تلمسان - 2011 Tlemcen, Capitale de la Culture Islamique

كلمة المدير العام للإيسيسكو في افتتاح تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية:



كلمة المدير العام للإيسيسكو في افتتاح تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
فخامة السيد عبد العزيز بوتفليقة،
رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السادة والسيدات،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
يسعدني أن أتحدث إليكم في انطلاق احتفالية تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2011. ويشرفني بادئ ذي بدء، أن أتوجه بأسمى عبارات الشكر والتقدير والعرفان، إلى فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، على رعايته السامية لهذا الحفل الثقافي المهمّ، وعلى كرم الضيافة وحسن الاستقبال اللذين لقيناهما في هذا البلد الكريم، مقدرًا بالغ التقدير، الجهودَ الموفقة المتواصلة التي يقوم بها فخامته، في دعم السياسة الثقافية في بلده الكريم، وفي النهوض بالقطاع الثقافي وخدمة الأهداف المرسومة له، وفي تعزيز العمل الإسلامي المشترك، في إطار منظومة متكاملة مترابطة الحلقات من الجهود المستمرة في مجالات التنمية الشاملة المستدامة، متمنيـًا لفخامته دوام التوفيق وموفور الصحة، ولبلده الكريم اطرادَ التقدم والرقيّ والازدهار.
فخامة الرئيس،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السادة والسيدات،
إن من الأهداف الرئيسة لبرنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة الإسلامية، الذي اعتمده المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة المنعقد في الجزائر سنة 2004، تعميقُ التضامن الإسلامي الذي هو القاعدة الراسخة للعمل الإسلامي المشترك، وتقوية ُ علاقات التعاون بين الدول الأعضاء، على جميع المستويات، وخصوصًا على المستوى الثقافي، بالمدلول الواسع والعميق للثقافة، وإقامة ُ شبكةٍ واسعةٍ من التبادل الثقافي بين عواصم الثقافة الإسلامية، والاشتراكُ في نشر المفاهيم الصحيحة للثقافة الإسلامية، ومدُّ إشعاع الحضارة الإسلامية التي شاركت في بنائها شعوبٌ شتى متعددة ُ الأديان والأعراق واللغات والثقافات، وترسيخُ القواعد القوية للنهضة الثقافية الحضارية الشاملة التي تتطلع إليها شعوب العالم الإسلامي كافة، إلى جانب النهوض بالصناعات الثقافية، وتطوير المنتوج الثقافي بمختلف أشكاله، ونشر الوعي الثقافي السليم في مختلف الأوساط وتعميقه، وتفعيل ِ دور الثقافة في دعم التنمية الشاملة المستدامة، حتى تكون الثقافة بانية ً للتقدم، وداعمة ً للتنمية، وصانعة ً للحضارة، ورابطة ً للعلاقات الإنسانية بين الأمم والشعوب.
إن الثقافة بهذا المفهوم الجامع الكامل الذي نتبنّاه ونعمل في إطاره ونسعى لتحقيقه، هي قوة دفع للرقيّ الإنساني، وطاقة للإبداع العلمي والأدبي، وحافزٌ للسلام بين البشر القائم على العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان.
والثقافة الإسلامية التي نحتفي هذه السنة بعواصمها الثلاث : تلمسان عن المنطقة العربية، وجاكارتا عن المنطقة الآسيوية، وكوناكري عن المنطقة الأفريقية، هي ثقافة ُ بناءٍ للإنسان ونماءٍ للأوطان، تدعو إلى الإخاء بين البشر وإلى إقرار السلام في الأرض، وتحثّ على قيم الخير والحق والجمال والفضيلة، وتقوّي في النفس إرادة العمل من أجل تحقيق السعادة الإنسانية المبتغاة التي يسعى إليها العالم كلـُّه. فهي بذلك ثقافة ٌ إنسانية ٌ متجددة في مضامينها ووسائلها، ومنفتحة على الثقافات الأخرى، ومتحاورة معها عبر العصور، نعمل جميعًا من أجل أن تساهم في حركة الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي للإيسيسكو دورٌ فاعلٌ في دعمها وإغنائها.
فخامة الرئيس،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السادة والسيدات،
إن اختيار تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2011، عن المنطقة العربية، يعبر في حقيقة الأمر، عن تقدير العالم الإسلامي أجمع للمكانة الثقافية الحضارية السامية لهذه المدينة العريقة ذات التاريخ الحافل بالأمجاد. وإن الاحتفاء بها، يهدف إلى تجديد دورها الثقافي الحضاري الإنمائي، الذي سينعكس، ليس فحسب على محيطها المحلي، وإنما سيمتدّ هذا الدورُ إلى المحيط القاري، إحياءً للدور التاريخيّ الذي كان لهذه المدينة في الأزمنة القديمة. وفي ذلك ما فيه من إشعاع لهذا البلد الكريم، الذي يسير بخطى حثيثة في اتجاه التطور والتقدم والازدهار، من دون أن يفرط في خصوصياته الثقافية والحضارية أو ينسلخ عن هويته الروحية.
