خنشلة - Abbès LAGHROUR

هل تعرفون قصة "دمو سايح بين الويدان"؟



هل تعرفون قصة
عاد عباس دون موعد إلى "الدوار" متخفيا داخل "قشابية"، رجع مشتاقا بعد غياب طويل، قبّل ابنيه حسينة وطارق واحتضنهما بحرارة، ثم أخبر زوجته أنه قد لا يرجع أبدا وخيرها أن تبقى أو تعود إلى بيت خالها وفق رغبتها.
طلب المعذرة من والده وهو يٌقبل رأسه وباقتراب المغيب، تقدم يحاول اجتياز "وادي لغرور" بينما انتصبت زوجته برفقة ولديه عند عتبة الباب، غالب نفسه كي يلتفت ولم يفعل، كي لا يتراجع عما هو مقدم عليه.
واصل سيرا على الأقدام إلى المدينة حيث تقيم أمه "العطرة"، استعطفها وطلب رضاها واختفى في جنح الليل، لينفذ ما كان يدور في عقله منذ شهور.
بعد فترة من مشهد الوداع هذا وفي اليوم التالي لتفجير ثورة تحرير الجزائر يوم 1 نوفمبر 1954، اعتقلت الشرطة كل عائلته دون استثناء (نعم دون استثناء حتى الأقارب الأباعد) 64 شخصا يحملون لقبه ألقي بهم في محتشد "متوسة"، هشمت أضلاع والده فمات بنزيف داخلي جراء التعذيب، صعقت زوجته بالكهرباء، حتى ابنه البالغ من العمر 18 شهرا ذاق مرارة الاعتقال، بينما كل الرجال من لقبه الذين جاوزوا 18 عاما حولوا إلى محتشدات بعيدة وبقيت النسوة عاما كاملا هناك، كان تحرير الجميع مرتبطا باستسلامه لكنه لم يتراجع أبدًا.
جاءه رجل بعد ذلك بزمن بصور حديثة لإبنيه فرفض أن يرى صورتهما، كي لا يتراجع، لكنه تذكر حسينة وطارق وهو يلقي القبض في كمين بمنطقة "جلال" بولاية خنشلة على رقيب فرنسي، تجاذب معه أطراف الحديث فعرف أن له ابنين اثنين، تحركت فيه عاطفة الأبوة فدس يده في جيب الأسير وأعطاه بعض المال وقال له "اشتر، لهما الحلوى!" أخبره أنه حر، ثم أوقف له سيارة حملته ومجاهدين مصابين إلى البلدة.
هل عرفتموه؟
إنه البطل عباس لغرور
قصة هذا الرجل عجيبة، باع كل ممتلكاته الشخصية، وطلب نصيبه من الميراث قبل أن يموت والده وباع أراضيه و كل شيء لأجل تعزيز خزينة الثورة الجزائرية.
عباس لم يلتق زوجته ولا ابنيه ولا أمه ولا أفراد عائلته، منذ تلك اللحظة التي انطلق منها في البداية عندما سار ليفجّر واحدة من أعظم الثورات في التاريخ، إذ كلف بقيادة العمليات في منطقة خنشلة.
▪️كان كل يوم في قلب المعركة، شارك في 163 معركة حتى أن شقيقه المؤرخ صالح لغرور نقل على لسانه قوله "لو بقينا ثلاثة أيام دون محاربة فرنسا فهذه خيانة!"
عباس الذي قاد واحدة من أشرس المعارك في تاريخ الجزائر، وهي معركة الجرف عندما واجه فقط مع 500 مجاهد ما يقرب من 40 ألف جندي فرنسي فكبدهم خسائر كبرى خلال ثمانية أيام من القتال أسقطوا فيها ما يربو عن عشرين طائرة، وصفه المؤرخ الفرنسي دومنيك فرال أنه المحارب "الذي ألحق بالجيش الفرنسي أكثر الخسائر من بداية نوفمبر 1954، إلى 25
جويلية 1957 وهو تاريخ إعدامه!"
"قل للأخوة يذكروننا عندما تستقل الجزائر" جملة قالها عباس لأحد المجاهدين وقد نقلها بعد عقود من استقلال الجزائر، وكتبها عمر تباليت في أحد مؤلفاته
أذكره دومًا منذ قرأت كتاب "عباس لغرور من النضال إلى قلب المعركة" وكتب أخرى تتحدث عن سيرته وهو الذي مات دون أن يجاوز الواحد والثلاثين (31) من عمره.
عباس ضحى بنفسه وبوالده الشيخ وبطفله الرضيع وزوجته وابنته وكل عائلته وأرضه وخيوله وبكل ما يملك وفي النهاية لم ينل منه العدو وإنما غدر به أصدقاؤه فأعدموه في تونس(جماعة مخمرة الصومام) في حرب سخيفة على الزعامة كان متعففا عنها ولم يعرف له قبر حتى اليوم وكيف ذلك وقد قتل بطريقة شنيعة تلخصها مرثية ظلت ترددها نساء المنطقة وغنتها بعدهم بقار حدة (دمو سايح بين الويدان)!
رحمة الله عليك، إني أذكرك دومًا بمناسبة (يوم الشهيد) أو دونها أيها الشاوي الخنشلي الأسطوري العظيم عباس لغرور ...


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)