ما يذكره التاريخ الإسلامي هو أن الأنبياء الذين خصهم الله برسالته عاشوا المخاطر و تَحَمَّلُوهَا في سبيل نشر دين التوحيد و هداية البشرية و رفع الظلم و الفساد و نشر في الأرض الخير و العدل و الرحمة و الإنسانية و السلام، خاصة و نحن مقبلون على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، هذا النبيُّ الأمِّيُّ الذي استطاع أن يوحّد أمّة ويجعلها خير الأمم، و السؤال الذي يمكن أن نطرح هنا هو كالتالي: هل الاحتفال بالمولد النبوي يعني اننا نسير على نهجه في اقوالنا و أفعالنا؟ في تفكيرنا و في مواقفنا؟ و نحن نرى الأمة الإسلامية في انحطاط كبير بسبب ما يحدث من حروب و تقتيل وفساد في الأرض و عنف و تطرف؟
كانت هناك جماعة آمنت برجل قال لهم يوما "إني رسول الله إليكم"، آمنت به دون مناقشته في الوقت الذي شكك البعض في نبوّتهم، و بالأخص سيدنا محمد (صلعم) الذي حاربه قومه و هجّروه و أصحابه و أبعدوهم عن موطنهن الأصلي، كان هناك صراع حول من يكون سيد قومه ( الزعامة) ، لكن الرسول (صلعم) آثر الموت على أن يبيع دينه الذي بُشِّرَ به من الله ، الذي كلفه بحمل هذه الرسالة الثقيلة، فأسس منظومة للقيم ، توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل، إلا أن غبار التغيرات حالت دون استمرار هذه الرسالة المحمدية و ذلك منذ ظهور الدولة العربية الحديثة ثم ظهور العولمة و غزوها عالم الأفكار، ففي زمن العولمة يعيش الإسلام مظاهر الاستلاب ، لأن الأفكار أصبحت تستورد من الغرب، فكان تأثيرها على المبادئ و اليم سلبيا، انسلخ المسلم عن نفسه، و هو يغرق في صراع الأديان و الثقافات و الحضارات و انقسم لمسلمون الى جماعات و طوائف و أحزاب، فقام الصراع بعد اكتشاف العالم الخارجي.
و لو سألنا مواطنا عربيا سواء كان مسلما أو على غير دين الإسلام، كيف ينظر إلى الإسلام ؟ لكانت الآراء مختلفة و متناقضة، لأن الصراع كان و لا يزال من أجل الهيمنة، فنحن اليوم نقرأ عن إسلام السعودية و إسلام إيران و إسلام تركيا، و إسلام أمريكا، و قرآن مواز للقرآن ( الفرقان الأمريكي) ، فالعولمة اليوم هي الفكرة التي يشتغل عليها العالم كله، فلا يتوقف خطابا سياسيا إلا و كانت العولمة حاضرة حضور الملح في الطعام، و الفكر الإسلامي اليوم بحاجة إلى مراجعة كثير من المفاهيم كالعولمة و المواطنة و الديمقراطية و هي مفاهيم في نظر دعاتها و المؤمنين بها تؤكد أن العالم دخل عصرا جديدا أي أنه يعيش زمن "الحداثة" و لم يعد بحاجة إلى كل ما هو " أصولي" و عليه أن يجدد منهجه.
تشير التقارير نه منذ ظهور الدولة العربية الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين ساهمت هذه الدولة في تراجع الفكر السلامي حين ضيقت عليه و فككت مؤسساته فكان الضعف و الوهن قد سيطر على الأمة الإسلامية، فالفكر العربي و الإسلامي أصبح مشبعا بالإيديولوجيا، و لم يعد واعيا بمخططات الغرب الذي يسعى إلى محاربة الذاكرة الإسلامية و الوطنية و التاريخ، و كل ما له علاقة بالسلف، و قد عمل الفكر الغربي على تشويه صورة الإسلام باستخدام وسائل الإعلام الحديثة في عملية الاختراق الفكري و الأخلاقي باسم الحريات و حقوق الإنسان، و باسم الخصوصيات الجغرافية، و الخصوصية الثقافية، في الوقت الذي لم تحرك الحركات الإسلامية ساكنا في الدفاع عن القيم الإنسانية و النهوض بالمجتمع بعيدا عن كل اشكال العنف و التطرف.
إنها مسؤولية كبرى تقع على الحركات الإسلامية بأن تعي دورها المنوط بها في مواجهة الأحادية القطبية التي تدعو إليها العولمة في محاربتها الأصولية الدينية و التنظير للإنسان العالمي وفق خطاب الأنسنة، خاصة و حسب التقارير أن العالم تجاوز مرحلة ما بعد الحداثة و هو اليوم يستعد لعصر ما بعد العولمة، و هذه الإشكالية تفتح كثير من الجدل، و على حد قول اليساري الإنجليزي بول لوتر: " التاريخ لا يخلو من "الكتابات السوداء" ، إنه زمن انحصار الفكر و البصر
علجية عيش
تاريخ الإضافة : 24/09/2023
مضاف من طرف : olga65
صاحب المقال : علجية عيش