تلمسان - Fêtes Religieuses

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في تلمسان



اكتسى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بمدينة تلمسان في عهد أبي حمو موسى الثاني، حلة جميلة وطابعا شعبيا ورسميا، منذ توليه العرش الزياني، سنة (760هـ/1359م).
تميز الاحتفال في عهده، بإيقاد الشموع الملونة وتوزيع ماء الزهر وماء الورد، كما توزع فيه الصلات الكثيرة والهدايا المتنوعة، تؤدي الديون عن المسجونين وكذا عن الأموات(174)، فعندما انتصر هذا السلطان على بني مرين، أعاد إحياء دولة الأجداد بالمغرب الأوسط، صادف حلول ذكرى المولد الشريف، فلم يتوان في انتهاز الفرصة، للاحتفال به، وأقام بهذه المناسبة، حفلا كبيرا، وجعل هذا اليوم من الأعياد الرسمية للدولة، وخصه بعناية فائقة دون غيرها، وفي ذلك يقول التنسي: ''وكان السلطان الزياني، يدعو كافة الناس، خاصتهم وعامتهم، بحضور هذا الاحتفال، وينقل يحي بن خلدون جانبا من احتفال السلطان في مجلسه في ليلة المولد بقوله: ''فأقام لها بمشور داره العليا عرسا حافلة، احتشدت لها الأمم، وحشر بها الأشراف والسوقة''(176) وحشد لها إمكانيات مادية وأدبية هامة، فما شئت من نمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة، وبسط موشاة، ووسائد مغشاة بالذهب(177)، ومشامع كالأسطوانات، قائمة على مراكز الصفر المموهة(178).
وكان السلطان يتصدر المجلس، جالسا على سريره، الذي يسر الناظرين، في أبهة وإجلال، ثم تليه أعيان المدينة من مختلف الشرائح الاجتماعية، من أمراء ووزراء ووجهاء وعلماء وشعراء، وموظفين ونقباء الحرف المتباينة(179)، ومن عامة الناس، أجلسهم على مقاعد حسب مراتبهم الاجتماعية، وخصص لهم ولدانا، تطوف عليهم، يرتدون لباسا من الحرير الملن، ويحملون بأيديهم مباخر ومرشات، يخرج منها دخان العنبر، وماء الورد المجلوب من نصيبين(180).
وبعد تقديم أنواع الأطعمة للحاضرين، يأتي دور الإنشاد حيث يعم المجلس الهدوء والوقار، فيتقدم المنشد بامداح الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستهل ذلك بقصيدة من نظم السلطان أبي حمو موسى الثاني، في مدح مولد المصطفى(181).
ثم يأتي دور إنشاء القصائد والتباري بها في مجلس السلطان بهذه المناسبة الكريمة، نظمها شعراء تلمسان وأدباؤها(182) وتستمر قراءة القصائد إلى آخر الليل، حيث يؤتى بأصناف الأطعمة، التي ''تشتهيها الأنفس وتستحسنها الأعين، وتلذ بسماع أساميها الآذان حسب تعبير التنسي''(183)، إلى أن يلج الصباح، فيؤدي السلطان الصلاة بالمجلس ثم يقوم الحاضرون، فينصرفون إلى منازلهم(184)، وفي هذا الصدد يقول يحي ابن خلدون: ''وجئ في آخر الليل، بالخرس الشهي الملاذ الحافل الملامح والمشام المتعدد الخوانات(185) مما أرحبت ساحته، وخيرت بروده وناء بالقصبة أولى القوة محملة، ثم الفواكه فالحلواء، وطعم الناس بين يدي الخليفة، وشكروا الله سبحانه وتعالى ولم يبرح مكانه، حتى صلى الصلاة الصبح في الجماعة، ثم غدا داره السعيدة''(186).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)