تلمسان - Mohammed El Maqqary

أحمد بن محمد المقري صاحب



الشيخ احمد بن محمد بن أحمد بن يحي بن عبد الرحمن بن أبي العيش بن محمد أبو العباس المقري التلمساني المولد المالكي المذهب نزيل فاس ثم القاهرة حافظ المغرب جاحظ البيان و من لم ير نظيره في الجودة القريحة وصفاء الذهن و قوة البديهة.
كان آية باهرة في علم الكلام و التفسير و الحديث و معجزا باهرا في الدب و المحاضرات.
وله المؤلفات الشائعة منها: "عرف الطبيب في أخبار ابن الخطيب" و "فت المتعال" الذي صنفه في أوصاف نعل النبي صلى الله عليه وسلم و "إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة" و "أزهار الكمامة" و "أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض" و "قطف المهتصر في أخبار دمشق" و "الغث و السمين و الرث و الثمين" و "روض الآس العاطر الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام مراكش وفاس" و "الدر الثمين في أسماء الهادي الأمين" و "حاشية شرح أم البراهين" و "كتاب البدأة و النشأة" كله أدب و نظم و له رسالة في "الوفق الخمس الخالي الوسط" و غير ذلك.
ولد بتلمسان و نشأ بها و حفظ القرآن و قرأ حصل بها على عمه الشيخ الجليل العالم أبي عثمان سعيد بن أحمد المقري، مفتي تلمسان ستين سنة و من جملة ما قرأ عليه "الصحيح البخاري" سبع مرات و روي عنه أنه "الكتب الستة" بسنده عن أبي عبد الله التنيسي عن البحر أبي عبد الله بن مرزوق، عن أبي حيان عن أبي جعفر بن زبير عن أبي الربيع عن القاضي عياض بأسانيده المذكورة في كتاب "الشفا" و الأحاديث المسندة في "الشفا" جميعها ستون حديثا أفرادها بعضهم في الجزء المذكور و كان يخبر عن بلده تلمسان أنها بلدة عظيمة من أحاسن بلاد المغرب و رحل إلى فاس مرتين سنة 1009 و مرة سنة 1013، و كان يخبر أنها دار الخلافة المغرب، و كان بها الملك الأعظم مولاي أحمد المنصور الشهير بالفضل و الأدب، المقدم ذكره و أن الفتوى صارت إليه في زمنه و من بعده لما اختلت أحوال المملكة بسبب أولاده إلى الحديث يطول ذكره ارتحل تاركا للمنصب و الوطن في أواخر شهر رمضان سنة 1027 قاصدا حج بيت الله الحرام، و أنشد صاحب مراكش متمثلا قول علي بن عبد العزيز الحضرمي
محبتي تقتضي مقــــامي
و حـــالتي تقضي الرحيلا
فأجابه صاحب مراكش بقوله:
لا أوحش الله منك قومــا
تعودوا صنعــك الجـميلا
قلت: و بيت الحضرمي أول أبيات ثلاث، كتب بها لعز الدولة ابن سقمون وكان في خدمته وبعده:
هــذان خصمان لست أقضي
بينهما خـوف أن أميـلا
فلا يــزالان في خصــام
حتى أرى رأيـك الجميلا
فوقع عز الدين على ورقته أن تمنع من الرحيل و تسوغ الإقامة في ظل الدوحة و إحسان الغمامة قال المقري و كتب إلى الفقيه الكاتب أبو الحسن على الخزرجي الفاسي الشهير بالشامي بما كتبه أبو جعفر أحمد بن خاتمة المري المغربي إلى بعض أشياخه:
أشمس الغرب حقـا مـا سمعنـا
بأنك قد سئمت من الإقامـة
و أنـك قد عـزمت على طلوع
إلى شرق سموت بـه علامـة
لقـد زلـزلت منـا كـل قلب
يحـق الله لا تقيم القيـامـة
ثم ورد إلى مصر بعد أداء الحج رجب سنة 1028و تزوج بها وسكنها و قد سئل عن حظه بها فقال قد دخلها قبلنا ابن الحاجب و أنشد فيها قوله:
يـا أهل مصر و جدت أيـديكم
في بـذلهـا بالسخـاء منقبضـة
لمـا عـدمت القرى بـأرضكم
أكلـت كتبـي كأنني أرضــا
و أنشد هو لنفسه:
تركت رسوم عـزي في بلادي
