التحولات الثقافية
قبل ظهور سيدي امحمد بن أبي زيان في القنادسة كان التعليم منعدما الا في مسجد صغير بلا سقف يجتمع فيه النفر القليل من أهل القرية يأدون فيه صلواتهم .
وبعد ظهوره في القرية تحولت وأصبحت من المراكز الئقافية الكبرى ولكنها لم تحد عن النمط الئقافي . الذى كان مرسوما منذ زمن وهم العلوم الدبنية بحفظ القرآن الكريم وانتهاءا بالتصوف وكان شيخنا يحض على قراء ت القرآن ويحب قارئيه ، وكان يقبل على الكتاب ويقبل رأس حفضة القرآن من الصبيان ، واذا كان على أحد ختمه واستوجب صدفة لمعلم يناوله إياها .
هذا الحرص من الشيخ على تعليم القرآن وترغيب الصبيان فيه كان أمرا معمولا به في الصحرا ء من زمن بعيد، لكن الجديد هو أحداث تعليم
متقدم ومتطور ما بعد حفض القرآن الكريم وقد هيئ لها الشيخ الضروف الكاملة والملائمة ولقد بنى مدرسة كبيرة ومسجدا وأنشا بيوتا للطلبة
الوافدين من المناطق البعيدة وضمن لهم رغم كئرة عددهم التعليم العالي والماكل
والمشرب والملبس وكان من عادته أن يصنع لهم في كل بوم أربعاء طعاما خاصا بهم مع تفقد أحوالهم والإجتماع معهم لتدارس مشاكلهم . _
وأحدث مكتبة مهمة زودها بأعداد كبيرة من الكتب المطبوعة والمنسوخة، وقد كلف عددا
من الطلبة بنسخ الكتب المهمة من بينهم الطالب المربد عبد الرحمان بن محمد اليعقوبي .
وكان الطلبة يقرؤون على يد شيخهم أو علماء آخرون جاءوا الى القنادسة مجموعة من
العلوم منها العلوم النقلية أو الشرعية كالتفسير والقرآت والحديث والفقه والأصول والفرائض .
العلوم العقلية وخاصة منها النطق
العلوم الأدبية وهي العروض والشعر والإنشا ء
كان الطلبة يجتمعون على هذه العلوم في حلقات حول عدد من المدرسين الرسميين او المؤقتين نخص بذكر منهم سيدي امحمد بن أبي زيان .
إن السنين التي قضاها كطالب في سجلماسة وفاس أ و كمدرس في مكة عند حجته وما أخه من علم في رحلاته كانت كافية لتؤهله كأستاذ في
مركز ثقافي ذا مستوى عال ، وكانت أحب العلوم اليه علم التفسير وكان يقول لطلابه (علم التفسير رأس كل علم ويتلوه الحديث وقرة عيني سيدي
الإمام البخاري وقد قسم رضي الله عنه يومه الى اجزاء
جزء لربه وجزء لطلبته وجره لزواره وجزء لنفسه وأهله .
فإذا كانت صلاة الصبح اشتغل بالأوراد والإذكار الى أن تحل النافلة قام فصلى الضحى،
اذن بإدخال الأخوان والزوار واستمرا على ذلك الى الزوال يذهب الى أهله يتوضى ويصلي الظهر ويتبعه بالنوافل ثم يجلس مع الطلبة لقراء ة
الحديث الى أن يصل وقت العصر ثم يرجع للدرس الى أن يصل وقت المغرب فيصلي المغرب والنوافل ويجلس لقرا ءة الحزب ثم لقراء ة الرسالة
وما أشبه ذلك الى العشاء ثم الى أهله وبعدها الى خلوته .
أما طريقته في التدريس فكانت المداكرة والمناظرة إذ كان يلقى الدرس ويفسح المجال
امام الطلبة لناقشة القضايا مع عزة اراء المتقدمين هذه الطريقة في اتدريس لم تكن في متناول أيكان من المدرسين لأنها كانت أرقى الطرق
يختص بها الفحول من العلما ء. وقد كان يقول رضي الله عنه
من اكتفى بالعلم دون الاتصاف بحقيقته انقطع ومن اكتفى بالعبادة دون العلم والتفقه خرج ومن اكتفى بالفقه دون ورع اغر ومن قام بما يجب
عليه من الأحكام نجا . وكان يقول أيضا :
~لا يبلغ أحدكم درجة شريفة الا بملازمة الموافقة ومعانقة الأدب وأداء الفرائض فى أوقاتها.
