تلمسان التي تلقب بـ "لؤلؤة المغرب الكبير"، هي مدينة في شمال غرب الجزائر، عاصمة ولاية تلمسان. ثاني مدينة من حيث الأهمية بعد وهران في الجهة الغربية، ذات المعالم الأندلسية متأصلة في المغرب الإسلامي الكبير، وصاحبة المواقع الطبيعية الخلابة هي "مدينة الفن والتاريخ" كما كان يسميها جورج مارصي.
بكثرة ما فيها من المباني الفنية الرائعة الخالدة، وبماضيها الفكري الثقافي والسياسي المجيد فقد تضافرت جهود الطبيعة السخية الحسناء وجهود الإنسان المبدع الخلاق لتكوين مدينة متفوقة راقية ممتعة للفكر وللقلب والروح معا. واستحقت بفضل ذلك كله أن تدعى جوهرة المغرب الكبير و غرناطة إفريقيا.
منذ عهود ما قبل التاريخ، عاش البشر في كهوف بمنطقة القلعة العليا وبودغن لعدة قرون تحت هضبة لالة ستي. وكانت المنطقة بالقرب من تلمسان مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري، كما يتضح من اكتشاف في 1875 من قبل ج. بلايتشر G. Bleicher آثار قديمة منها معاول مصقولة في كهوف بودغن تعود إلى العهد الحجري. حيث اسوطنت لما يقرب من مائة كهف والتي تعرف باسم- قلعة المارجدية- Tameraditتامراديت.أما في عام 1941 قام السيد ايستاوني M. Estaunié بالعثور في باب القرمادين على صاقلة للحجر رائعة تعود كذلك للعصر الحجري وهي حاليا في المتحف المدينة كمااكتشفت في الكهوف في الهضبة لالة ستي قرية بني بوبلان. مواقع أثرية غنية تتكون من مجموعة 2000 قطعة يعود تاريخها إلى العصر الحجري المتوسط ومختلطة مع عظام بشرية.
إن تاريخ تلمسان لم يبدأ كما ذكره أبادي .في القرن الثالث للميلاد مع الاحتلال الروماني، لأنه من الصعب الاعتقاد بأن هذه المدينة الغنية والاستراتيجية، والتي سميت ب "أغادير" (القلعة باللغة البربرية)، لم تكن واحدة من المدن القوية في موريتانيا القيصرية وإمبراطورية صيفاقس، وماسينيسا ويوغرطا.
هناك عدة آراء حول تسميّة تلمسان، من هذه الآراء:
حسب يحي بو عزيز يتألف اسم تلمسان من كلمتين امازيغيتين هما "تلم " ومعناها تجمع و"سان" ومعناها "اثنان " لكونها جمعت بين مدينتيااا تقرارات التي أسسها يوسف بن تاشفين وأكادير التي أسسها أبو قرة اليفريني على أنقاض بوماريا
أما جورج مارصي فيعتقد ان اسم تلمسان (من الأمازيغية تالا يمسان، ومعنى كلمة تالا عنده المنبع ويمسان وبمعني الجاف لتصبح كلمة تلمسان " المنبع الجاف"
وقول يقول بأنها تحريف صيغة الجمع من تلمسين بكسر وسكون فكسر ومفرده تلماس ومعناه جيب ماء أو منبع فيكون اسم تلمسان بمعنى مدينة الينابيع
أما ما درج عند العامة بكونها كلمة عربية مركبة من كلمتين تلم –تجمع- وإنسان لتصبح تلمسان. "مجمع الناس" رغم أنه لا يوجد له سند علمي أو تاريخي.
ولم تحمل دائما تلمسان هذا الاسم بل كانت تسمى بوماريا وأغادير ثم تقرارات كما كنت بعدة كنى منها الجدار ولؤلؤة المغرب الكبير وعروس المتوسط.
فى سنة 201، أسس أول مركز عسكري روماني على صخرة تطل على سهل شتوان بـ
7 هكتارات وسمي ببوماريا Pomaria " وهي كلمة لاتينية بمعنى "البساتين"، إشارة للأراضي المخضرة المهيمنة على المنطقة. ليشكل نقطة ولادة مدينة ستلعب دورا مهما حيث تمركز مجموعة من السكان والتجار فبنو مسكانهم على الحواف الجنوبية لقلعة بوماريا. ولتصبح بوماريا معسكرا رومانيا ثابتا، وكما كانت تبنى المعسكرات الرومانية كان لها أربعة أبواب على شكل مستطيل, الباب الأول أو الباب البريتوري نحو الشرق والباب الثاني نحو الغرب ويسمى بالباب الديكومي. زائد بابان على الناحتين المتبقيتين. كما كان للمدينة سورا يحيط بها، ومركزا للقيادة، وسوقا وكان لها أيضا مخزنا للأسلحة والموارد الثمينة. كما لعبت المدينة دورا دينيا كبيرا حيث أصبحت مقرا لأبرشية الأسقف الكاثوليكي. حيث اشتهر من خلال تدخلات اسقفها لوجيونيس بوماريانسيس الذين شارك في العديد من المجالس وانتهى به المطاف بعد رحلات الذهاب والإياب بأن قتل في إحداها.
