خلوة ابن خلدون في مغارات بني سلامة: معقل فكر ومهد علم الاجتماع

محطة تاريخية استثنائية

تقع مغارات بني سلامة في وادي التَّحت، بالقرب من فرندة بولاية تيارت الجزائرية، وتُعدّ من أهم المعالم الفكرية والتاريخية. ففي هذه العزلة، وضع العلامة عبد الرحمن بن خلدون بين عامي 1375 و1379م أسس علم الاجتماع وفلسفة التاريخ، عبر تأليفه مقدمة كتاب العِبَر، التي أصبحت مرجعًا عالميًا في دراسة تطور المجتمعات.

الموقع والخصائص الجغرافية

تتميّز المغارات بموقعها الجبلي الوعر على ارتفاع يتراوح بين 1030 و1260 مترًا فوق سطح البحر، حيث تُطلّ على سهول وادي التَّحت الخصبة. وتبعد عن:

• مركز ولاية تيارت: 50 كم
• مدينة فرندة: 6 كم
• العاصمة الجزائر: 400 كم جنوب غربًا

الخلوة في السياق التاريخي

لجأ ابن خلدون إلى هذا الموقع المعزول بعد صراعاته السياسية مع سلاطين الزيانيين، حيث منحته قبيلة أولاد عريف الزناتية الحماية عام 1375م. وقد استغرقت فترة اعتزاله:

• 3 سنوات و10 أشهر وفق المصادر العربية
• 4 سنوات حسب بعض التقديرات الغربية (1375-1379م)

وصف المغارات

تضم المغارات ثلاث كهوف متجاورة، لكل منها وظيفة مميزة:

الأهمية الفكرية للخلوة

ساعدت هذه العزلة الفكرية على إنتاج أحد أعظم الأعمال الفكرية في التاريخ، حيث أسس ابن خلدون من خلالها:

• أول تحليل منهجي لتطور المجتمعات والدول.
• الربط بين التاريخ والعوامل الاجتماعية والاقتصادية.
• مفهوم "العصبية" كأساس لنشوء الدول وسقوطها.

الوضع الحالي والتحديات

رغم تصنيف الموقع معلمًا أثريًا عام 1967، إلا أنه يعاني من عدة مشكلات تهدد وجوده، منها:

• تآكل الصخور وانهيار سقف إحدى المغارات.
• تلوث المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي.
• إهمال الصيانة رغم استمرار الزيارات السياحية.

إرث خالد في قلب العزلة

تظل خلوة ابن خلدون شاهدًا على قدرة الفكر على تجاوز العزلة، حيث تحوّل هذا الملجأ الصخري إلى مختبر فكري ساهم في تغيير مسار العلوم الإنسانية، تاركًا بصمة لا تزال تؤثر في الفكر العالمي حتى اليوم.