مستغانم

466 عامًا على معركة مزغران ضد الغزو الإسباني: الجزائر، القلعة الحصينة التي لا تُهزم



466 عامًا على معركة مزغران ضد الغزو الإسباني: الجزائر، القلعة الحصينة التي لا تُهزم

لمن زعموا أن الجزائر لم تكن أمة قبل عام 1830، نقول العكس تمامًا، فقد كانت الجزائر، في القرن السادس عشر وما قبله بكثير، تمتلك وعيًا جماعيًا وشعورًا بوحدة وطنية متجذرة في نفوس سكانها. وهذا ليس مجرد استثمار في الذاكرة، بل هو حقيقة تاريخية موثقة.
وقد كانت الجزائر مسرحًا للعديد من المعارك والغزوات التي تعاقبت على هذا البلد الشاسع (الفينيقيون، القرطاجيون، الرومان، الوندال، البيزنطيون، الأتراك،... إلخ). عبر هذه الفترات، تشكّل لدى الجزائريين شعور قوي بالانتماء الوطني الذي لم تستطع أي قوة غازية محوه، حيث ظل الحفاظ على السيادة الوطنية مقدسًا ومتجذرًا في الذاكرة الجماعية.
وعلى الرغم من تصوير الجزائري كـ "مجرد محلي" أو "أهلي" من قبل المستعمر الفرنسي، إلا أن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا، كما يتجلى في ما تجاهله الكثير من المؤرخين الغربيين وحتى بعض قادة الدول. قبل قرون من الاستعمار الفرنسي، كانت هناك في الجزائر أمة قائمة بذاتها، لها قواعدها ومعاييرها الخاصة. فقد تميزت هذه الأمة بروح ديمقراطية وغياب للهرمية الاجتماعية، إلى جانب ازدهار المراكز العلمية والتبادل الفكري، لا سيما خلال العصور الوسطى التي شهدت تضامنًا اجتماعيًا أسهم في رسم ملامح البلاد. وكانت عدة مدن جزائرية بمثابة مراكز علمية وحضارية بارزة.

مستغانم المقاومة
في بداية القرن السادس عشر، تعرضت العديد من المناطق الساحلية الجزائرية لسلسلة من الهجمات الإسبانية، وهو عداء استمر حتى عام 1792. وفي هذا السياق، تُعد معركة مزغران، التي وقعت في 26 أغسطس 1558، شاهدًا حيًا على هذا الوعي الوطني ضد الغزاة.
تحت الحكم العثماني، حاول الإسبان حصار مدينة مستغانم لمدة ثلاثة أيام، إلا أنهم واجهوا قلعة منيعة بفضل شجاعة سكانها ودعم حسن باشا وجيشه المؤلف من 15,000 جندي. وفي المقابل، تعرضت القوات الإسبانية البحرية (12,000 جندي) لهزيمة قاسية. فقد قُتل عدد كبير من الجنود الإسبان، وتم أسر حوالي 6,000 آخرين.
وعلى الجانب الجزائري، قدم العديد من مقاتلي مستغانم، المنتمين إلى قبائل مجاهر، مغراوة وسويد، أرواحهم في سبيل الوطن خلال هذه الملحمة التي ستظل خالدة في الذاكرة الوطنية.
تجسد هذه المعركة واقعًا جزائريًا يُغيّب أحيانًا أو يُشوه من قبل الكتابات التاريخية الغربية المهيمنة، ما يجعل من الضروري إبراز أدوار أجدادنا في توجيه وإرشاد المجتمع نحو الوحدة والتماسك الثقافي والتنوع. كان هذا البلد موطنًا لمجتمعات متنوعة، مرتبطة عادة بقبائل ومؤطرة من قبل الزوايا الدينية.

العلماء والقضاة، درع المقاومة
وفي هذا الإطار، وخلال ندوة وطنية نُظمت يوم السبت بمستغانم، ببلدية مزغران، بالتعاون مع قطاع الثقافة والفنون بالولاية، بمناسبة الذكرى الـ 465 لهذه المعركة التاريخية، أبرز الباحثون الجامعيون المشاركون دور النخبة العلمية والدينية في التصدي للهجوم الإسباني.
أكد المؤرخ محمد بليل، رئيس اللجنة العلمية للندوة، في مداخلته على أهمية ثلاث معارك خاضتها مستغانم ضد الجيش الإسباني (1542، 1547، و1558)، بالإضافة إلى تعبئة الطلاب والقبائل والزوايا لتحرير وهران (1792).
وأشار إلى دور المدارس العلمية في مازونة وقلعة بني راشد ومستغانم والزوايا، في مواجهة الأطماع الإسبانية، مما ساهم في الحفاظ على الوحدة والسيادة الوطنية.
ودعا عبد القادر بوباية، مدير مختبر تاريخ الجزائر بجامعة وهران 1، إلى "تعميق الأبحاث حول هذه الفترة التاريخية من خلال الاعتماد على الأرشيفات والوثائق المتاحة".




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)