و صرت بمصر منسي الرسـوم
و نفسي عفتهـا بالـذل فيها
و قلت لهـا عن العليـاء صومي
و لي عزم كحد السيف ماض
و لكـن الليالي من خصـومي

ثم زار بيت المقدس في شهر ربيع الأول سنة 1029 و رجع إلى القاهرة و كرر منها الذهاب إلى مكة فدخلها بتاريخ سنة 1037 خمس مرات و أملى بها دروسا عديدة و وفد على طيبة سبع مرات و أملى الحديث النبوي بمرأى منه صلى الله عليه وسلم و مسمع ثم رجع إلى مصر في صفر سنة 1039 و دخل القدس في رجب من تلك السنة، أقام خمسة و عشرين يوما ثم ورد منها إلى دمشق فدخلها في أوائل شعبان و أنزلته المغاربة في مكان لا يليق به، فأرسل إليه أحمد بن شاهين مفتاح "مدرسة الجقمقيـة" و كتب مع المفتاح هذه الأبيات:
خفيف
كنف المقري شيخي مقري
و إليـه من الـزمـان مـفري
كنف مثل صدره في إتساع
و علـوم كالبحر في ضمن البحر
أي بدر قد أطلع الدهر منه
مـلأ الشـرق نـوره أي بـدر
أحمد سيدي و شيخي و ذخري
و سميى و ذاك أشـرف فـخـري
لو بغير الأقـدام يسعى المشوق
جئـته زائـر على وجه الله شكري
فأجابه المقرئ بقوله:
أي نظم في حسنـه حـر فكري
و تحلى بـدره صـدر ذكـري
طائر الصيت لابن شاهـين ينمي
من بروص النـدى له خير ذكـر
أحمــد الممتطين ذروة مجــد
لعـوان من المعالـي و بـكـر
حل مفتاح فضله بـاب وصـل
من معـاني تعريـفه دون نكـر
يا بديع الزمـان دم في ازديـاد
بـالعلى و ازديـاد تجنيس الشكر
و لما دخل إليها أعجبته فنقل أسبابه إليها و إستوطانها مدة إقامته و أملى "الصحيح البخاري" بالجامع تحت قبة النسر بعد صلاة الصبح و لما كثر الناس بعد أيام خرج إلى صحن الجامع تجاه القبة المعروفة "بالباعونيـة" و حضره غالب أعيان علماء دمشق و أما الطلبة فلم يتخلف منهم أحد و كان يوم ختمه حافلا جدا اجتمع فيه الألوف من الناس و علت الأصوات بالبكاء فنقلت حلقة الدرس إلى وسط الصحن إلى باب الذي يوضع فيه العلم النبوي في الجمعات، من رجب و شعبان و رمضان واتي له بكرسي الوعظ فصعد عليه وتكلم بكلام في العقائـد و الحديث لم يمع نظيره قط و تكلم على ترجمة البخاري و أنشده له بيتين، و أفاد أن ليس للبخاري غيرهما، و هما:
اغتم في الفراغ فضـل ركـوع
فعسى أن يكون موتك بغتـه
كم صحيح قد مات قبل سقيـم
ذهبت نفسه النفسيـة فلتـه
قلت: و رأيت في بعض المجاميع نقلا عن الحافظ ابن حجر أنه وقع للبخاري ذلك أو قريب منه و هذه من الغرائب انتهى و كانت الجلسة من طلوع الشمس إلى قرب الظهر ثم ختم الدرس بأبيات قالها حين ودع المصطفى صلى الله عليه وسلم و هي قوله:
يـا شفيع العصـاة أنت رجـائي
كيف يخشى الرجاء عندك خيبة
و إذا كـنت حـاضرا في فـؤادي
غيبة الجسم عنك ليست بغيت
ليست بـالعيش في بلاد انقطـاع
أطيب العيش ما يكون بطـيبة
و نزل عن الكرسي فازدحم الناس على تقبيل يده و كان ذلك نهار الأربعاء سابع عشري رمضان سنة 1034 و لم يتفق لغيره من العلماء الواردين إلى دمشق ما اتفق له من الحظوة و إقبال الناس و كان بعدما رأى من أهلها ما رأى يكثر الإهتمام بمدحها و قد عقد في كتابه "نفخ الطيب" فصلا يتعلق بها و بأهلها، و أورد في مدحها أشعار و من محاسن شعره في حقها قوله:
محــاسن الشـام جلت
عن أن تقــاس مجـد
لـولا حمى الرع قلنــا
و لم نقف عنــد حد
كأنهـــا معـجـزات
مقرونــة بالتـحدي

و جرى بينه و بين أدبائها و علمائها مطارحات شتى فمن ذلك ما كتبه إلى الشاهيني مع خاتم و سبحة أسلهما إليه.
