تلمسان - 02- Origines


اشتمل المجتمع التلمساني، على بعض العائلات التي قدمت من بلاد المشرق، وهي من القبائل التركية التي كانت تسكن قبل انتشار الإسلام، أواسط آسيا من أطراف الصين شرقا إلى البحر الأسود غربا (111)، كانت هذه القبائل تعيش في معظمها على الرعي وتربية المواشي (112). اشتهرت بالفروسية والرمي بالقوس والنشاب، وقد اعتنقت الإسلام في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري/ العاشر ميلادي، عرفت لدى المؤرخين المسلمين باسم ((التركمان))، وعند الروم باسم "OUZOI" (113) ومن أشهرها السلاجقة، الذين تمكنوا من الإستيلاء على شبه جزيرة الأناضول (آسيا الصغرى)، وأخذها من أيدي البيزنطيين 464هـ/1071م، وتمكنوا من السيطرة على معظم أراضي الشرق الأدنى، في نهاية القرن الخامس الهجري (114) (الحادي عشر ميلادي)، ويعتبر الأتراك العثمانيون،أقرباءهم ومن أبناء عمومتهم (115)، ذكرهم المؤرخون المغاربة، باسم ''الغز'' و ''الأغزاز''، ويبدو أن جالية الأغزاز قد حلت ببلاد المغرب على عدة مراحل، وفي فترات زمنية متعاقبة، فالنصوص التاريخية تشير، إلى أن الطالعة الأولى منهم، وصلت إلى الديار المغربية في عهد يوسف بن تاشفين (450-500هـ/1088-1106م)، الذي بعد أول من أدخل الأغزاز الرماة، إلى جيشه سنة 454هـ/1062م (116)، وقدمت الطالعة الثانية إلى إفريقية سنة 488هـ/1095م، في عهد الأمير تميم بن المعز الزيري (453-501هـ/1061-1107م)(117)، وهناك صادفوا التوسع الموحدي بقيادة عبد المؤمن (524-558هـ/1129-1162م)، الذي لم يتوانى في احتضانهم وضمهم إلى الفرقة العسكرية، فساعدوه على الاستيلاء على إفريقية سنة (553هـ/1158م) (118).
لكن الموحدين بقيادة الخليفة المنصور (580-595هـ/1184-1193م)، كانوا لهم بالمرصاد فأوقعوا بهم بعد ستة أشهر فقط، من انتصارهم بقفصة (120)، فاستسلم الأغزاز بعد طلب الأمان، فأمنهم المنصور على أنفسهم، وما ملكت إيمانهم (121)، مقابل الخدمة في جيشه، وصاروا بعد ذلك فرقة مميزة في الجيش الموحدي، وعن هذا الانتصار يقول الشاعر المنصور بن أبي بكر بن مجبر : (الطويل).

وما أغنت قسي الغز عنها فليست تدفع القدر السهام
غدوا فوق الجياد وهم شخوص وأمسوا بالصعيد وهم رمام (122)

ويقول أيضا:

أنحى الزمان على الأغزاز واجتهدت في قطع دابرهم أحداثه السود
أنتم سليمان في الملك العظيم وفي طول التهجد في المحراب داوود (123)

