شط مروان و شط ملغيغ و مشروع البحر الداخلي الإفريقي

البحر الداخلي الإفريقي - شطوط و سبخات المغير
لقد وقعت الاشارة إلى منطقة الشطوط التي كان يطلق عليها مسميات عديدة في القديم في عديد الكتابات ، ولاسيما أدب الرحلة فهي بحيرة تريتون عند هيرودوت و هي سبخة تاكمرت بالأمازيغية و سميت بشط فرعون في العهد الإسلامي لأن أرضها رطبة صابونية تبتلع من سار عليها لذلك أطلق عليها هذا الاسم تشبها بالبحر الذي ابتلع فرعون ، كما أطلق عليه أيضا إسم بحر لوط من أشهر الرحالة العرب الذين تحدثو عن هذه المنطقة يمكن الاشارة إلى الإدريسي ، البكري و التيجاني و التوزري ، ويتحدث التجاني في رحلته التي بدأها في العام 1306م، عند قطعه لسبخة تاكمرت تلك في القرن الـ14 ميلادي بالقول: «ووجدنا فيها معالم قائمة من جذوع النخل تمنع السالك من الخروج عن طريقها المسلوك يميناً وشمالاً لأن ما على يمينها وشمالها من الأرض مغائض لا تثبت عليها قدم، ولا يسلكها أحد جاهل بها إلا غاص فيها» و قامت عليه العديد من القصص و الأساطير و منهم من ذهب بعيدا لقوله أن هذا المكان هو فعلا البحر الذي أغرق فيه الله سبحانه و تعالى فرعون و نجى نبيه موسى عليه السلام ، كما سمي الجزء الغربي للشط أي الواقع في الجزائر ببحر سوف أما الرحالة الغربيون القدامى مثل هيرودوت و سكيلاكس و بومبونيوس ميلا ، هذا الأخير تتبع جغرافية الإمبراطورية الرومانية في بداية العهد المسيحي و لاحظ وجود البحيرة الكبيرة تريتون التي كما قال تتصل بخليج قابس عن طريق قناة هذه القناة اندثرت حاليا إثر هبوط مستوى المياه الناتج عن التبخر ، أما بطليموس فقد اعتبر أن المستوى تابع هبوطه حتى انحسرت المياه في أربع منخفضات شكلت اربع بحيرات و هي كما سماها تريتون (ملغيغ ) و بالاس (الغرسة ) في الجزائر و ليبيا (الجريد) و السلاحف ( الفجيج ) في تونس ، و كثيرا ما جمعت هذه البحيرات تحت تسمية سبخة فرعون ، و هناك أسطورة تقول أن بحيرة تريتونيس أو شط ملغيغ ولدت بها أثينا إلاهة القوة و الحكمة و إبنة بوسيدون. تخاصمت مع والدها و تبناها زيوس، و لتبجيل أثينا كل سنة يقام مهرجان بين قبيلتين الاوسيان و الماكليس تفصل بينها البحيرة تتجمع المحاربات و تتقاتلن لاثبات عذريتهن ، أما الفترة الحديثة فيمكن الإشارة إلى الرحلة التي قام بها الرحالة الإنجليزي توماس شو إلى منطقتي نفطة و تزور سنة 1740 و اعتبر أن شط الجريد هو عبارة عن طبقة باطنية يكفي إزالتها للإبحار فيها ، مؤكدا أن لها ثلاث منافذ إلى البحار المجاورة ، واحدة إلى البحر المتوسط شمالا عبر نهر الشلف و الثاني إلى المحيط الأطلسي غربا عبر ممر تازة و الثالث إلى خليج قابس شرق تونس عبر الفجيج .