يـا نجـل شـاهين الـذي
المعـالي و المعالم
يـا من دمشـق بطيب مـا
يبـديـه عاطرة النـواسم
فـالنهـر منهـا ذو صفـا
و الزهـر مفتر المبـاسـم
و الغصن يثني عطفــــه
طربـا لتغريـد الحمـائـم
يـا أحمـد الأوصـاف يا
من حـاز أنـواع المـكارم
أنت الــذي طــوقتني
مننـا لها تعنـو الأعاظـم
فمتى أؤدي شكرهـــا
و عجـز لي وصف مـلازم
و العــذر بـاد إن بعثـ
ـت إليـك من جنس الرتائم
تسبيحـة الــذكر التـي
جـاءت بتصحيـف ملائـم
و بخاتـــــم داع إلى
فض النـدى من كف حاتـم
فأمــدد على جهـــد
المقل رواق صفـح ذا دعائـم
لا زلت سـابـق غـايـة
بين الأعـارب و الأعاجــم
سيدي لا يخافك أنني بعثت بها رتيمة و لو أمكنني لأهديت من الجواهر ما ينوف على قدر القيمة فهما – أعنى الخاتم و السبحة – تذكير ليد العلى بخالص الوداد و في المثل: لا كلفة بين من تثبت بينهم الألفة حتى من ورق و المداد، و الله يبقيك البقاء الجميل و يبلغك غاية التأمل و العفو المطلوب و الله عند منكسرة القلوب و هو المسؤول أم يحرسكم بعين عنايته التي لا تنام بجاه من ترقى إلى أعلى مقام و لله در القائل:
هـديـة العبـد على قـدره
و الفضـل أن يقبلهـا السيـد
فـالعين مع التعظيم مقدارهـا
تقبـل مـا يهـدي لهـا المورد
فكتب إليه الشاهيني قصيدة مطلعها:
يـــا سيـدا شـعري لـه
مـــا إن يـقـاوي أو يقـاوم
و منها و هو محل ذكر ما أهداه إليه:
قـد جــاء مــا شرفتني
بخصـوصــة دون الأعـاظم
من خــاتم كفي بــه
ورثت سليمــان العزائــم
و بسبحــة شبهتهــا
بـالشهب في أسـلاك نـاظم
و رأيت في بعض المجاميع نقلا عن الخط المقري قال: أنشدني صاحبنا العلامة البليغ الناظم الناثر القاضي محمد المنوفي لبعض من قصده الدهر بسهامة، و لم يجد صبرا لإشكال صبره و أنبهامه قوله
و أخفيت صبري ساعة بعض ساعة
و لكن عيني في الأحـايين تدمـع
فقلت منضما و فيه لزوم ما لا يلزم:
و قائلة مـالي رأيتـك ذا شـجئ
و لم يك قدما فيك للشجـو مطمع
فقلت: أصـابتني من الدهر عينـه
و خالفت إذا نصح له كنـت أسمع
فقالت: تصبر و اكتم الأمر تسترح
و لا تسـأمن فـالخير في ذلك أجمع
فقلت: أرشدت من ليس جاهـلا
و أنشـدتهـا و الحي للسير أزمعـوا
و أخفيت صبري ساعة بعد ساعة
و لـكن عـيني في الأحـايين تهمـع
قال و كان الشيخ مشايخنا القاضي الأجل سيدي عبد الواحد ابن احمد الونشريسي التلمساني قاضي قضاة فاس المحروسة نظم بيتا و رمز فيه للمواضع التي يصلى فيها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
على عاتقي حملت ذنب جوارح
تعـبت بهـا و الله للـذنب غـافـر
و هذا بيان ما رمز إليه على الترتيب عطاس، عبرة حمام، ذبح، جماع، تعجب، بيع، فقلت: إن قوله "والله للذنب غافر" لا محل له في الرمز مع أنه بقيت أشياء آخر لو جعلت مكان هذا الكلام لكان أحسن و أيضا فإن بيته ليس فيه ما يفهم منه مراده فلما رأيت ذلك وطأت له بيت صرحت فيه بالمراد و أبدلت قوله "و الله للذنب غافر" بالرمز لما أغفله فقلت: - و الفضل بالتقدم له -.