وقد استعملهم الموحدين، في جهادهم ضد المسيحيين في اسبانيا، وكان للأغزاز دور كبير في هذه الحرب المقدسة، وبلوا بلاءا حسنا فيها، لما كانوا يتميزون به من خفة الحركة وسرعة الكر والفر، والمهارة في الرشق بالنبال.
والخبرة في القتال فقد كانوا يستطيعون الرمي بالنشاب، بدون توقف خيولهم وهم على ظهورها (124).
وحلت الطالعة الرابعة، من الأغزاز أو الأكراد ببلاد المغرب (660هـ/1261م)، إثر غزو المغول لمدينة بغداد والاستيلاء عليها سنة (656هـ/1257م)، وقتلوا فيها آخر خلفاء بني العباس (125)، ونزلت هذه الجالية الجديدة بمراكش في عهد الخليفة المرتضي الموحدي (640-665هـ/1248-1266م) (126)، فأحسن استقبالهم ومنحهم الجراية والإقطاعات الواسعة، وجعل لهم مزية ظاهرة في كل شهر تدعى البركة أو الجامكية (127)، بينما كان الموحدون يأخذونها ثلاث مرات في السنة، أي مرة كل أربعة أشهر (128)، وأجازهم مع الجيوش الموحدية إلى بلاد الأندلس للجهاد (129).
ولما انتفض أمر الموحدين، خدم الأغزاز في جيوش الدول التي قامت على أنقاض دولتهم، في الديار المغربية، وقد التحق بعضهم بجيش يغمراسن، إبتداءا من سنة (633هـ/1235م) (130)، وهي السنة التي تولى فيها شؤون دولته الناشئة أو بعدها بقليل، ولكن- فيما يبدو- اختلط الأمر على المؤرخين، فاختلفوا في انتماءاتهم العرقية فذكرهم يحي بن خلدون بالأغزاز (131)، بينما جعلهم أخوه عبد الرحمن أكرادا (132)، ولعل هذا الاختلاف جاء نتيجة وجود فرقتين في جيش يغمراسن الزياني، الأولى من الأغزاز والثانية من الأكراد، الذين لم يظهروا على مسرح الأحداث في بلاد المغرب إلا بعد سنة 656هـ/1257م (133)، فقد كان للأكراد أشياع وحامية ترابط في مدينة تلمسان إلى جانب فرقة الأغزاز، وقد اشتهر من بينهم، في عهدي أبي حمو موسى الأول وابنه أبي تاشفين الأول، علي بن حسن (134)، وابنه موسى بن علي، اللذين تقلدا وظائف سامية، في الدولة الزيانية، ووليا قيادة جيوشها (135).
وكان موسى بن علي القائد الحاجب، من كبار قواد الجيش الزياني، عقد له أبو حمو الأول على قاصية شرق المغرب الأوسط، وأوكل له قيادة الجيوش الزيانية عدة مرات، لضرب المناوئين في الداخل، وكلفه بمهام حربية خطيرة، وهي الهجوم على أراضي بني مرين في الغرب، وحصار المدن الغربية الحفصية، واستمر في هذه الوظيفة في عهد أبي تاشفين الأول، واستطاع أن يحرز انتصارات هامة في سجلماسة سنة (722هـ/1322م) وفي بجاية وقسنطينة، وبلد العناب وتونس، ما بين سنتي (714-730هـ/1314-1330م)، دوخ فيها جيوش بني حفص، وشد الخناق عليهم فترة زمنية زادت عن خمس عشرة سنة، وتمكن من مد نفوذ بني زيان في هذه المناطق لعدة سنوات(513)، وكان هذا القائد الغزي الكردي، كثيرا ما يثير الدسائس بين السلطان والقادة الآخرين، كما فعل مع ابن عم السلطان محمد بن يوسف بن يغمراسن، فتسبب في عزله من ولاية مليانة (136)، أما ابنه يحي بن موسى، فكان له في ''سوق الدولة نفاق'' حسب تعبير ابن خلدون (137).
والظاهر أن فرقة الأكراد، على قلتها تكون قد اندمجت مع الأغزاز في آخر الأمر، ولعل هذا هو السبب الذي جعل بعض المؤرخين، يخلطون بين انتماءات المماليك في الجيش الزياني، ولا يفرقون بين الأغزاز والأكراد (138).
أما فيما يتعلق بأثرهم الاجتماعي والثقافي في تلمسان فغير واضح، لأن النصوص التي بين أيدينا لا تشير إلى ذلكن إلا أنهم- فيما يبدو- يكونون قد اندمجوا شيئا فشيئا، في المجتمع التلمساني، وانصهروا مع مرور السنين، لأنهم يشكلون أقلية قليلة، فتأثروا هم وأولادهم بطبائع أهل تلمسان، وتخلقوا بأخلاقهم وعاداتهم ونمط عيشهم.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)