الوادي - El Oued

تاريخ زاوية سيدي سالم وادي سوف



تاريخ زاوية سيدي سالم وادي سوف
كان العلم في القرون الماضية بوادي سوف يُدوّن في القراطيس الورقية بمداد الوراقين، وقد تصدى لهذا الفن رجال عُرفوا بالناسخين؛ وذلك لندرة الكتب المطبوعة، أو صعوبة الحصول عليها بسبب بعد الأقطار، وارتفاع التكاليف، وحالة الفقر التي يعيشها سكان الصحراء وسوف. لهذا انتشر التراث الفكري المخطوط في حواضر وقرى وادي سوف، وخاصة في خزائن الطرق الصوفية المتواجدة في المنطقة، والتي عرفت رفوفها أنفس الكتب والمؤلفات المخطوطة في شتى الميادين. ومن أعرق تلك الطرق، الطريقة الرحمانية العزوزية، وزاويتها التي تعرف باسم مؤسسها "سيدي سالم العايب"، أسسها في مطلع القرن 19م، وقد لعبت منذ نشأتها دورا حضاريا وتعليميا بارزا، استقطبت الطلبة من كامل وادي سوف، وكذا المناطق المجاورة من النمامشة ووادي ريغ وغيرهما. ومن أجل الاطلاع والرسوخ في صنوف العلوم، وحرص القائمين على الزاوية على جلب العديد من الكتب المخطوطة ونسخها، وتشجيع فقهاء ومعلمي الزاوية خاصة، وسوف عامة؛ على تأليف الكتب والرسائل (المخطوطة) ونظمها للاستفادة من علمها. وسنحاول في هذه المداخلة أن نقوم بمحاولة جرد وإحصاء، وتصنيف، وذكر الأهمية لكل مصنف لجانب من التراث المخطوط الموجود في الزاوية.
1- تأسيس الزاوية العزوزية السالمية بالوادي:

تعد الزاوية من أتباع الطريقة الرحمانية التي يعود أصلها إلى الشيخ مَحمد بن عبد الرحمن الذي لقب بعد وفاته "ببوقبرين"[1]، وكان من بين تلامذته الشيخ "محمد بن عزوز البرجي"[2] الذي أخذ على عاتقه نشر الطريقة بالجنوب الشرقي، حيث أصبحت تنسب إليه وصار أتباع الرحمانية يعرفون بالعزووية. وقد زار الشيخ محمد بن عزوز وادي سوف قبل وفاته، حيث نصبت له خيمة في مدينة الوادي، ومكث بها أربعة أيام ناشرا للطريقة، وكانت مراسلاته إلى مريديه في سوف متواصلة وأشهرهم "علي بالليل" من بلدة الزقم، والحاج أبوبكر، يذكرهم فيها بالإكثار من الذكر؛ للارتقاء في سلم التربية الصوفية. وعرفت الطريقة العزوزية الرسوخ والتوسع على يد سيدي سالم[3].

أما تأسيسها؛ فكان على يد المؤسس الشيخ "سيدي سالم العايب"، وهو سيدي سالم بن محمد بن امحمد بن محمد بن نصر بن عطية الشريف من نسل أحمد الزاير بن سيدي المحجوب دفين القيروان، وسيدي المحجوب هذا يُرفع نسبه لسيدي عبد السلام بن مشيش. وهو الذي يصعد نسبه الشريف إلى عبد السلام بن مشيش. ولد سيدي سالم بالوادي عام 1186ه/1772م، وتربى يتيما في حجر والدته واسمها "مسعودة بنت ارويحة"، توفي عنه والده وهو في بطن أمه، وأصيب بالعرج في رجله وهو لا يزال رضيعا في مهده؛ فصار يدعى لعرج أو العايب طوال حياته. وكما كان عليه رحمة الله يعتريه حال في صباه بذكر لا اله إلا الله[4].
ورحل إلى نفطة من عمل الجريد لكسب المعيشة، وكانت حرفته صباغا، وذهب إلى تونس؛ لا ندري كم بقي فيها، وكان أحد المجاذيب بها كلما رأى سيدي سالم يقول: "سبحان الله هذا سلطان الصحراء". ثم رجع لنفطة، وكان في الليل مداوما على ذكر الله بصوت عال مسموع؛ فأزعج الناس، فرفعوا أمره إلى الخليفة في ذلك الوقت؛ وقالوا له أن رجلا سوفيا لا يدعنا ننام طول الليل، فقال لهم الخليفة ماذا يصنع، فقيل له أنه يذكر الله بأعلى صوته؛ فطرده ورجع لبلاده الوادي[5].
