت؟ وهل عملك الذي ظلت طيلة حياتك تكدح من أجله مقبولا أم مردودا عليك؟ لا يملك الانسان في تلك البرهة السريعة سوى أن يحسن الظن بالله ويتشهد لتكون آخر كلمة له في هذا الدنيا. آه آه كم صعبة تلك الأنفاس الأخيرة وأنت ترى كل ما تملك من زوجة وولد ومال تركتهم وراء ظهرك ولو بقوا معك ما نفعوك . إنها حسرة ممزوجة بالندامة قرابة 50 سنة وأنت تسير إلى ربك والامل يحدوك بتحقيق الأماني والأمال ، فاذا الواقع يصدمك بالحقيقة المرة ويعود بك إلى نقطة البداية الحقيقية التي نتغافل عنها من طول الألفة وهي أن لكل بداية نهاية...
غاب المريض في وعيه واستسلم لمشيئة الله ثم لأنامل الجراحين وكان ما كان ، فلما أفاق أدرك أن الله عزوجل أمد في عمره ليصلح ما ينبغي أن يصلحه ، وأن الحياة عرض كما تعرض السلعة ثم تزول ، وعمر الانسان محدود مهما طال ، والانسان سيرحل مهما صال وجال فاعتبروا ياأصحاب القلوب.
-
Votre commentaire
Votre commentaire s'affichera sur cette page après validation par l'administrateur.
Ceci n'est en aucun cas un formulaire à l'adresse du sujet évoqué,
mais juste un espace d'opinion et d'échange d'idées dans le respect.
Posté Le : 31/07/2014
Posté par : aliyoucef
Ecrit par : aliyoucef