لقد كانت تلمسان التي تعني مدينة الينابيع، على أصحّ الأقوال، مأهولة ً بالسكان منذ العصر الحجري، وتوالت عليها الدول من العصر الروماني القرطاجي مرورًا بالعصر النوميدي، إلى أن تفاوض أمازيغ مغراوة مع الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه. ثم جاءت إثر ذلك، طلائع الفتح الإسلامي، حيث ساعد أهل هذه المنطقة عقبة بن نافع في فتوحاته. وبعد وقوف حدود دولة بني العباس عند وادي شلف، قامت في تلمسان دولة أبي قرة اليفرني الذي اتخذ لنفسه لقب الإمامة. ثم دخلت المنطقة في دعوة إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط، الذي أقام فيها مدة هاربًا من معركة فخ عام 160هـ 786م في طريقه إلى المغرب الأقصى. وفي أعقاب انحسار نفوذ الأدارسة، دخلت المنطقة في نفوذ الفاطميين، ثم المرابطين، ثم الموحدين، ثم المرينيين، حتى قامت دولة بني عبد الواد التي أسسها عبد الواد الزياني في القرن الخامس عشر الميلادي.
وكانت تلمسان عاصمة المغرب الأوسط لأكثر من ثلاثة قرون. وعاشت عصرها الذهبي في ظل الحضارة الإسلامية، فكانت مركز إشعاع حضاري، ومدينة زاخرة بالفكر والعمران، ومحطة تجارية متميزة، وسمّاها المؤرخون (غرناطة أفريقيا) و(جوهرة المغرب الأوسط).
ولما انهارت الأندلس، عادت تلمسان لتقوم بدور كبير في التاريخ الإسلامي في القارة الأفريقية، حيث استقبلت مئات الآلاف من المهجّرين الوافدين عليها من قرطبة وغرناطة، بعد سقوط هذه الأخيرة سنة 1492م، ومن غيرهما من مدن الأندلس. وتقدر المصادر التاريخية عدد مَن توافدوا على تلمسان في تلك الفترة بمئات الآلاف. وكان منهم العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والحرفيون المهرة، وغيرهم من الفئات التي ساهمت في تطوير الحياة العامة في هذه المدينة.
وقد دخلت المنطقة كلها تحت نفوذ الدولة العثمانية حتى احتلها الفرنسيون عام 1832م، ولم يخرجوا منها ومن باقي ربوع الجزائر، إلا بعد جهاد كبير وتضحيات جسام وثورة وطنية جهادية توجت عام 1962م بالاستقلال. وكان الأمير المجاهد عبد القادر بن محيي الدين الجزائري الحسني، قد أقام في تلمسان فترة قصيرة واتخذ منها قاعدة للجهاد خلال مقاومته للاستعمار.
لقد أنجبت تلمسان أعلام الفكر والعلم والأدب والشعر والتاريخ، أذكر منهم عفيف الدين التلمساني، وأبا مدين التلمساني، وأبا العباس المقري التلمساني، وابن منصور التلمساني، وابن مرزوق التلمساني، وأحمد الونشريسي التلمساني، وابن الحاج الكبير التلمساني. وهؤلاء وغيرهم، صفوة عالية ُ المقام من رجالات الثقافة الإسلامية.
كما أنجبت في العصر الحاضر، سياسيين كبارًا ومناضلين أشاوس. وأنجبت علماء، ومفكرين، وأدباء، وشعراء وفنانين أغنوا الحياة الاجتماعية والثقافية بعطاءاتهم المتميزة.
إنّ للاحتفاء بتلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، جوانبٌ ثقافية فنية، كما أنّ له جوانبٌ اقتصادية إنمائية أيضًا؛ لأن الثقافة تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المقام الأول؛ فكلما ارتقى العمل الثقافي وأينعت ثمار الثقافة، تقدم المجتمع وتطور وازدهرت نهضته في المجالات كافة. ولذلك فإن من الأهداف المتوخاة من هذه الاحتفالية، تعزيز الدور الاقتصادي والإنمائي لهذه المدينة العريقة عاصمة الثقافة الإسلامية، من منطلق الارتقاء بالعمل الثقافي المتكامل المتوازن المتناغم المستجيب لاحتياجات المجتمع المحلي، ولمتطلبات التنمية الوطنية الشاملة المستدامة.
وفي الختام، يسعدني أن أجدد الشكر الجزيل لفخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، ولمعالي الأخت خليدة تومي، وزيرة الثقافة التي بذلت جهودًا متميزة للإعداد لهذه الاحتفالية الكبرى، وللنهوض بالعمل الثقافي في هذا البلد الكريم. كما أجدد التحية الخالصة للشعب الجزائري الكريم بعامة، ولأبناء تلمسان عاصمة ثقافتنا الإسلامية بخاصة، متمنيًا لهذه المدينة العريقة المزيدَ من النماء والعطاء والإشعاع، وسائلا ً الله تعالى أن يلهمنا التوفيق والرشاد في القول والعمل، من أجل نهضة أمتنا المجيدة، ومن أجل الإنسانية جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)