التحرش الاسباني على مستغانم
بقلم الاستاذ فاضل عبد القادر
بعد سقوط آخر معاقل المسلمين بالأندلس باحتلال الصليبيين لمملكة غرناطة 1492م سنة و اكتشاف الغزاة الأوربيين العالم الجديد، والذي يعتبرونه مفخرة لماضيهم، في حين عاثوا فسادا في حضارة الآزتيك والمايا ولتنو قسما كبيرا من أرض الهنود الضعفاء . تطلع الكاردينال خمينيس إلى التوسع خارج شبه جزيرة أيبيريا فاحتل الاسبان مدينة مليلية المغربية وتحقق لهم ذلك سنة 1497م بتأسيس حامية بلاقونة التي تعرف بمرشيكا حيث لعبت دورا في إعداد أسطول بحري تمكن من احتلال المرسى الكبير 1505م جعل من الأسبان قوة بحرية ببورتوفارينة لشمال إفريقيا، ومن أجل الحفاظ عل المرسى الكبير تطلعوا لضم وهران سنة 1509م بتواطؤ اليهود معهم تنفيذا لوصية إيزابيلا ملكة قشتالة التي توفيت سنة 1504م وبقيت المدينة تحت النفوذ الإسباني إلى غاية تحريرها من قبل الأتراك سنة 1792م ، وللإشارة فإن المحاولات العسكرية العثمانية المتكررة باءت بالفشل كما خسر العثمانيون خيرة قادتهم منهم الباي شعبان الذي استشهد قرب أسوار وهران 1098هـ الموافق لـ 1686 ـ 1687م وفي1732م يجتاح الأسبان الشريط الساحلي ويستعدون للنيل من مستغانم رغم اتفاقيات الصلح المبرمة منها التي وقعت سنة 1511م في عهد ابنة الملكة إيزابيلا.
وبقاء الأسبان في وهران ساعد مؤرخيهم ومفكريهم على نهب أرشيف المدينة منه المخطوطات التي لا يزال بعضها أسير المتاحف والمكتبات في مدريد ومدن أخرى من اسبانيا، وكتب عنها مؤرخون عرب وبربر و أتراك وأوربيون
PIROU – THIRAU – CAPITAINE VERNAZ – RUFER – MAULEREA
من هؤلاء المازوني رحمه الله و الشيخ بوراس ، حيث كانت مستغانم من المدن الهامة في بايلك الغرب بعد تلمسان، ارتبط تاريخها العسكري للقرن السادس عشر بقدوم الأتراك إلى العاصمة 1516م وسقوط وهران في يد الأسبان 1509م ،وبموقعها الجغرافي الهام أصبحت مستغانم قاعدة هامة للعمليات العسكرية ضد عدو صليبي كان يتحرش عليها من وهران باستمرار، في سنة 1551م محمد الحران ابن الشريف محمد المهدي سلطان المغرب حاول غزو مستغانم و اتخاذ مسيرته نحو الجزائر العاصمة لكنه اصطدم بقوات حسن قورصو عند مشارف الشلف الأدنى الذي ألحق بالسلطان المغربي هزيمة واسترجع المدينة ، بعد خمس سنوات 1556م حسن قورصو يتوجه نحو وهران وبمستغانم يجمع قوة عسكرية بحرية تمثلت في أسطول كبير يحمل فرقا متعددة الأسلحة منها المدفعية والمشاة.