البحر الداخلي الإفريقي هو أحد المشاريع التي خطط لها السان سيمونيون ( مدرسة سان سيمون التي كانت تتغنى بشعار علينا نقل الحضارة الأوربية إلى الشعوب المتخلفة و قد وضعو عدة تصاميم و دراسات مثل تصميم قناة السويس و بنما و المانش ) لكنها لم تنفذ على أرض الواقع في ضل التحولات السياسية بالمنطقة ، فقد ألهم نجاح افتتاح قناة السويس العديد من المفكرين و المهندسين على تكرار الانجاز ، و قد نشر السان سيموني جورج لافيني أياما بعد افتتاح قناة السويس مقالا حول شق قناة جديدة في الصحراء المغاربية تكون لها نفس أدوار قناة السويس ، و قد ارتبط هذا المشروع بالمهندس السان سيموني فرونسوا الي رودار الذي كتب العديد من الدراسات حول البحر الافريقي ، بادر السان سيمونيين في تحديد البحر الداخلي الإفريقي بإعتباره منطقة محصورة بين خليج قابس شرقا و جبال اولاد نايل و هضبة ميزاب غربا و جبال الاوراس و النمامشة و تبسة و الظهر التونسي شمالا و جبال مطماطة و الهقار جنوبا و قد اعتبر هؤلاء أن هذه المنطقة بمثابة حوض داخلي واسع يدعى بالعرق الشرقي الكبير أو الواعر و يشتمل على عدد من الأحواض و الشطوط الداخلية المالحة . كان هاجس السان سيمونيين هو ربط سكان الصحراء بسكان الساحل و تسهيل الاستغلال الاقتصادي لمقدرات الصحراء المادية و البشرية ، لكن المتمعن في خطابهم يلحظ أن هذه المشاريع كانت تتقاطع مع استراتيجيات الخطاب الاستعماري الهادف الى السيطرة على المنطقة ، لقى هذا المشروع معارضة شديدة من قبل الأهالي في تونس و الجزائر لأنه سيخرب أراضيهم و بعض المعارضين في فرنسا لتكلفة المشروع الباهضة ، حيث لجأ المهندس رودار إلى العديد من الأساليب لإقناع الأهالي و خصومه بالمشروع من بينها الإستعانة بالأمير عبد القادر الذي راسله آن ذاك في منفاه و رد الأمير برسالة إلى الأهالي في تونس يوضح فيها الأهمية التي ستنجم عن إنجاز هذا البحر مدعما كلامه بآيات من القران الكريم و الأحاديث النبوية و طالبهم قبول التعويضات و قد اعتبرت هذه الرسالة بمثابة جواز مرور لإنجاز المشروع يرفعه المهندس في وجه الاهالي المعارضين ، لكن في النهاية فشل المهندس و الغي المشروع .

لاقت فكرة البحر الداخلي شعبية كبيرة بشكل خاص اواخر القرن 19 و قد أعيد طرحها بعد فشل رودار في حشد التأيد اللازم في النصف الثاني من القرن العشرين من طرف عدة هيئات علمية و كانت أغلب الآراء معارضة له بسبب التكاليف الباهضة و الصعوبات التقنية خاصة بسبب وجود شط الجريد فوق مستوى سطح البحر فدفن المشروع حتى سنة 1952 بعد تأكيد بعض الحفريات التي كانت تجرى للبحث عن البترول في تلك الفترة و تمكنت جمعية للأبحاث التقنية لدراسة البحر الداخلي الفرنسية من إرسال ملف المشروع إلى مكتب الجنرال ديقول سنة 1958 و اقترحت شق القناة بإستعمال خمسين قنبلة هيدروجينية لتسهيل نقل البترول و إقامة سد ضخم لتوريد الكهرباء و قدرت تكاليف المشروع آن ذاك بنحو مائة مليار فرنك فرنسي لكنه رفض لأن فرنسا كانت منهكة من تكاليف الحرب ، إلى غاية سنة 1983 حيث قامت الجزائر و تونس بطرح المشروع من جديد و أسندت لمكتب دراسات فرنسي سويدي فكانت تقاريرهما أن المشروع تقنيا قابل للتجسيد لكن مع عدم جدواه الإقتصادية و التنموية و هو ما حال دون تحقيقه فعليا ، ليعود مرة أخرى هذا المشروع حاليا مع تغير في أهدافه حيث وضع من أجل تدعيم السياحة الداخلية و خلق بدائل تنموية بالجهات الصحراوية .

