تلمسان - Abou Hamou Moussa El Aouel


إذا كان يغمراسن قد اشتهر ببناء الأسوار والقصور وحفر الخنادق، فإن الفضل في تعمير القصبة يعود إلى السلطان أبا حمو موسى الأول. فقد كان يبالغ في أخذ الرهائن من القبائل التي تنضوي تحت نفوذه، حتى يضمن طاعتها وولاءها ويمنع أي تمرد على سلطته أو ثورة ضد حكمه. وكانت الرهائن في الغالب ترسل للإقامة بمدينة تلمسان تحت رعاية السلطان، فبنى لهم أبو حمو الأول قصبة يعمرونها، وسمح لهم ببناء المنازل والدور وتشييد المساجد والتوسع في العمران، كما أذن لهم بالزواج. وفي هذا المعني يقول ابن خلدون: "واستبلغ (أي أبو حمو الأول) في أخذ الرهائن منه ومن أهل العمالات وقبائل زناتة والعرب، حتى من قومه بني عبد الواد... وأنزلهم بالقصبة وهي الغور الفسيحة الخطة، تمال بعض الأمصار العظيمة، اتخذها للرهن، وكان يبالغ في ذلك.. وتجاوز ذلك إلى أهل الأمصار والثغور من المشيخة والسوقة، فملأ تلك القصبة، بأبنائهم وإخوانهم، وشحنها بالأمم بعد الأمم، وأذن لهم في أبتناء المنازل، واتخاذ النساء واختط لهم المساجد، يجمعوا بها لصلاة الجمعة، ونفقت بها الأسواق والصنائع، وكان حال البنية من أغرب ما حكي في العصور عن سجن" 1.
أما عن تحديد مكان القصبة التي لم يبق لها أثر اليوم، فقد وردت في بعض النصوص إشارات تسمح لنا بتحديد جهتها، والناحية التي تقع فيها من المدينة بالتقريب. وكلها تشير إلى أنها كانت قريبة من قصر المشور، حيث يقيم السلطان والأمراء ووزرائهم وتوجد معسكرات الجند، ليسهل عليهم مراقبة الرهائن وتفقدهم من حين لآخر.
وربما يكون مقرها غرب المشور، في اتجاه الجنوب الغربي، وقد أشار الجغرافي ابن فضل الله العمري إلى ذلك بوضوح عندما تحدث عن تحصين مدينة تلمسان وعن أسوارها بقوله: "وأنها منحرفة (أي تلمسان) إلى جنوب شرق فاس، ولها ثلاثة أسوار، ومن جهة القصبة ستة أسوار بعضها داخل بعض" 2.
وهذا يبين أن القصبة كانت تقع جهة الأسوار الستة، وهي الناحية الجنوبية والجنوبية الغربية التي كثف فيها بنو زيان الأسوار والأبراج لحماية القصبة والمشور معا من جهة، ومنع الرهائن من التسلل خارجها من جهة ثانية؛ لأن مدينة تلمسان مكشوفة من هذه الناحية، غير محصنة طبيعيا، مما يجعلها عرضة للمداهمات والمخاطر. فلهذا حرص سلاطين بني زيان على الإكثار من الأسوار في جنوب المدينة وفي الجنوب الغربي منها، حتى بلغ عددها ستة عند العمري 3، وسبعة عند آخرين 4.
1 : عبد الرحمن ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، بيروت، 1971، ج 1، ص 215.
2 : شهاب الدين ابن فضل الله العمري، كتاب مسالك الأبصار في عجائب الأمصار، مخطوط، تونس: دار الكتب الوطنية، رقم 6778، القسم 7، ورقة 206.
3 : شهاب الدين ابن فضل الله العمري، كتاب مسالك الأبصار في عجائب الأمصار، مخطوط، تونس: دار الكتب الوطنية، رقم 6778، القسم 7، ورقة 206.
4 : Georges MARCAIS : Collection les villes d’art célèbres: TLEMCEN, Paris : Laurens, 1950,p. 52


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)