كيف وصل مصحف عثمان إلى تلمسان ؟

هناك روايات عديدة تختلف حول الوجهة التي اتخذها مصحف عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ لكن أصدقها وأكثرها وثوقا هي التي تسرد مساره حتى انتهى إلى تلمسان في بداية عهد الدولة الزيانية كما سنبينه استنادا إلى رواية التنسي في كتابة (نظم الدر والعقيان في بيان شرف بني زيان) .
فقد انهزم أبو الحسن السعيد صاحب مراكش أمام الأمير الفتي الطموح يغمراسن بن زيان في موقعة حاسمة على تخوم مدينة وجدة عام 646 هـ 1248 م واستولى على محلته برمتها، وكان من جملة الذخائر التي ظفر بها؛ مصحف عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ الذي خطه بيمينه وكان بين يديه حين استشهاده .
وكان هذا المصحف قد صار إلى بني أمية أيام تملكهم، ولما قام عليهم بنو العباس واستلوا على الحكم؛ فر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام إلى المغرب ثم دخل الأندلس واستولى عليها؛ فكانت شقيقته أم الأصبع تبعث له ذخائر بني قومه شيئا إثر شيء، وكان من جملة ما بعثت إليه (المصحف العثماني) الذي أوقفه على جامع قرطبة، وكان الإمام يقرأ فيه بعد صلاة الصبح في كل يوم إلى أن استولى عبد المومن بن علي على الأندلس؛ فنقله إلى حاضرة ملكه بمراكش،وغير جلده بلوحين من صفائح الذهب وأحجار كريمة من أرفع ما كان عنده، واقتفى أثره في ذلك بنوه الذين كانوا يحضرونه في مجالسهم في ليالي رمضان يباشرون القراءة فيه ويستصحبونه في حركاتهم متبركين به .
فلما كانت وقعة السعيد؛ اُنتهب المصحف الكريم وأُخذ ما عليه من الحلية الموجبة للغنى وطرح عاريا؛ فوجده رجل ودخل به تلمسان وهو غير عالم بمقداره وعرضه للبيع؛ فكان السمسار ينادي عليه في سوق الكتب بسبعة عشر درهم؛ فرآه من يعرفه فأسرع إلى أمير المسلمين يغمراسن وعرّفه به؛ فبادر بالأمر بأخذه وأمر بصونه والاحتياط عليه والقيام بحقه، وبقي في يد بنيه يتوارثونه (قلت ولم نجد له في وقتنا هذا خبرا، والغالب على أن سبب ذهابه استيلاء بني مرين على تلمسان والله أعلم).
قال ابن خلدون عن نهاية هذا المصحف بين يدي أبي الحسن المريني عندما استولى على تلمسان عام 737 هـ 1337 م : (وهو لهذا العهد في خزائن بني مرين بفاس فيما استولوا عليه من ذخيرة آل زيان حين غلبهم إياهم على تلمسان، واقتحامها عنوة على ملكها منهم عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمراسن فريسة السلطان أبي الحسن، مقتحما غلابا سنة سبع وثلاثين وسبع مائة).