لم يتفق سكان وادي سوف إلى حد اليوم على تحديد التفسير اللغوي لمصطلح (دوبارة) بالرغم من الإجماع العام على أن هذه الأكلة الشعبية المحلية بدأت في التواجد والانتشار انطلاقا من هذه الديار الصحراوية منذ التاريخ القديم.
ويذهب أحد شيوخ وادي سوف إلى حد الجزم أن الدوبارة تعود إلى مكتشفها الأول في بداية القرن الماضي الشيخ محمد الدبار الجامعي نسبة إلى عرش أولاد جامع بسوف الذي كان يخلط وقتها حبات الحمص والفول في طبق غذائي واحد ويقدمه لرواد متجره البسيط الواقع وقتها في مدخل السوق المركزي بوادي سوف مع قطعة من الخبز المحلي التقليدي مقابل علبة متوسطة الحجم (كعلبة الطماطم) من العلف أو نواة التمر المستعملة كعلف للماعز الحلوب.
ولم يكن يدري محمد الدبار أن تتحول دوبارته إلى طبق غذائي دسم بالبروتين يتهافت عليه الفقراء والأثرياء على حد المساواة حتى قيل إن الدوبارة السوفية هي التي وحدت بين فئات المجتمع المحلي بمنطقة سوف الكبرى ، وسوت بين الجميع.
ويؤكد الشيخ علي غيلاني الذي احترف (الدوبارة) منذ 1923 أن هذه الأكلة الشعبية التي انطلقت تسميتها الأولى من كلمة ( دبر رأسك ) أي فكر كيف تجني غذاءك اليومي هي ابداع سوفي بامتياز تماما مثلما حصل للفلاح الذي استقبل ضيوفه ولم يجد ما يقدم لهم سوى ما نصحت به زوجته من ان يدبر رأسه في خلط خلال الطماطم مع الفول وقليل من الفلفل .
وكان الناس الذين عرفوا الدوبارة لأول مرة في وادي سوف في بداية القرن العشرين يجتهدون في خلط حبات الفول والحمص بقليل مما يتوفر من حبات طماطم وملح وفلفل لإعداد طبق محلي كان الأكثر شيوعا وإقبالا.
كما أن الدوبارة عندهم فكرة محلية سوفية لم تنتشر في بقية مناطق الجزائر الأخرى إلا بعد الاستقلال .
وعرف هذا الطبق الغذائي الشعبي مع مرور الأيام انتشارا متصاعدا ، وأخذ شهرة واسعة بعد أن نقله دوبارجية وادي سوف إلى المناطق المجاورة مثل بسكرة وورقله في بداية الأمر ، وسرعان ما اقتحمت الدوبارة الأسواق الشعبية في أكثر من مدينة جزائرية وتونسية كتبسة وقسنطينة وعنابة وتوزر وقفصة والجزائر العاصمة ووهران حتى انتقلت مع المغتربين إلى فرنسا ودول آسيا ،و وصلت إلى تركيا والاتحاد السوفياتي ورومانيا ومناطق أخرى بعيدة .
وبالرغم من بساطة تحضيرها ومكوناتها فقد تحولت الدوبارة إلى أكلة راقية يقدمها أثرياء وادي سوف إلى ضيوفهم المبجلين كما يفعل التجار والصناعييون وأهل الثقافة والفنون حتى غدت الدوبارة طبقا غذائيا رسميا على موائد الولاة والوزراء وكبار الرسميين الذين يزورون وادي سوف حتى أن الرئيس الراحل هواري بومدين وأثناء زيارته الأولى لمدينة وادي سوف في نهاية الستينيات سأل عن سر غياب الدوبارة من على مائدته الرئاسية ؟. وهمس لمقربيه بالقول: كيف نحل بوادي سوف ولا نأكل من دوبارتها وبخاصة إن كانت من الفول؟.وقد وجد المسؤلون المحليون وقتها حرجا من سؤال الرئيس .ورفع عليهم الحرج باسما بالقول :إذا سأتناولها في بسكرة، وهو يعرف أن بسكرة ووادي سوف يتنافسان منذ مدة على اعتلاء عرش الدوبارة بعد أن حاول البساكرة الاحتواء على حقوق تأليف الدوبارة المحفوظة للسوافة - على حد قول الشيخ المؤرخ أحمد خراز.
وان كانت الدوبارة قد تحولت فيما بعد إلى طبق شعبي جزائري يقدم في المطاعم الشعبية صباحا وبخاصة في مواسم البرد لاحتوائه على الزيوت والأحماض والفلافل الباعثة للدفء والحرارة،فإنها تمر هذه الأيام بانتكاسة واضحة في موطنها الأصلي بعد أن تحولت مطاعم الدوبارة إلى تقديم أطباق سريعة أخرى كالأوملات أفريت وأفخاذ الدجاج وغيرها .
كما أن انتشار محلات البيتزا والهومبورغر والسندويشات الخفيفة عبر مختلف أنحاء وادي سوف جعل الدوبارة تتحول إلى طبق غذائي خاص جدا لايقدم إلا في مناسبات معينة .وانتقلت الدوبارة من طعام الفقراء إلى موائد الأثرياء بعد ارتفاع سعر الفول والحمص وتجاوزهما سعر 300دج للكلغ الواحد لكل واحد منهما .
وفي المقابل ظلت الدوبارة السوفية تحافظ على وهجها البراق ودلالها التاريخي في بقية المناطق الجزائرية الأخرى حتى غدت مدينة بسكرة هذه الأيام عاصمة الدوبارة الأولى في الجزائر بعد أن عادت إلى مزاوجة الفول بالحمص كما فعل ذلك أول مرة باعثها المرحوم الشيخ محمد الدبار الجامعي
تاريخ الإضافة : 18/11/2021
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
صاحب المقال : AOUADI ILYAS
المصدر : m-ouad-souf.blogspot.com