*معرفة الله عزيزة لا تدرك بالعقل لا تقتبس من الشره ثم تتفرع عنها الحقانق على قدر القرب من الله عز وجل .
وقاء في مناسبة أخرى
عالم واحد أشد على إبليس من كذا وكذا عابد فإذا كان العالم وارث النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والتقرير فأين ينجح معه الشيطان .
الشيخ على السومى
قد ذكر عبد الرحمان اليعقوبي في سيرة ابن أبي زيان الفقيه العلامة المحقق السالك ناسك وهي كلمات ونعوة تدل على رفعة مكانته وعلو شأنه
في عالم العلم والفقه ، وكان أخص أصحاب الشيخ ومن أقرب ملازميه وشهرته قد فاقت حدود الزاوية والمنطقة .
الشيخ إدريس المنجرة
الشريف ، القدوة ، المخبت الورع ، المتبت القانع ، الحافظ لسره الضابط لجهره ، المعترف بذنبه ، الفقير الى ربه كان في ما سلف يطلب أن يلاقيه
الله بوالي من الأولياء يأخذ عنه الطريقة وكان يتردد بين هذا وهذا الى أن وصل الى الشيخ بن أبي زيان فأخذ عنه السر وظفر بالمقصود
والمرغوب في طريقه الى القنادسة ولما غلبه بعدها وقلة ماءها وشدة حرها وقسوة طبيعتها كان يقول لأصحابه ومرافقيه من المريدين .
إن وجدت ما تقولون في هذا الرجل أي امحمد بن أبي زيان فما يضرني من هذا كله
شيء وأن حدث خلاف ذلك فلن تلموا الا أنفسهكم .
قدم على الشيخ وتكلم معه وما لبث الا وقد خرج من عنده كالأسد وجعل يحمد الله تعالى ويشكره ويثنى عليه ويقول :
هذه السرية النبوية وهذه الأخلاق الزكية وقد كتب يقول
الشيخ الإمام الفقيه أبو الأقبال الحاج الأبر صاحب الكرامات وحال في التصوف سيدي
امحمد بن أبي زيان نزيل القنادسة ، لقيته فى بلدته استفدت منه ، ولقننى وواعدني وصرح لي بما أرجوا الله في حصوله وأكثر ووقعت بيني وبينه
أشياء لا تفشى .
~
وتعددت زيارته لشيخه وكانت آخرها سة 1136ه سة قبل وفاته .
*
الشيخ محمد بن عبد الله التلمساني
العالم الفاضل بالفرع والأصل والنطق والبيان أحد المدرسين البارزين بحاضرة تلمسان كان يشد الرحال الى القنادسة لزيارة شيخها والتدريس بها
وقد صاحب في إحدى رحلاته أربع وعشرين فقيه من المدرسين بالجامع الكبير بتلمسان .
