''صنع أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بابن الفحام آلة المنجانة''(187) ذات الشكل الغريب، وهي عبارة عن ساعة وظيفتها الإعلان عن الساعات المنقضية، من ليلة المولد يحضرها السلطان إلى مجلسه، وقد خلد المؤرخ يحي بن خلدون، هذه الساعة بقصيدة بين يدي السلطان أبي حمو موسى الثاني، على لسان جارية المنجانة للإخبار عما انقضى، من تلك الليلة وهذه أبيات قالها بعد الخامسة: (مجزوء الرمل)
يا أمير المسلمينا وجمال العالمينا
والذي حاز المعالـي كلها دنيـا ودينـا
قد مضت لليل خمـس حسنها راق لعيونا
وانقضى النصف فآه هكذا تمضي السنونا
ومت في عز وسعد خالد الملك مكينا
يا المنجانة فقد وصفها يحي بن خلدون وصفا دقيقا بقوله: ''أما المنجانة، ذات تماثيل اللجين المحكمة قائمة المصنع تجاهه بأعلاها أيكة(189)، تحمل طائرا فرخاه تحت جناحيه وبخاتله فيهما أرقم خارج من كوة بجدر الأيكة صعدا، ويصدرها أبواب موجفة، عدد ساعات الليل الزمانية، يصاقب طرفيها، بابان موجفان أطول من الأولى وأعرض فوق جميعها، ودون رأس الخزانة، قمر أكمل، يسير على خط استواء سير نظيره في الفلك، ويسامت أول كل ساعة بابها المرتج، فينقض من البابين الكبيرين عقابان بغي كل واحد منهما صنجة(190) صفر، يلقيها إلى طست(191) من الصفر مجوف بواسطة ثقب يفضي بها، إلى داخل الخزانة، فيرن وينهش الأرقم، أحد الفرخين فيصفر له أبوه، فهنالك بفتح باب الساعة الراهنة، وتبرز منه جارية محتزمة كأطراف ما أنت راء بيمناها إذ بارة فيها، اسم ساعتها منظوما ويسراها موضوعة، على فيها كالمبايعة بالخلافة لأمير المؤمنين أيده الله''(192).
إن هذا الوصف الدقيق، بجزيئات هذه الساعة العجيبة ووظيفتها وما تقوم به من حركات، عند مضى كل ياعة، يدل على تطور صناعة الميكانيك في تلمسان، وتعد من الاختراعات الهامة التي أبدعها العالم التلمساني ليلة المولد النبوي الشريف، التي أصبح المجتمع التلمساني يحتفل بها سنويا.
فبهذه الطريقة كان السلطان أبو حمو الثاني، يحتفل بذكرى المولد النبوي، وصارت عادة مستحبة لدى سلاطين بني زيان، الذين جاؤوا من بعده ولدى المجتمع التلمساني الذي صار يبالغ في الاحتفال به، وقد أوصى أبو حمو الثاني إينه أبا تاشفين الثاني باتباع آثاره في هذه المناسبة بقوله: ''يا بني عليك بإقامة شعائر الله عز وجل، وابتهل إليه في مواسم الخير وتوسل واتبع آثارها في القيام بليلة مولد النبي عليه السلام، واستعد لها بما تستطيع من الإنفاق العام، واجعله سنة مؤكدة في كل عام تواسي في تلك الليلة الفقراء وتعطي الشعراء، وان ركبت فيك الغريزة الشعرية، وتحليت بالحلية الأدبية زادت جمالا إلى جمالك، كمالا إلى كمالك، فانظم المولديات''(193).
فعمل أبو تاشفين بنصائح والده، ونسج هذه العادة على نسج أبيه(194)، وزاد عليه احتفال آخر بليلة السابع للمولد، في ذلك يقول التنسي: ''ولما كانت ليلة سابع المولد المذكور احتفل لها أعلى الله مقامه بمثل احتفاله لليلة المولد أو أعظم''(195).
وظل سلاطين بني زيان، يرعون هذا الاحتفال، وتذكر المصادر أن أبا زيان محمد ابن أبي حمو (796-801هـ/1394-1399م). كان يحتفل بهذا اليوم المبارك، احتفال أسلافه إلى الصباح ترفع إليه القصائد والمدائح بهذه المناسبة(196).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com