وكان غالبية سكان مدينة تلمسان يتشكلون من زناتة، ولا سيما منها مغيلة ومغراوة وبني يفرن، الذين اختطوا مدينة أكادير(25)، قبل الفتح العربي لها، وبقيت هذه القبائل تهيمن على المدينة والغرب الجزائري، وتتداول السلطة عليها عدة قرون، حكمها بنو يفرن ومغيلة ومغراوة (26)، ولحف بها فلول من بني زيري وأقاموا بها(27)، وسكنها المرابطون الصنهاجون وشيدوا محلتهم تاكرارت(28)، وبقيت فيها جماعة من مسوفة(29)، وانتقلت إليها بعض العائلات الموحديو وخاصة من هنتاتة ومصمودة وكومية، وتكونت من هذه الأسر شبه أرستقراطية عسكرية بالمدينة، فكانت تلمسان لذلك العهد نزلا للحامية الموحدية ومقرا للحاكم وقرابته(30).
ولما صارت مدينة تلمسان عاصمة بني زيان، عاد إليها نفوذ زناتة فاحتكرت حمايتها من جديد(31)، ونقل إليها بنو عبد الواد عشيرتهم وقبيلتهم، وقبائل أخرى من بني عمومتهم بني توجين، وبني راشد، وبني زردال، وبني عصاب وجماعة من أولاد منديل، وغيرهم من الزناتيين، الذين تركوا خيامهم وسهولهم(32)، ووفدت إليها جالية من هواة يتزعمها القائد يوسف بن حيون الهواري، الذي قدم خدمات جليلة للدولة الزيانية(34). إلا أن اندماج مثل هؤلاء اللاجئين السياسيين في المجتمع التلمساني واستقرارهم في المدينة قليل وغير ثابت.
ونقل السلطان أبو حمو الأول (707-718هـ/1307-1318م) إلى مدينة تلمسان، جالية كبيرة من ((رهائن الوطن كله حظرا وبدوا))(35)، ((وأشياخ بدو البلاد وحضرها))(36)، ورهائن من بطون توجين(37) وأسكنهم جميعا بقصبة المدينة في حي خاص بهم، حتى لا تخرج قبائلهم عن الطاعة، ولا تتجرأ على معارضة السلطة والامتناع عن دفع الجباية(38)، وكان الرهائن يمثلون انتماءات قبلية وجغرافية مختلفة. ويؤكد ذلك ابن خلدون بقوله ((واستبلغ أبو حمو في أخذ الرهائن من أهل العمالات وقبائل زناتة والعرب، حتى من قومه، بني عبد الواد... وكان يأخذ الرهن المتعددة، من البطن الواحد والفخذ الواحد والرهط، وتجاوز ذلك، إلى أهل الأمصار، والثغور من المشيخة والسوقة.. وأنزلهم في القصبة فملأ تلك القصبة، بأبنائهم وإخوانهم وشحنها بالأمم بعد الأمم))(39).
وهذا يبين أن المجتمع التلمساني كان يتشكل من انتماءات مختلفة من قبائل المغرب الأوسط، وقد سمح لهم السلطان ببناء المنازل وانشاء الدور، واتخاذ النساء، وتشييد المساجد، وإقامة المصانع والأسواق بالقصبة(40).
ولا شك أن الناس كانوا يأتونها من كل قاصية للاستقرار بها(41)، فظل النزوح مستمرا إليها في عهد بني زيان، لأن التحرك بين أجزاء المغرب والعالم الإسلامي، بصفة عامة والرحلة في طلب العلم، والوظيف والتجارة كانت من الأمور المحمودة عند المسلمين، حتى صارت مدينة تلمسان تعج بالعلماء والطلاب والتجار وأرباب المهن(42).
لقد كان العنصر البربري هو الغالب على سكان مدينة تلمسان ولا سيما من زناتة، التي ظهرت فيها طبقة ميسورة تصدرت المجتمع التلمساني، في هذه الفترة وتبوأت القيادة والمخزن، وامتهنت الوظيف، واحترفت الصناعة والتجارة والدراسات الفقهية وغيرها.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com