ينزه ذكر المصطفى في مـواضـع
لها رمـز ألفـاظ تبـدي شمولهـا
على عاتـقي حملت ذنب الجوارح
تعبت بهـا قـد أثقلتـني حمولهـا
رمزت القذر و الأكل، حاجة الإنسان لا يقال: إن الحاجة تدخل في قوله: جملت لأنا نقول: إنه كرر في قوله على عاتقي و ذلك يدل على أنه لا يكتفي باللفظ الواحد و ذكر في بعض محاضراته أن لسان الديـن بن الخطيب ذكر في " الكتيبة الكامنة في أبناء الثامنة" جوابا عن البيتين المشهورين، وهو قوله
كسـرت لمـا قـد قلت قلبي
و لم تضفـه إلى فــلان
ما يمـلـك المستـهـام قلبـا
يـا ظالم اللفـظ و المعاني
قال: و البيتان المشهوران اللذان هذان جواب عنهما هما قول القائل:
يـا ساكنــا قلبي المعنى
و ليس فيه سـواه ثـاني
لأي معنى كسـرت قلبي
و ما التقى فيه سـاكنان
و أجاب المقري بقوله:
نحلتني طـائعـا فـؤادي
فصـار إذ حزتـه مكاني
لا غرو إن كان لي مضافا
إني على الكسر فيه بـاني
و ذكر الخفاجي في ترجمة أحمد بن الجعـان بيتين في هذا المعنى، وهما:
إن الدهر لا يـزال يرى
جمع شمـل الكرام ممتنعـا
فهو حتما محرك أبـدا
أحـد الساكنين ما اجتمعا
و لسان الدين بن الخطيب هو الذي ألف صاحب الترجمة كتابه "عرف نفخ الطبيب" في أخباره و من غريب خبره و الأيام ترى الغريب من أفعالها و تسمع العجيب من أحوالها أنه رحل من غرناطة ودخل إلى مدينة فاس، فبالع سلطانها في إكرامه فتمكن منه اعداؤه بالأندلس و أثبتوا عليه كلمات منسوبة إلى الزندقة تكمل بها فسجل القاضي بثبوت الزندقة و حكم بإراقة دمه، فأرسل، وأرسل به إلى سلطان فاس فسجن بها و دخل إليه بعض الأوغاذ السجن و قتله خنقا، وأخرجوا رمته فدفنت، فأصبح غدوة دفنه طريحا على شفير قبره و قد ألقيت عليه الحطاب و أضرمت فيها النار، فاحترق شعره، واسودت بشرته ثم أعيد إلى حفرته و كان ذلك سنة 778 و من أعجب ما وقع كان نظم هذا المقطوع و هو:
قف لترى مغرب شمس الضحـى
بين صــلاة العصر و المغرب
و استرحـم الله قتيلا بهـــا
كان إمــام العصر في المغرب
فاتفق انه قتل بين هاتين الصلاتين فالمراد من شمس الضحى نفسه و قوله: و استرحم الله قتيلا بها معناه أسأل الله رحمته للقتيل بشمس الضحى، فضمير بها عائد إلى شمس الضحى على سبيل الإستخدام و كلا المعنين مجازي.
(قلت: و أخبرتني صاحبنا الشيخ الجرومي يحي بن محمد قاضي تيزي وزو في التاريخ و هو من أبناء العصر و حيد يتحلى بذكره جيد الجزائر و يفرح بوجوده فيها القاطن و الزائر إن ابن الخطيب قال يوم خنقه في سجنه هذه الأبيات:
بعـدنا و إن جـاورتنـا البيوت
و جئنـا بـوعـظ نحن صمت
و أنفاسـنا سكنــت دفعـة
كجهر الصـلاة تـلاه البيـوت
و كنا عظـاما فصرنـا عظـاما
و كنـا نقوت فهـا نحن قوت
و كـم سيـق للقبر في خرقـه
فتى ملئـت من كسـاة التخوت
و كـم جدلـت ذا الحسـام الظبي
و ذو البخت كم جدلته البخوت
فقل للعـدى ذهـب ابن الخطيـب
وفـات و من ذا الذي لا يفوت
و من كان يفـرح منهـم لـــه
فقل يفرح اليـوم من لا يمـوت
و رأيت لها تشطيرات قديمة و حديثة تركها أبلغ من ذكرها)
و لنرجع إلى بقية خبر المقري فنقول: و كانت إقامته بدمشق دون الأربعين يوما ثم رحل منها في خامس شوال سنة 1039 إلى مصر و عاد إلى دمضق مرة ثانية في أواخر شعبان سنة 1040 و حصل له من الإكرام ما حصل في قدومه الول و حين فارقها أنشد قوله:
إن شام قلبي عنك بـارق سلوة
يا شام كنت كمن يخون و يغدر
كم راحل عنها لفرط ضـرورة
و على القرار بغـيرها لا يقـدر
متصاعد الزفرات مكلوم الحشـا
و الدمع من أجفـانـه يتحـدر
و دخل مصر و استقر بها مدة يسيرة ثم طلق زوجته الوفائية و أراد العود إلى دمشق للتوطن بها ففاجأه الحمام قبل نيل المرام و كانت وفاته في جمادى الآخرة سنة 1041 و دفن "بمقبرة المجاورين" و قال الأديب إبراهيم الأكرمي في تاريخ و فاته:
قـد ختـم الفضــل بـه
فــأرخــوه خــاتـم
و المقري بفتح الميم و تشديد القاف و آخرها راء مهملة و قيل بفتح الميم و سكون القاف لغتان أشهرهما الأول نسبة إلى قرية من قرى تلمسان و إليها نسبة أبائه اهـ. مختصرا من "خلاصة الأثر" مع زيادة من غيرها تصرف قليلين.