شط ملغيغ
شط ملغيغ كان يسمى بحر سوف و يسمى ايضا شط المغير و هو جزء من بحيرة تيرتون الكبرى أو سبخة فرعون أخذ اسمه و شهرته من المستعمر الذي لم يكن ينطق كلمة المغير جيدا فكان يقول لمغيغ حسب مصادر محلية ، و هو منخفض يحتوي على العديد من الشطوط و السبخات المتصلة فيما بينها منها شط سيدي رضوان و شط بجلول و شط عسلوج و شط الكحلة ، شط تويجين ، شط الكبير ، شط الحجل ، شط بن دحمان و شط مروان و شط ملغيغ و هو أكبرهم و أشهرهم الذي يتصل بشط الجريد التونسي ، تشكل بين العصرين الميوسين والبليستوسين نتيجة الضغط المصاحب لتشكيل جبال أطلس، و قد عرف هذا الشط في الإلياذة اليونانية بالبحر الأفريقي الداخلي و يعتبر أدنى ارتفاع في شمال افريقيا ب 40 متر على مستوى سطح البحر و يبلغ عمقه في أدنى نقطة 24 مترا تقريبا لكن المتعارف عليه أن عمقه المائي لا يتعدى 5 امتار (درجة العمق غير مؤكدة ، لكن المؤكد أن هناك تجاويف طينية عميقة منتشرة) و هو مصنف حاليا ضمن الأراضي الرطبة المحمية ذات الأهمية الدولية وفقا لاتفاقية رامسار وتبلغ مساحتها حوالي 333700 هكتار يقصدها عشرات الآلاف من الطيور المهاجرة كل سنة و تعتبر ملاذا للعديد من الحيوانات و تعتبر من أهم مناجم الملح في البلاد و حسب بعض المصادر التي ذكرت احتمالية وجود الفوسفات و اليورانيوم مما أكسب محيطها اهتمام الإنسان لما تحتويه من عناصر الحياة ، يتم تغذية الشط من خلال ثلاث مصادر رئيسية و هي قناة التجميع لوادي ريغ التي تسمى واد خروف و المياه الجوفية و مياه الأمطار بدرجة أقل فقد استغل سكان المغير الأوائل هذا الشط بجمع الملح و بيعه مما أكسبهم مصدر دخل ثاني بعد التمر ، فكان يقصدها التجار من شتى الربوع للحصول على هذه المادة ، فكان يستخرج و ينظف و يضغط جيدا و بعد أن يجف يشكل منه صفائح لتسهيل حمله و نقله ، كل التجمعات السكانية التي برزت على حواف الشط كانت تعمل على الملح و تقتات من تجارته و أصبحت المنطقة ككل معروفة و مشهورة بسبب هذا الشط . لذلك مازال يكتسي شط مكانة هامة لدى السكان المحليين بأبعاده الثقافية و التاريخية و الاقتصادية ، يعتبر الشط منطقة عذراء حيث لم يطأها إلا القلة القلائل و لم تقم عليه عمليات تنقيب أو بحوث تاريخية بخصوص الأثار أو بقايا التجمعات السكانية التي سكنت حوله . اقترنت معيشة سكان المغير بالشط منذ بدايات اعمار المنطقة فقد كان يعتبر مصبا للمياه الزائدة عن السقي من خلال حفر خنادق تمر عبر واحاتهم بإتجاه الشط و كان أيضا مصدرا للصيد فقد اتقن السكان طرقا لصيد الطيور كالبط و الخنازير البرية التي كانت تعيش في البرك بمحاذات الشط و كان يستعمل في صيدها أداة تسمى المنداف و كذا تدريب الكلاب على صيدها ، فكان يقوم الشباب بجولات صيد الى تلك المناطق ، بالإضافة إلى بعده السياحي فالشط يمتلك مشاهد رائعة حيث يلتقي سطحه بالسماء ليرسم مشهدا مهيبا جعل منه مكانا تتنفس به العائلات و يقضون على حوافه أوقاتا ممتعة كما تعيش على حوافه أيضا بعض الثدييات مثل الفنك و ابن آوى الذهبي و الأرانب و الخنازير البرية ، أما عن الغطاء النباتي فيحتوي الشط تقريبا على 21 نوع نباتي متمثلة في 14 عائلة من النباتات الملحية من بينها القرناء و المليح و السويد و الزيتة و الطرفة التي تنمو على جنباته و هناك نباتات تعيش في بيئة أقل ملوحة مثل الديس و اليراع و القصب و غيره ، أقام المستعمر قناة بطول 140 كلم تقريبا تصب بشط مروان من أجل تصريف المياه سنة 1924 لا تزال قائمة إلى يومنا هذا (تعد قناة وادى ريغ أو ما يسمى محليا بسقيط السفالة شريان الحياة في المنطقة حيث تعبره من الجنوب نحو الشمال على امتداد 136 كلم بعرض 10 م ، متوسطة بساتين النخيل و محاذية لتجمعات سكانية على طول هذا الامتداد ، موفرة بذلك بيئة صحية لأزيد عن 250 ألف نسمة ، حيث تقوم هذه القناة بتجفيف الأرض الطينية لمنطقة وادي ريغ و ذلك بتصريف تراكمات مياه سقي بساتين النخيل ) و يعتبر الشط حاليا كمخبر مفتوح تقوم عليه مختلف التجارب العلمية . بلإضافة إلى خصائصه العلاجية التي يمكن الإستثمار فيها .