واعتبرت هته القلعة العسكرية بمثابة الخط الأخير للدفاع عن الأراضي الخاضعة لروما كما اعتبرت نقطة التقاء للجحافل الرومانية المتوجه نحو موريتانيا التنجيتانية.
كماأن موقع هذه المدينة جعل منها مقترق طرق ما بين طريقين مهمين في هذا العصر : الأول يربط ألبولاي Albulae (عين تموشنت) ويؤدي نحو ميناءي بورتوس ديفينيس Portus Divini (وهران والمرسى الكبير)، والثاني سيقا (سيق) (عاصمة إمبراطورية صيفاقس) ومرفقها البحري عند مصب وادي التافنة (رشقون).
بوماريا، هذه المدينة القديمة التي تقع شرق تلمسان الحالية، لا نعرف حدودها حيث أصبحت تحتلها اليوم الحدائق والمساكن والعمارات وكذلك محطة السكك الحديدية. ومع ذلك، فإن بعض الأحجار المنحوتة والتي أعيد استخدامها في المباني هي كل ما تبقى من تلك البيوت الجميلة والآثار العامة والتي كانت تفتخر بها تلك المدينة. والتي أعيد استعمالها كقاعدة لمئذنة مسجد أغادير العتيق والتي لا تزال موجودة حتى الآن، ولتعطينا بنقوشها اللاتينية بعض المعلومات عن نشوء هته المدينة. خلال القرنين الخامس والسادس، بوماريا لم تعد جزءا من روما، وتغيرت تبعيتها مرتين. في 429، تحت سلطة ملك الوندال جينزريك القادم من أسبانيا، والذي قام بموطئ قدم على الساحل المغربي، وبعد عشر سنوات دخل قرطاج. وبعد مائة عام، الإمبراطور جيستينيان أرسل من القسطنطينية جيشا بقيادة بيليساريوس الذي أخرج من دون جهد يذكر البلاد من سلطة الوندال. هؤلاء الأسياد الجدد قد أعادوا إلى المنطقة التقاليد الرومانية كما ادخلوا المنطقة إلى المسيحية ليضعوا حدا للهرطقة الآرية التي فرضها الوندال على أهالي المنطقة. عانت بوماريا من الاضطرابات والفوضى التي قام بها. 80،000 الوندالي. واحدة من عصاباتهم شوهدت في ألتافا على بعد 30 كم من تلمسان. ولم تسلم بوماريا من الدمار.
ولكن الاحتلال البيزنطي بقي متمركزا في وسط الجزائر دون سيطرة حقيقية على المناطق الغربية للبلاد. أين بقيت تلك المنطقة تحت سلطة ملوك برابرة، كما حوت المدينة خليطا من مختلف الديانات : الوثنيين واليهود والمسيحيين.
لم تظهر الممالك الأمازيغية في شمال إفريقيا إلا في القرن الثالث قبل الميلاد وكانت الأسرة الميسايسوليا (أو المازيسوليا)، تسكن نوميديا الغربية، وكان من أهم ملوكها صيفاقس وفيرمينا.
يعد الملك صيفاقس Syphax أو سفك عند ابن خلدون من الملوك الأمازيغ الأوائل الذي عمل على توحيد ساكنة تامازغا إلى جانب الملك ماسينيسا والملك باكا والملك فيرمينا. واتخذ من سيقا عاصمة له (عين تموشنت). ونوميديا الغربية تمتد من نهر شلف شرقا إلى نهر ملوية غربا، وكانت لتلك الدولة علاقات دبلوماسية مع كل من قرطاجة وروما.
