برج بوعريريج - A la une

برج بوعريريج.. "الوزيعة" والكسكسي والحناء تقاليد متوارثة



مع بداية السنة من كلّ عام، يستبشر ساكنة وأهالي منطقة البيبان ببرج بوعريريج، لاسيما العائلات القاطنة بقرى ومداشر المنطقة الشمالية، بدخول الموسم الفلاحي الجديد يناير، وتباشر في التحضير لاستقبال ليلة يناير الموافقة ل 12 من شهر يناير المصادف للرأس السنة الأمازيغية، من أجل إحياء عادات وتقاليد لاتزال راسخة ومتوارثة جيلا بعد جيل.احتفالا بهذه المناسبة وأملا بموسم فلاحي جديد، يعمّ فيه الخير والمحصول الوفير، عبر طقوس، تتنوّع فيها الاحتفالات بين إعداد ولائم يُدعى إليها الأهالي والأقارب وتجتمع فيها العائلات على سيد الأطباق الجزائرية "الكسكسي"، لتعقبها سهرات يكون مزاجها حكايات للأحفاد على منوال "بقرة اليتامى" وعمتي "الغولة"، في مظهر تضامني تسوده الروحانية، يعكس مدى ثراء هذه الأمة وتمازج شعوبها منذ آلاف السنين.
الوزيعة او "تيمشروط" مظهر تضامني يعود بقوّة في يناير
باقتراب هذه المناسبة تفضّل بعض القرى الواقعة في الأرياف الشمالية إقامة عادة الوزيعة أو ما يعرف ب "تيمشروط" تحضيرا لعشاء يناير، وهو تقليد اجتماعي متوارث عن الأجداد منذ قرون، يقوم من خلاله الأهالي وسكان القرية بجمع مبالغ مالية، لشراء عجول وذبحها احتفالا بهذه المناسبة، واستبشارا بدخول الموسم الفلاحي، وتوزيع لحومها على سكان القرية دون تمييز، من أجل إشاعة مظاهر التلاحم والتآزر بين سكان القرى والمداشر والأرياف، في مظهر تضامني يؤلّف القلوب ويلم الشمل، ويذهب الضغينة والاختلاف بين سكان المنطقة، حتى تحلّ الرحمة وينزل المطر.
سيد الأطباق "الكسكسي" يزيّن "ايمنسي نيناير"
ويشكّل طبق الكسكسي، أهم طبق رئيس تحرص النساء والحرائر في هذه المناسبة على حضوره في هذه المناسبة مهما كانت الظروف، إذ تنطلق النسوة في مباشرة التحضير لعشاء يناير أو ما يعرف ب "ايمنسي نيناير"، من خلال استقدام ديك يشرف ربّ الأسرة على ذبحه، وتتولى النسوة مهمة نزع ريشه وتنظيفه، مرفوقا بالبقول الجافة والخضروات واللّوازم المرتبطة بتحضير هذا الطبق السيد بالنسبة للعائلة الجزائرية في كلّ مناسبة، حيث تجتهد النسوة في تحضيره منذ ساعات مبكرة من مساء تلك الليلة، ليجتمع الأهل والضيوف خلال العشاء، حول مائدة تكون مزيّنة بما لذّ وطاب من الأطباق يكون طبق الكسكسى فيها سيد الأطباق، في تقليد ورمزية تعود إلى الأجداد، مع ترك ملعقة إضافية لضيف محتمل أو مسافر قد يزور العائلة، في إشارة إلى رمزية العادات والتقاليد، وهو مظهر من مظاهر التآلف والتضامن موروث عن الأجداد، بحسب الروايات الشفوية المتواترة لبعض أهالي وسكان منطقة "بوقطن" التابعة لبلدية ثنية النصر شمال غرب برج بوعريريج.
سهرات تروي أساطير "ينّاير"
بعد الانتهاء من وجبة العشاء المقدّمة في إطار ما يعرف ب "ايمنسي نيناير"، تحرص بعض الجدّات والأمهات على التحضير لسهرات ينّاير من خلال استحضار أطباق الحلويات والشاي والمكسرات، يتبادل خلالها أفراد العائلة أحاديث وحكايات، استبشارا بانطلاق الموسم الفلاحي وبالسنة الجديدة، حيث تحرص بعض العائلات على استطراب آذان أطفالها بحكايات شعبية متوارثة عن الأجداد تتسم في مضمونها بالأسطورة والخيال، دون إنكار تلك الرمزية أو الحكمة التي تتضمّنها تلك الحكاية من حيث الصراع بين الخير والشر، والسلام تكون على شاكلة "حكاية عمتي الغولة.... وبقرة ليتامى" وغيرها من الحكايات التي تبقى راسخة في مخيلة الأطفال لما تتضمّنه من جوانب رمزية تدلّ على الحكمة.
كما تحرص النساء خلال مناسبة ليلة يناير، على تحضير الحناء، والتي تكون بمثابة رمز تستجلب من خلاله العائلات في المناسبات والأعياد، مشاعر الفرح والبهجة والسرور، لما ترمزه هذه النبتة المباركة من معاني خير وسعادة في المستقبل، خاصة خلال المناسبات، استبشارا وتفاؤلا بالخير لصاحبها، حيث تتفنن الفتيات في تزيين أرجلهنّ وأيديهنّ في رسم لوحات فنية باستخدام الحناء، في حين يقصر وضعها على موطئ راحة اليد استبشارا بالبركة والخير بحلول الموسم والعام الجديد.
معارض للأكلات الشعبية للاحتفال بالمناسبة
وتشهد بعض القرى والمداشر تنافسا في استظهار عادات وتقاليد كلّ منطقة احتفالا بهذه المناسبة، تتضمّن عروضا ثقافية وأخرى متنوّعة تشمل منتجات تقليدية من ألبسة وأواني فخارية إلى جانب منتجات أخرى ذات علاقة بالإنتاج الفلاحي، بهدف ترسيخ الموروث الثقافي وربطها بالجوانب التنموية عبر الترويج للمنتجات التقليدية وترقيتها مثل صناعة الفخار، والسجّاد التقليدي ومنها طريقة تخزين القمح أو ما يعرف بالعولة، والطريقة التقليدية لعصر وإنتاج الزيتون، وتندرج كلّها في إطار النشاطات السياحية التقليدية، وغيرها لإبراز خصوصية كلّ منطقة وطرق عيشها وتأقلمها مع الطبيعة الجغرافية، التي تعبّر عن أصالة وتنوّع الأمة الجزائرية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)