و في "صفوة من انتشر" ما نصه: احمد بن محمد المقري بفتح القاف المشددة من ذرية القاضي أبي عبد الله المقري التلمساني.
و لد بتلمسان و قرأ بها على عمه سيدي سعيد المقري، ثم رحل لفاس 1009 و أخذ بها عن القصار، و ابن عمران، وغيرهم، ثم رحل لمراكش عام 1010 فأقام بها سنتين ثم رجع إلى فاس فتولى بها الفتوى و الخطابة بـ "جامع القرويين" عام 1022 فلم يزل كذلك إلى أن خرج للحج عام 1027 لموجب اقتضى خروجه عن فاس و هو أنه اتهم بالميل لمجاعة شراكة و أضرابهم على ما كانوا عليه من الفساد بفاس حياة السلطان الشيخ فلما رأى ذلك خاف على نفسه من أهل فاس فخرج منها مزعجا و هو الذي قال عند خروجه من فاس دخلت كمائها و خرجت كمائها مشيرا لذلك.
كان رحمة الله آية الزمان في حفظ النقـول و الإطـلاع على غرائب الفروع مستحضرا للفقه و النوازل متفننا، له و لوع بالأدب فلا ترى بخطه إلا مسائل الأدب، و لما دخل مصر في توجه للحاجز وقعت بينه و بين أهل مصر منازعات، أسفرت عن تسليم حفظه و ذلك أنه لما دخل مصر قبل أن يعرف حضر يوما سوق الكتب فوجد تفسيرا غريبا ففتحه، فإذا بسورة النور فتكلم ذلك المفسر على مسألة فقهية إستطردها و حرر فيها القول فحفظ ذلك كله صاحب الترجمة، فكان من غريب الإتفاق أنه بقرب ذلك اجتمع علماء البلد في دعوة و حضر معهم فلما استقر بها المجلس إذا بسائل في يده بطاقة يسأل عن تلك المسألة التي حفظها المقري من ذلك التفسير فدفعت للأول من أهل المجلس فنظر فكأنه لم يستحضر فيها شيئا فدفعها لمن يليه، ثم دفعها هذا لهذا إلى أن بلغت صاحب الترجمة فلما نظرها استدعى بالدواة فكتب فيها جواب الجواب كما حفظ فجعلوا ينظرون إليه متعجبين فلما فرغ تعاطوها فقالوا: من ذكر هذا فقال لهم فلان في تفسير سورة النور فأحضر هذا التفسير فإذا هو كما قال، فدخلهم من ذلك ما هو من شأن النفوس ولم يزل بمصر إلى أن حصلت له بها شهرة تامة، و تزوج من السـادة الوفـائيين أعظم بيوت مصر بعد البكريين، وذلك نهاية الشرف عندهم ثم أنه طلق الزوجة لأمر اقتضى ذلك، فغضب لذلك أهلها، و امتعض لهم أهل مصر، و صرموا حباله، فكتب صاحب الترجمة لطلبة فاس يخبرهم بذلك، وهو بقول لما طلقتها، لم يبق في مصر أحد يسلم علي إلا رجل حـداد، أو كما قال: وكان لصاحب الترجمة معرفة بعلم الجدول و إطلاع على أسراره حتى أنه ربما رقم الجدول في التراب و يثير منه الدنانير.