الشيخ الحاج محمد اله قيوق
كان من العلما ء المدرسين اللأين كثر ترددهم على الشيخ طالبا للرضى والبركة
قال له يوما
جنتك اليك هذه ست مرات فهل من بشارة ا
فأجابه الشيخ :
قد أعطاك الله مكان كل واحدة ثواب حجة الى جانب هذه الطانفة من العلماء المدرسين نذكر آخرون كالفقيه سيدي محمد بن عبد العزيز الإسحاقي
وأبي القاسم الحجري والسيد هاشم والسيد محمد بن ورد وبعض الشعراء كإبراهيم الزموري والحاج أحمد بزوبع ومحمد بن عمرو الذين مدحوا
الشيخ ميدي محمد بن أبي زيان *
يقول ابن خلدون في مقدمته عن الكرامات وظهورها
إن المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالبا كشف حجاب الحس والإطلاع على عوالم من أمر الله ، ليس لحاصب الحس إدراك شيه منها ، والروح من
تلك العوالم ، وسبب هذا الكشف أن الروح إذا رجع عن الحس الظاهر الى الباطن ضعفت أحوال الحس وقويت أحوال الروح غلب سلطانه وتجدد
نشوه وأعان على ذلك الذكر، فإنه كالغداء لتنمية الروح ، ولا يزال في نمو وتزايد الى أن يصبح شهودا بعد أن كان علما ، ويكشف حجاب الحس
ويتم وجود النفس التي لها من ذاتها وهي عين الإدراك فيعترض حينند للمواهب الربانية والعلوم والفتح الإلاهي، وتقرب ذاته من تحقق حقيقتها في
الأفق الأعلى، أفق اللامكة وهذا الكشف كثيرا ما يعرض لأهل المجاهدة فيدركون من حقائق الوجود ما لا يدرك سواهم ، وكذلك يدركون كثيرا من
الواقعات قبل وقوعها ويتصرفون بهمم وقوى نفوسهم في الوجودات السفلية وتصير طوع ارادتهم
أما حميد الغزالي فقد قال في كتابه ´´النقد من الضلال ، وكرامات الأوليا ء على التحقيق هي بدايات الأنبياء، وكان ذلك أول حال رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين أقبل على جبل حرا ء حين كان يخلو فيه بربه ويتعبد حتى قالت قريش ~إن محمد عشق ربه ~ وهذه حالة يتحققها بالذوق
من سلك سبيلها ، فمن لم يرزق الذوق فيتقنها بالتجربة ... ومن جالسهم فهو منهم ، هذا الإيمان فهم القوم الذي لا يشقى جليسهم م فهم
السابقون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السير وطر يقهم أصون الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق . بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة
الحكما ء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلما ء لن يغيروا شينا من سيرهم وأخلاقهم ، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرها وباطنها
مقتبسة من نور مشكاة النبوة وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به ومن أول الطريقة تبتدء المشاهدات والكاشفات حتى أنهم
في يقضتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياءويسمعون
منهم أصواتا ويقتبمس منهم فوائد تم يرتقي الحال من مشاهدة الصور والأمثال الى درجات يضيق عنها نطاق النطق فلا يحاول معبر أن يعبر عنها
الا إذا اشتمل لفضه على خط صريح لا يمكن الإحتراز عنه .
تنوعت الكرامات عند شيغنا محمد بن أبي زيان نذكر من بينها
رفع المظالم ونجدة المسغيث
هي إحدى المهام الأساسية والمهمة التي قام بها الشيخ في زمان كثرت فيها الأزمات والمظالم من جهة وفقر الرعية من جهة أخرى، ولما كان
لسيدي امحمد القوة الروحية والمادية للوقوف في وجه العديد من المظالم بالموعضة الحسنة تارة وبردع تارة أخرى فقد احتمى به الناس
واستنجدوا به
الجــانب الاقتصادي
إن القنادسة قبل ظهور الشيخ كانت مجرد قرية صحراوية نائية وكانت تسمى العوينة يعيش أهلها فقرا وحرمانا على جميع الأصعدة .
ومن التحولات التي طرأت على هذه المنطقة بعد ظهور امحمد بن أبي زيان جانبا أساسيا من عناصر الاقتصاد ألا وهو الرواج التجاري ذلك أن هذه
القرية التي تطور سكانها وسكناتها استقطبت متنوعة النوع والعدد من الزوار والأتباع والتي أصبحت إلى جانب هذا نقطة
جديدة لاستراحة القوافل التجارية وقوافل الحجيج ذهابا وإيابا إلى جانب الضروريات التي كانت تقدمها لهم الزاوية كالمأكل والشرب والمبيت .
ووجد التجار في هذا التجمع البشري مجالا لترويج بضانعهم والتزود بأخرى وأخذت القوافل تعرج على القنادسة حتى أصبحت نقطة رسمية للتوقف
وللإنطلاق عبر رحلات إلى مناطق مختلفة سرعان ما استهوت السكان فشاركوا فيها وأصبحوا يسافرون إلى المغرب والى السودان والى نقط
التجارة المشهورة كتموكتوا وخبرها وصارو بعد الفقر أغنياء تغير حالهم وولي زمن بيع الملح .
أما أولاد الشيخ فقد إستهوتهم التجارة والزمتهم ضرورة تزويد الزاوية بالحاجيات التي تتطلبها حسن الضيافة فشاركوا التجار في عملياتهم التجارية
. إلى جانب هذا أصبح سوق القنادسة مركزا من المراكز الكبرى لبيع وشراء الصوف لوجودها في منطقة يتعاطى أهلها من قبانل دوي منيع ،
وأولاد جدير، وحميان، تربية الأغنام بشكل واسع وتخصصت أيا أسواقها في بيع الرقيق المجلب إليها من السودان .