وفي سوف ربط علاقاته بزاوية طولقة الرحمانية العزوزية، وأخذ الطريقة عن الشيخ سيدي محمد بن عزوز دفين البرج قرية من قرى الزاب من أحواز بسكرة، ثم أخذ العهد الخلوتي الرحماني العزوزي على العارف سيدي علي بن عمر الطولقي الشريف، وهو أخذها عن الشيخ سيدي محمد بن عزوز البرجي، وهو أخذها من العالم العامل الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن باش تارزي، وهو أخذها عن الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن الفجطولي الزواوي الأزهري الشريف، وهو أخذها عن الشيخ سيدي محمد بن سالم الحفناوي، وهو أخذها عن شيخ طائفة الصوفية الشيخ سيدي مصطفى بن كمال بن علي البكري..[6]. لقد كان الشيخ سيدي سالم أميا قليل الثقافة، إلا أنه يتسم بالسمت الصوفي، والخلق الفاضل، مما جعل الشيخ يختاره مقدما على إخوان سوف الرحمانيين، فامتنع سيدي سالم أول الأمر وقال لشيخه: لا أقدر على ذلك لعجزي وضعفي عن القيام بشروط التقديم، فقال له لا بد من ذلك، فأذعن سالم لإرادة شيخه، فقدمه حينئذ ثم قال له، اجعل زريبة أذكر الله تعالى فيها، واجعل أواني لماء الوضوء ففعل؛ ووضع بذلك نواة لزاويته على شكل كوخ من الخوص يدعى في المنطقة بالزريبة، والتي تطورت الى زاوية في حدود 1236ه/1820م.
وقد صار كل من يمر بالزاوية يتوضأ من ذلك الماء، وتأتيه والدته وتقول ما هذا، فيقول لها أمرني بذلك شيخي سيدي علي بن عمر، فاهتمت الوالدة لأمره ورغم شظف العيش التي كانت تعانيه هذه الأم الحنون، بأنها كانت تقتات هي وابنها من غزل يدها، أصبحت تجمع ما عندها من الدقيق وتجعله خبزا وتقدمه بين يدي الجماعة وكل من أتى لأجل الوضوء والصلاة في ذلك المحل، وكان غالب الناس يسخرون من فعله، ويقول بعضهم أنى له هذا، وبعضهم يقول أنه مجنون، وكثرت فيه الأقاويل وهو صابر محتسب، وقد اشتكى ذلك لشيخه لما لحقه من الأذى مرات عند زيارته له[7].
غير أن الشيخ، شجعه وأخذ بيده بل أمره بتوسعة محل الصلاة، وقد ساق الله له بعض الناس فصاروا في جماعة كثيرة لا يفارقون محل مصلاه. وقد حفروا بئر الزاوية للوضوء الذي هو شرقي المسجد، بعدما تعبت والدته من الإتيان بالماء للوضوء. ثم أمره شيخه في إحدى زياراته له، بأن يجعل مسجدا للصلاة، فقال للجماعة أن الشيخ أمرنا ببناء مسجدا، وتم بناء المسجد في حدود سنة 1830، وبعد ذلك بسنوات شيد منارة(الصومعة الأولى) بأمر من شيخه علي بن عمر البرجي، وهكذا على التدريج إلى أن أتم بناء الزاوية، التي دخل في خلوة مكث فيها أربعة أشهر[8].
وقد سهر سيدي سالم العايب على قضاء حوائج الناس، والسعي بالصلح بين المتخاصمين من الأعراش، وكان رحمه الله مجاب الدعوة، كريما صبورا على أذاء الناس، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، معتصما بربه لا يخاف الخلق ولا يهابهم، ولا يرهب الملوك فكان يخاطبهم بصفاتهم، بحيث أنه جاءه بعض الجنرالات الفرنسيين للزاوية، فقال له الشيخ: يا كافر يا كافر، فقيل له هذا حاكم كبير، فقال الله هو الحاكم سبحانه وتعالى. كما حرص الشيخ سالم على إعداد أبنائه والارتقاء بهم في منازل العلم، حتى وافته المنية سنة 1277هـ/1860م، ودفن بزاويته في وسط وادي سوف[9].
2- شيوخ الزاوية خلفاء سيدي سالم:

لقد ترك سيدي سالم ولدين فاضلين، قد نشآ في حجر والدهما، وحفظا القرآن العظيم حتى أتقناه وبرعا فيه، وبنتا اسمها "مسعودة" توفيت بالطاعون سنة 1283هـ. وأكبر ولديه الفقيه الورع "مصباح بن سيدي سالم"[10] (1255-1327هـ/1839-1909م)، أمه تدعى "عمتي فاطمة الخادم" وهي أمة سوداء اللون، كانت تخدم شيخه سيدي علي بن عمر، فقال له تزوجها وتعمر منها، وكان الأمر كذلك فأنجبت له كل ذريته. وقد سماه بهذا الاسم الشيخ سيدي علي بن عمر الطولقي أستاذ والده، تيمنا بالنور الذي يشع عليهم، وتفاؤلا بالمصباح الذي ينير للناس دروب الخير[11].