و ذكر الشيخ أبو سالم العياشي في "رحلته" عن الشيخ عبد القادر بن غصين قال: من قوة تواضع صاحب الترجمة أنه لما جاء من مصر إلى الشام جاء بكتاب من عند الشيخ التجار بمصر أبي طاقية إلى والدي فأزله والدي عندنا و أكرمه ثم إن والدي أتاه بولده الصغير أخي عبد الرحمن، و سأله أن يدعو له و دعا له، و كتب له وفقا في الصحيفة من فضة، و أمر بتعليقه عليه، فحصل على لذلك الولد جاه العظيم و حظوة كبيرة عند الأمراء و أرباب الدولة، و هو الآن شيخ التجار بتلك البلاد، و كلمته نافذة عند العام و الخاص اهـ. و ذكر في "الرحلة" أيضا أن صاحب الترجمة لما كان بالشام خرج مرة من المدينة لزيارة بعض الأولياء خارجها فبدأ بقراءة القرآن فما وصل لضريح ذلك الوالي حتى ختم القرآن مع قرب ما بينهما، وفي "المحاضرات" للشيخ أبي علي اليوسي قال حدثني الرئيس الأجل أبو عبد الله الحاج محمد بن أبي بكر الدلائي قال: لما نزلنا في طلعتنا للحجاز بمصر خرج للقائنا صاحب الترجمة، قال: و كنت أعرفه عند والدي يشب فوجدنه قد شاب، فقلت له شبت فاستضحك، ثم قال:
شيبتني عرنــدل و نجـار
و بحــار فيهــا اللبيب يحـار
قال: و حدث أنهم ركبوا بحر سويس فهال لهم مدة من نحو سنة أو أشهر و هم يدورون دورانا و أنه ألف في تلك المدة موضوعا في علم الهيأة و سارت به الركبان فلما خرج من البحر و تصفحه و جد فيه الخطأ الفاحش و قد فات تداركه و ذلك لما وقع له من الهول قال: و إذا هو قد خرج معه بضرير فقال: هذا الضرير من أعاجيب الزمان في بديهة الشعر فألق عليه بيت شئت يأتي عليه ارتجالا بما شئت من الشعر ثم عهده به أنه يقرأ فلا يبقي شيء من حفظه فأتيتكم به لتشاهدوا من عجائب هذا هذه البلاد و نوادرها و تذهب بخبر ذلك إلى بلادكم، قال: فاقترحوا مني شيئا يقول عليه فحضر في لساني يائية ابن الفارض:
سـائق الأظعـان يطوي البيـد طي
مسرعـا عرج كثبـان طي
قال: فاندفع على هذا الروي مع صعوبته حتى إنه أتى بنحو مئة بيت ارتجالا و حـدثني أن صاحب الترجمة كان أيام مقامه بمصر قد اتخذ رجلا عنده بنفقته و كسوته، و ما يحتاج على أن يكون كلما أصبح ذهب يقتري البلاد أسواقا و رحابا و أزقة و كلما رأى أو سمع عليه بالليل اهـ.
لطيفة ذكر أبو سالم في "الرحلة" أن صاحب الترجمة كان إذا أفتى في نازلة فسئل عنها مرة أخرى يمتنع من الجوانب ثانيا مخافة أن يكون في الثانية ما يقتضي الفتوى بما يخالف الأول، فينسبه الكاشحون لما لا يليق قال أبو سالم: وكنت أنا أجيب عن الثانية أيضا، وأنبه على أنه صدر مني الجواب عن أخرى بخلاف هذا لكذا اهـ بالمعنى.
و له تآليف منها :"نفح الطيب في أخبار الأندلس و ابن الخطيب" و "فتح المتعال في النعال" و " أزهار الرياض في ترجمة عياض" و "أزهار الكمامة في العمامة" في مجلد ألفه تجاه رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة و لا يخفي حسن مناسبتهن و " إضاءة الدجنة بعقائد أهل السنة" درسها بالشام و مصر و الحجاز، وكتب منها أكثر من ألفي سنة و كتب خطة على أكثرها و من شعره قوله:
بـادر إلى التـوبـة واستجنها
فـالمرء مـأخـوذ بمـا قد جنـاه
و أنتهـز الفرصـة في وقتهـا
ما فـاز بالكـرم سـوى من جنـاه
و له غير ذلك و فوائده لا تسعها مجلدات فلنقتصر على هذا القدر.
و توفي رحمه الله بالشام مسموما على ما قيل سنة 1047 و أما ما ذكره الشيخ ميارة من انه توفي بمصر فسهو اهـ.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)