تلمسان - 02- Origines

تلمسان مقصد الجالية الأندلسية المفضل



وتواصلت خدمتهم في البلاط الزياني مع عثمان بن يغمراسن (681-703هـ/1281-1303م) وابنه أبو حمو موسى الأول (707-718هـ/1307-1318م)، الذي كان لهم في دولته مزيد من العناية والحظوة، فولى الوزارة والحجابة محمد بن ميمون بن ملاح، ثم ابنه الأشقر من بعده، وعين ابنه إبراهيم بن محمد على نفس الخطة بعدهما، وأشرك معه في الوظيفة قريبه عليا بن عبد الله بن ملاح (100).
وظلت هذه الأسرة تختص بالمناصب الإدارية السامية، إلى أن نكبهم أبو تاشفين الأول بن حمو الأول، عندما ثار على أبيه وقتله مع خاصته وخلصائه من بني ملاح، بالدار البيضاء في تلمسان سنة 718هـ/1318م (101)، ومهما يكن من أمر فالجدير بالملاحظة هو أن الجالية الأندلسية تركت بصماتها، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعمرانية في المجتمع التلمساني، وساهمت في تطويره ونموه في مختلف المجالات، وقد نجحت في مهامها الإدارية والسياسية، في البلاط الزياني، على مر السنين، حتى ظهرت منهم- فيما يبدو- طبقة سياسية أندلسية متميزة، ولاسيما في النصف الأول من القرن التاسع هجري، الخامس عشر ميلادي، تكثلت فيما بينهما، وأصبحت تمثل مركز القوة، في البلاط الزياني، تثير أحيانا بعض الدسائس، وتقاوم معارضيها بمختلف الوسائل للاحتفاظ بالنفوذ، والامتيازات السلطانية(102)، ولعلهم كانوا يحاولون فرض نوع من الوصاية السياسية والحضارية على أهل تلمسان، كما فعلوا مع أهل تلمسان(103).
وقد بلغ نفوذهم الإداري والسياسي مبلغا جعل بعض شيوخ بني زيان، وبعض علماء تلمسان يضيقون بهم ذرعا (104)، وخاصة في عهد الأمير ابن أبي عبد الله (814-827هـ/1411-1424م)، الذي طالت مدته نسبيا وساءت سمعته، حسب تعبير أحد المؤخرين (105)، فاتخذ بطانة من جالية أندلسية، دفعت به إلى الانغماس في ملذات الحياة وبهرجها، ونعيم الترف ومغرياته، فصؤف الأموال الكثيرة على شهواته، وأغذق العطايا على خلصائه وخلانه، وتوسع في لوازم الرفاهية، واتخذ لنفسه أعيانا من اليهود وأعوانا منهم، فأنكر عليه ذلك فقهاء المدينة ووجهاؤها. وفي هذا الصدد يقول الفقيه العالم أبو عبد الله محمد بن مرزوق الحفيد المتوفي سنة 842هـ/1439م.
تلمساندار لا تليق بجاهنا ولكن لطف الله نسأل في القضا
فكيف يرجى الخير ممن يسوسه يهود وفجار ومن ليس يرتضى
والظاهر أن الفوارق الأصلية والثقافية، بين سكان تلمسان وبين المهاجرين الأندلسيين، بدأت تتقلص شيئا فشيئا مع مرور الزمن، وأخذوا ينصهرون جميعا في البيئة الثقافية المحلية للمدينة، فأثروا وتأثروا واصطبغوا جميعا في نهاية المطاف بالطابع التلمساني المميز. وفقد الأندلسيون الكثير من خصوصياتهم، التي كانوا يتميزون بها وتخلوا عن ذلك التضامن والتكافل، الذي كانوا يحرصون على التمسك به، على أساس أنهم يمثلون الأقلية في المجتمع التلمساني (107)، غير أن الفقر الوثائقي وانعدام النصوص في هذا المجال، حالت دون تحديد عددهم في مدينة تلمسان، أو تقدير نسبتهم بين السكان، إلا أنه يمكن القول بأنهم كانوا يمثلون العنصر الثالث، في المجتمع التلمساني، وأن تأثيرهم الثقافي والاقتصادي والسياسي كان قويا(108).
وإذا اعتبرنا أن مدينة تلمسان، عاصمة بني زيان، كانت المقصد المفضل لهذه الجالية الأندلسية، وإن المصادر التقليدية لا تتحدث إلا عن الأعلام المعروفين، الذين قاموا بأدوار بارزة، في الميادين المختلفة، كأسر الأدباء والأطباء والعلماء والكتاب والوزراء والقائمين على الأشغال الكبرى، كالمهندسين والعاملين في الميدان المالي والإداري، فإن هناك بدون شك عددا هائلا من العائلات التي حطت عصا الترحال بمدينة تلمسان وضواحيها، المتكونة من الحرفيين والتجار والفلاحين والأطر الإدارية المتوسطة والمعلمين، استقرت بصفة نهائية بمدينة تلمسان وفي وادي الوريط، حيث كانوا يعملون في الحقل الفلاحي والصناعي والتجاري والتربوي، وفي غيرها من مدن المغرب الأوسط الساحلية منها والداخلية، حتى أصبح الطابع الحضاري لأهل تلمسان، يكاد يكون طابعا أندلسيا نلاحظه في الفضاءات العمرانية، ونميزه في مختلف البناءات الدينية والدنيوية، وفي التراث الفني والشعري والموشحات، فضلا عما كانوا يتمتعون به، من حرف متطورة وصناعات وفنون مختلفة، طعمت النهضة المغربية، وغذت معظم روافدها، لأن معظم المدن الساحلية للدولة الزيانية، كانت تقطنها جاليات أندلسية كثيرة في مدينة هنين،التي تقابل مدينة المرية (109). ومستغانم التي تقابل مدينة بشرق الأندلس، ولا تبعد عنها إلا بنحو يوم وليلة (110).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)