عاش الفتى بالزاوية في وسط متواضع؛ لأن الشيخ سيدي سالم عاش حياة الزهد والإعراض عن ملذات الدنيا، والإقبال على التربية والارتقاء، فاختار لابنه أحسن المعلمين، ومتن صلته بالعارفين بالله. بدأت رحلة الولد مصباح في طلب العلم بحفظ القرآن الكريم بالزاوية، والاحتكاك بالشيوخ الزائرين لها، والمدرسين عبر رحابها، وتلقى عنهم مبادئ العلوم الشرعية واللغوية، ولا سيما حفظ المتون ودراسة شروحها، ومن أهم شيوخه في مرحلة طلب العلم، نجد "الشيخ العربي بالغنبازي" وهو أول معلم بالزاوية، والذي تربطه علاقة المحبة والجوار بمؤسسها سيدي سالم، فعمد إليه بتعليم أولاده، مصباح ومحمد الصالح حتى حفظا القرآن الكريم، وتعلم الفقه على "الشيخ علي بن قديري" حيث برع في علم الميراث وأصبح لا يجاريه فيه أحد، وقد أفاد الناس في قسمة التركات ومواريث العائلات في منطقة سوف وما جاورها[12].
تلقن الشيخ سيدي مصباح الطريقة الخلوتية على الشيخ "مصطفى بن عزوز" بإذن من والده سيدي سالم؛ وهذا لكون الشيخ مصطفى أكثر علما من والده، فأراده أن يأخذها على بيان واضح سليم، وتلقى الشيخ علم السلوك على شيوخ آخرين من أمثال: الشيخ "علي بنعثمان" الذي تولى في مقام والده الشيخ علي بن عمر؛ فكان سيدي مصباح ينهل من معين نصائحهم، ويتلقى المعارف الربانية، والسلوك الصوفي النبيل من فيض تسديدهم، وجميل نصحهم وتوجيههم. وكان رحمه الله جهوري الصوت حسنه يلهج بذكر إنشاد الطريقة وقصائدها، ولا سيما التي تشيد بمآثر شيوخ الطريقة الرحمانية، وخصوصا أعظم الشعراء في بلاد الجريد الشيخ التارزي بن محمد بن عزوز، وقصائد فارس المديح الشاعر بالقاسم بلمشري الكوينيني[13]. كما كان قواما مجتهدا في عمل البر، سخي الدمعة كثير البكاء شفيق على الخلق وحتى الدواب، كان كل ما راى جنازة يقول: "لا زلتَ تسمع بهالك حتى تكون"، لا تهمه زخارف الدنيا، بحيث يلبس غليظ الكتان، وينقبض من رؤية الحكام الفرنسيين. وكان رحمه الله يحسن الكتابة قلّ من يكتب مثله[14].
وقد سجل التاريخ أعمالا متميزة زاولها الشيخ مصباح في الزاوية، أولها الاشراف على الزاوية وهو في بداية عقد العشرينيات من العمر، حيث لم يتجاوز عمره 21 سنة تولى أمور الزاوية سنة 1860م خلفا لأبيه، وتولى إمامة مسجد والده أربعة أعوام، واستطاع تحفيظ أبنائه القرآن ذكورا وإناثا، فحفظ القرآن ابنه الوحيد "محمد العربي"، كما تفطن لتعليم المرأة في وقت كان يُنظر لها أنها الحطابة والعاملة في البيت، وتمكن بتوفيق الله تعالى من تحفيظ ابنته خديجة نصف القرآن، كما لقنها المبادئ الأولية من الأحكام الفقهية الضرورية، وهي قيمة تحسب في خانة المآثر النادرة التي قلما يجود بها الزمان في تلك الأوقات، فمن يفكر في تعليم النساء، فكانت بحق عملا خالدا[15].
