تعتبر خطة المظالم أو ولاية المظالم، كما تسمى أيضا من الخطط المكملة للقضاء(203)، والمظالم قد يكون من أفراد المجتمع أو قد تكون من الولاة، وعمال الدولة، وكبار موظفيها، وهي أشبه ما تكون بمحكمة الاستئناف، والقضاء الإداري والاستثنائي في الوقت الحاضر(204).
ويستعين والي المظالم، بهيئة من المساعدين والأعوان والمستشارين والقضاة والعدول، ويعرفها ابن خلدون بقوله: ''وهي وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة، ونصفه القضاء، وتحتاج إلى غلو يد وعظيم رهبة تقمع الظالم من الخصمين وتزجر المعتدي، وكأنه يمضي ما عجز القضاء'' (205).
وتفوق صلاحيات صاحب المظالم ومهامه الواسعة، سلطة القاضي واختصاصه فهو الذي يتولى إحقاق الحق وإظهاره في الحالات التي تتعدى أحكام القاضي، أو حينما يفتقد هذا الأخير إلى السلطة الذهبية(206).
وكان بعض الخلفاء الأولين يباشرون هذه المهمة بأنفسهم، أما أمراء الدول المتأخرة وسلاطينها والذين تعاقبوا على حكم بلاد المغرب الإسلامي، فقد تولوا هذه الوظيفة بأنفسهم في أغلب الأوقات، خاصة منهم الموحدين(207) والحفصيين(208) والزيانيين(209).
ويبدو أن خطة المظالم كان يتولاها سلاطين بني زيان في أغلب الأوقات، وكانوا يقلدونها إلى بعض الفقهاء، وقد انفرد ابن مرزوق الجد، بذكر اسم واحد كان يتولى مجلس المظالم، في مجموعه وهو الفقيه العالم أبو العباس أحمد المعروف بابن الفحام التلمساني، الذي جمع بين خطتي المظالم والشرطة بمدينة تلمسان، في عهد بني زيان. وقد وصفه ابن مرزوق بأنه ''أعلم وقته والواحد في عصره وإذا لقيته كأنك لقيت إمام مسجد''(210).
وعندما استولى أبو الحسن المريني، على مدينة تلمسان والمغرب الأوسط، ومكث بها نحو اثنتي عشر سنة، كلف أبا عبد الله محمد الخطيب بن مرزوق الجد بالنظر في الشكايات نيابة عنه(211)، وكان أبو الحسن حريصا على أن يجتمع في كل مدينة بعد صلاة الجمعة، بقائدها ووالي قصبتها وخطيبها والعدول للاستماع إلى جميع الشكايات التي ترد إليهم(212). ولاشك أن هذا التقليد كان متبعا في مدينة تلمسان في عهده.
وكان السلطان أبو حمو موسى الثاني يخصص يوما في الأسبوع. وهو يوم الجمعة بعد الصلاة، للنظر في المظالم وسماع شكاوى الناس/ مهما كانت فئاتهم الاجتماعية، وقد وضح ذلك في كتابه واسطة السلوك، الذي كتبه لابنه أبي تاشفين، وقدم له فيه نصائح ووصايا تعينه على إدارة شؤون الدولة والبلاد، وفي ذلك يقول: "وبعد فراغك، من الصلاة (صلاة الجمعة) تجلس بمجلسك للشكيات تأخذ في قضاء الحاجات والفصل بين الخصماء، والإنتقام من الظلمة الغثماء، فتقمع الظالم وتقهره، وتحمي المظلوم وتنصره وتحضر الفقهاء في مجلسك، حين الفصل بين الناس لإزالة ما يقع في الأحكام من الالتباس، وهذا المجلس في اليوم المذكور مخصص للرعية والجمهور فيه تتقعد الضعفاء والأرامل والأيتام والمحتاجين، وأن تنظر في أهل سجوناتك'' (213).
والحقيقة أن ما جاء في هذا النص، هو صورة حقيقية لما كان يقوم به أبو حمو موسى الثاني، في ممارسته لسياسة الرعية طوال فترة حكمه، وهي خلاصة لتجاربه السياسية الميدانية، فقد كان ينظر في أحوالهم مساء كل يوم جمعة، ويستمع لمظالمهم ويصدر في ذلك أحكاما وهي صورة لمجلس المظالم، الذي كان يعقده كل أسبوع من أيام حكمه(214).
والظاهر أن ألا حمو كان يلتزم بالحديث النبوي الشريف، الذي يحث الحاكم على استقبال الرعية، والاستماع إلى مظالمهم، وينص الحديث على ''ما من إمام يغلق بابه دون الحاجة الخلة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء، دون خلته وحاجته ومسكنته'' (215).
تاريخ الإضافة : 20/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com