كيف واجهت مستغانم التحرش الإسباني الصليبي :
حاول حكام قشتالة إخضاع مستغانم للتاج الملكي بمباركة من الكنيسة الكاثوليكية في أكثر من حملة عسكرية منظمة انطلاقا من وهران مستغلين وفاة خير الدين بإسطنبول سنة 1547م لكن ابنه محمد حسن باشا اظهر براعته في القتال بسهل أغبال أسفل السبخة المالحة جنوب وهران( المالح ) لم يكن انسحاب حسن باشا من الميدان هزيمة بل نتيجة الفاجعة التي حلت بأسرته عند بلاغ خبر وفاة والده فاهتم هذا القائد بتحصين مستغانم ومزغران ، وعمل على استتباب الأمن والاستقرار في أوساط عرب وبربر وكرا غلة المنطقة وضواحيهما واستمر في مراقبته لتحركات الأسبان المرابطين في وهران ،فبانسحاب حسن باشا من سهل أغبال اعتقد حاكم وهران الكونت دي ألكوديت المرابط بجيشه بالقرب من عين تموشنت أن ذلك الانسحاب ماهو إلا فشل ذريع وفي الثالث والعشرين من شهر أوت سنة 1558م جهز ألكوديت حملة عسكرية لإحلال مزغران حين نزلت قواته بشاطي سيدي منصور وتقدمت نحو المدينة المرتفعة والمحصنة بأسوارها فصمد أهاليها رفقة جيش الحامية التي أنشأها حسن باشا كما شارك في القتال ولي الله الصالح سيدي لخضر بن خلوف المكنى لكحل الذي يصف المعركة الشرسة في إحدى قصائده وهذه أبيات منها :
كـي فـزعنا صبنا صبنيول صايلين ـــ في وسطنا درناهم لسيف والطراد
عند سيدي منصور ضحاو هاربين ـــ ثم دورنا بيهم بالقوس والزنــــــاد
ولما غربت شمس اليوم الثاني حتى كان النصر حليف سكان المنطقة الذين أبلوا البلاء الحسن ، وأودوا بحياة أكثر من9000جندي اسباني وعلى رأسهم الكونت دي ألكوديت إلى جانب ما يزيد عن 9000آخرين منهزمين فارين من المعركة الشرسة يجرون ذيول الخيبة مثلما يشير الشاعر سيدي لخضر بن خلوف
حــزنــاهم للــصــور ذاك اليــوم تـسع آلاف بقـــــات مــغـــنـــومة
من حيط الدشرة لحوض الدوم تسع آلاف مســــــــات محطــومة
كبندو الكلب اليوم راسو طــار والرقبــــة من الجسـد مقطــوعة
ضربو شاطر حاط بالمطيــــار يلغا لو بصــوات مــــــنــــــزوعة
و المدرع في الحين صار شطار والشيعة بالســـيــــف مقلــــوعة
و مشى الشارب كله مقســـوم و السنـــة بالخبط مفـــــــــرومة
دومارتيل من البكــا مهمـــــوم قال لحقـــوا وبــــادروا للمـــــــاء
في عنقه لحبال مشى محزوم ويتعشـــــاوه ذياب للفــــرمـــــة
كما يواصل الشاعر الذي عايش الواقعة قائلا:
وين صحاب الكونت بو لسنان ويـــن نصــــــارة الجسيســـــا
وين القساسين و الرهبان اللي يعبـــدوا سيدنا عيســـــــا
حاشا روح ربنا الرحمان يتـــمثــل مـن قـــوم منجوسـة
ماهو من فرسان ذاك القوم لازادوا ظــلام على الظــلمـــة
ترجاه الإسلام لن يقوم خيـــر الدين يساــير الأمـــــــة
يا سايلني عن طراد الروم قصة مزغــــــران معلومـــــة
طل على الكفار يوم السبت خرجولك من باب مزغران
إلى غرب السور كانوا زفت ولا الدود طلاو بالقطــــــران
احلف لهم سلطانا وثبت خذا العاهد شروط بالأمــــــان
ذا الأتراك مجندة للروم فزعت الكفار ملمومـــــــــــــة
حنا قالوا قماح جينا اليوم و تهدت خرفان محطومـــــــــة
ياسايلني على طراد الروم قصة مزغران معلومــــــــــــة
اللي حضروا جاهدوا ومشا وا و البعض من الناس ماحضروش
و إلي طاحوا في الحفير بقاوا كثرة ذوك الناس ماصبروش
و اللي جاواصباح يتمشاوا ما صابوا في السوق ما يشروش
لا مسلك للباب لا سلوم لا هتفة في السور لا فرمـــــة
سور ابيض بشرايفو محكوم حايل بين الصيد و المرمــــى
يا سايلني على طراد الروم قصة مزغران معلومــــــــة
وبمقتل الكونت دي آلكوديت لم يجد ابنه مارتيناز بدا سوى طلب جثته والده ، فاستجاب حسن باشا وجهز مركبة ترافقها أخرى لنقل تابوت القائد الإسباني إلى ميناء وهران، فعل إنساني يليق بمقام وصايا الدين المحمدي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/05/2011
مضاف من طرف : yasmine27
المصدر : الاستاذ فاضل عبد القادر