وفي الحروب البونية الثانية استطاعت روما، أن تتحالف مع ماسينيسا، وتوسع هيمنتها باتجاه الغرب إلى أن قضت على الممالك كلها؛ ولم تبق إلا بصورة شكلية، في مملكة موريتانيا. وبعد وفاة الملك صيفاقس، تولى ابنه فيرمينا وراثة الحكم، وعاش بعد أبيه بضع سنوات،
وبعد سقوط دولة صيفاقس اندلعت ثورات أمازيغية مضادة للرومان اتخذت صبغة عسكرية كمقاومة يوغرطة وكذلك مقاومة تاكفاريناس نحو 17 م حيث أثار قبائل زناتة ضد الرومان. وتوفي في بوماريا.،
من نهاية الحكم الروماني إلى الفتح الإسلامي، لا نعرف سوى القليل عن تاريخ هذه المنطقة. وهذا ما دعا فيليكس إميل غوتييه بدعوة هته الفترة بـ "القرون الغامضة للمغرب العربي". حيث تميزت بالفوضى والتجزئة السياسية وظهور الإمارات البربرية المحلية التي يديرها سلاطين محليين.
البربر وبَنَوا فيها أصل المدينة القديمة وهي « أغادير »، أي القلعة. وأطلقوا على البلدة كلها اسم « تلمسان » أي الينابيع.
الفاندال : وقد مرّوا بها خلال فترة الحكم الروماني للمدينة، ثم طُردوا منها من جديد على يد الرومان الكاثوليك.
الرومان وقد حكموا المدينة من بداية الربع الأخير من القرن الخامس الميلادي إلى عام 671م عند قدوم العرب المسلمين بقيادة عُقبة بن نافع.
منذ عام 671م وحتى نهاية الحكم الأموي وبداية الحكم العباسي ظلت تابعة للأمويين والعباسيين.
بنو زناتة وقد حكموها منذ بدايات القرن الثامن الميلادي حتى نهاياته تقريباً.. حينما انشقّوا عن العباسيين مع حركة انشقاق الخوارج في المشرق... وذلك بقيادة زعيمهم « أبو قرّة » من « بني يفرن » وهي فخذ من قبائل زناتة.
الادارسة قدموا من فاس بالمغرب الأقصى، وفتحوا تلمسان بالمصالحة مع زعيم قبائل زناتة، وظلوا يحكمون تلمسان طيلة القرن التاسع الميلادي واليوم يتواجد الادارسة على شكل قبائل متواجدة في منطقة تلمسان
المرابطون وهم قبائل من كدالة جنوب موريتانيا أسّسوا عاصمتهم مراكش حاصروا المدينة عام 1079م بزعامة « يوسف بن تاشفين » وفتحوها وبَنَوا فيها ضاحية « تاغرارت »، ومن أبرز معالمهم مسجد تلمسان الكبير.
الموحدون عبد المؤمن بن على الكومى فتح تلمسان فحاصرها عام 1143م، وانهزم المرابطون، وفُتحت المدينة لهم، ودام حكمهم لها 40 سنة.
بنو عبد الواد استخدمهم الموحِّدون للحفاظ على تلمسان، إلاّ أن شوكتهم قد قويت فيها، وعلا شأنهم حينما استطاعوا أن يصدّوا قبائل (بني غانية الطامعة في تلمسان)، فما كان من الخليفة الموحِّدي بالمغرب الأقصى إلاّ أن كافأ زعيمهم بتعيينه حاكماً له. واستمر حكم بني عبد الواد لتلمسان ثلاثة قرون، ابتداء من القرن الثالث عشر الميلادي إلى نهايات القرن الخامس عشر.
المرينيون القادمون من المغرب الأقصى وقد حاصروا تلمسان سبع سنوات ابتداء من عام 1299هـ بقيادة زعيمهم السلطان المريني « أبو يعقوب » ولم يرفع الحصار عن المدينة إلاّ بموته، إلا أن المرينيين قد بَنَوا خارج أسوار المدينة القديمة مدينةً جديدة أطلقوا عليها اسم « المنصورة ». وقد عاد المرينيون مرة ثانية لحصار تلمسان بقيادة أبي الحسن المريني ففتحوها ودام حكمهم لها إحدى عشرة سنة.
فترة الامبراطورية العثمانية
وقد خضعت تلمسان للعثمانيين منذ عام 1555م بعد أن كان قد فتحها القائد العثماني « بابا عروج » الذي استنصر به « أبو زيان » من بني عبد الواد على عمه « أبو حمد الثالث » الذي انتزع منه الحكم.
الاحتلال الفرنسي لم يَدُم حكم الأمير عبد القادر طويلاً لتلمسان، إذ إن الفرنسيين سرعان ما عادوا فاحتلّوا المدينة من جديد وبَنَوا بها مركزاً عسكرياً في حي « المشور »، واستمرت سيطرتهم عليها إلى عام 1962م حين استقلت الجزائر.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/03/2019
مضاف من طرف : tlemcen2011
صاحب المقال : nour el hanna
المصدر : 4algeria.com