التحولات البيئية
لاشك أن ذيوع ابن أبي زيان وشيوع أخباره وكرمته جعل الرحال تشد إليه والى زاويته بالقنادسة هذه الأخيرة التي كانت تعرف في القديم بالعويته
وقد سميت القنادسة باسم من نزلها وهو شيخنا محمد بن أبي زيان القندوسي أي التصوف ذكرها الرحالة أحمد الهشتوكي في رحلته التي وقعت
ستة 1096هـ قائلا :
"توجهنا إلى العوينة ووجدنا أهلها يدرسون فاشترينا منهم التبن والشعير لدوابنا ، وهم الناس لا يبالون بالحجاب يدخل منازلهم الفاجر والعاصي
اشترينا عشائنا من عند امرأة لأن أغلب رجالها كانوا يحملون الملح ويبيعونه في مناطق بعيدة .
أما صاحب منهل الضمآن ، فقد وصف أرضها قائلا : لا تنبت ربيعا ولا فائدة فيها تغلب عليها طابع الصبعة في بعض النقط كان أهلها لظل أحدهم
نهاره يبيع الملح أو غيره للمعاش ولا يكاد يأتي بمزود تمر أو صاع شعير أما النشاط الزراعي فكان جد محدود في كمه وكيفه لم يكن ليفي
حاجيات الضرورية للسكان ، كانت الحياتة بها صعبة معيشة *
ولكن سرعان ما تبدل منظرها بعد ظهور الشيخ بها التي انصبت جهود التي لحفر الآبار والعيون لأن الماء عنصر الحياة ومن جملة العيون التي
حضرها عين "تيك ربي" ومعناها عطية الله وعليها الدار في السقي ولم توجد أعذب ولا أفضل منها وعين الشيخ وعين البركة وبهذه العيون
ضمن للقنادسة وللوافدين عليها ما تحتاج من ماء للشرب والسقي مما أنجز عنه توسع رقعة المجال الأخضر من زرع وغرس للنخيل وقد
اعتمدت الزاوية على عدد من العبيد التي جلبتهم عن طريق الهبة او الشراء يقومون بالخدمة في الزاوية أو في مزارعها .
أما في مجال العمران ورغم توفر الحجارة فيها لأن عدد منازها كان يعد على رؤوس الأصابع لدرجة أن مسجدها وهو الكان الذي يستقطب ~بي
كل مكان عناية الأهالي والذي لا
يبخل عليه أحد بجهد أو متاع لم يسقف و إنما له دائرة من الحجر والطين .
فبادر شيخنا بإعادة تسقيفه بالخشب ، تم لما كثر المريدين والزوار استوجب عليه بناء.
مسجد آخر الذي سماه مسجد أبا بكر الصديق والأصل في هذه التسمية أن أحد ملازمي الشيخ من أهل الصلاح رأى في منامه أنه في مسجد الشيخ
وقد جاء أبا بكر الصديق ومعه أولاد النبي صلى الله عليه وسلم الأربعة، وأربع من أزواجه رضوان الله عليهن و كل لها قبة خضراء ، فتقدم
سيدنا أبا بكر إلى المحراب وصلى فيه ركعتين ، فلما فرغ خرج من المسجد وإذا بقبة خضراء خرجت من دار الشيخ وسارت نحر القباب وساروا
جميعه ففي ضحى ذلك اليوم توفيت السيدة الجليلة أم كلثوم زوجة الشيخ ، ومن ذلك اليوم سمى المسجد بجامع سيدنا أبا بكر الصديق و بنا أيضا
مدرسة كبيرة مشتملة على كل المرافق الضرورية للأيــواء
للضيافة والإقامة محتوية على جميع المتطلبات من أفرشة وأغطية .
وكان الوفد الواحد يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من ثلاثة مئة نفر وهذا وحده كاف لإعطائنا فكرة عن العمران الذي يستقبلهم وما يتوجب على
الزاوية من مرافق الوفود القادمة من مختلف المناطق.
تاريخ الإضافة : 24/11/2011
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : kenadsa.kinssha.org