ويرجع لسيدي مصباح الفضل في إرساء قواعد التعليم القرآني بالزاوية، والتشجيع على نهل العلم والمعرفة؛ بإرسال بعض أبناء الزاوية إلى تونس للاستفادة من العلوم، والتعمق في الحفظ وفهم المتون. كما كان يأخذ بأبناء الزاوية وأتباعها نصحا وتوجيها، ومن تلاميذه في طريق الرحمانية: شقيقه محمد الصالح الذي تكفل بتربيته ورعايته، والشيخ العالم النحرير "الطاهر العبيدي" الذي حفظ القرآن بالزاوية، وأخذ الطاهر عن شيخه سيدي مصباح، وصار من كبار شيخ الزاوية، ومنهم أيضا الطالب "صالح بالحرزولي" الذي درس بالزاوية، وقد كان يؤم المصلين بالزاوية في صلاة التراويح في زمن سيدي مصباح، وأخذ عنه الأذكار، وتربى على يديه في السلوك والأحوال[16]. عاش الشيخ مصباح حياة بسيطة في مجملها، وقد قيل عنه أنه كاتم إلا ما ظهر منها على يده دون إرادة منه، حيث يقول ابن العوامر: "جرى على طريق الأشياخ الذين يكتمون أمرهم، وهو مقام عظيم يفتخر به كل من له أدنى مسكة بأحوال القوم..."[17]. وقد انتشرت الطريقة في عهده في الوادي والزقم وكوينين،[18] وقمار إذ كان سي سعيد هو مقدم الزاوية العزوزية بها[19]. تزوج في حياته أربعة نساء وهن: هنية بنت محمد بن بالقاسم العشي، والصالحة بنت الساسي العشي، والثالثة مبروكة بنت أحمد بن خليفة اللموشي من فريق أولا احميدة، والرابعة ساسية بنت الحاج امحمد بن جابر العشي من عرش الجبيرات، وله منهن العديد من البنين والبنات. وقد امتد به العمر حتى بلغ اثنين وسبعين سنة، وكانت وفاته عليه رحمة الله ليلة الاربعاء 6 شوال 1327هـ الموافق 21/10/1909م[20]، ودفن قرب ضريح والده بالزاوية[21].
والولد الثاني من أبناء سيدي سالم، هو الشيخ "سيدي محمد الصالح"، من مواليد 1263هـ/1846م، وقد تنبأ له أبوه برفعة الشأن، حيث كان يقول لخواصه، "سيكون لابني هذا شأن وأي شأن". تلقن الطريقة الخلوتية الرحمانية العزوزية عن والده الشيخ سيدي سالم. وقد كان سي محمد الصالح بشوشا حليما رؤوفا، كثير التواجد عند سماعه لذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير البكاء والخشوع والشفقة على خلق الله، وحكى عن نفسه أنه ذبح حمامة فندم عن ذبحها وكلما تذكرها يقول لا حول ولا قوة إلا بالله. ومن أقواله: "من كانت همته في بطنه لا يفلح أبدا"[22].
وقد تولى شؤون الزاوية وإدارتها بعد وفاة أخيه الأكبر الشيخ سيدي مصباح، وقد أخذ تربيته الروحية عن والده سيدي سالم كما ذكرنا، ثم عن الشيخ سيدي مصطفى بنفطة الذي كان يتردد على زيارته[23]. وشهد الكثير من العلماء والصلحاء بعلو مقام الشيخ محمد الصالح، يقول عنه العلامة المؤرخ إبراهيم ابن عامر في مؤلفه البحر الطافح، في ما نصه: " قال الشيخ إبراهيم بن محمد الساسي بن عامر في رسالته المسماة، "بالبحر الطافح في بعض فضائل سيخ الطريق سيدي محمد الصالح"، ما نصه: "ذو المعارف والسر الوارف، والمقام الأسنى والعز الأقنى، غرة الزمان ووحيد العصر والأوان، من تحلت برؤيته الأنظار، وتشرفت بحلوله البلدان، ذو البحر الزاخر والقدر الفاخر، والأسلوب البديع والمنهج الصالح، شيخ الطريق، سيدي محمد الصالح أدام الله به آمين، نجل الولي الكامل المرحوم العامل، السائر في أوضح طرق القوم، ذي المناقب الحميدة، والأفعال الجميلة السديدة، الذي طار صيته في كل قطر وبلاد، وأقر بعلو مقامه ذوو الأتباع والانتقاد، وتواضع له أولوا المكانة والاحترام والتعاظم، شيخ الطائفة الأعرج سيدي سالم نفع الله به و بفروعه أبد الآبدين ودهر الداهرين آمين.."[24].
ويضيف العوامر بأنه لازم سيدي محمد الصالح تنفيذا لوصية جده الشيخ سيدي محمد ابن عامر، الذي كان يحثهم على خدمة اولاد شيخه (سيدي سالم) وأتباعهم ويحضنا على ذلك غاية، ويقول: إنكم تنالون منهم إن شاء الله حقق الله ذلك آمين، فمن الله علي بامتثال تلك الوصية وجعلت أتردد عليهم في الزيارة وأنظر في أحوالهم وسيرتهم وخدمتهم مدة طويلة إلى أن تحققت الشيء، وعلمت أن مُتبعهم ينال بلا ريب. فلازمت الشيخ سيدي محمد الصالح، حتى ظهرت لي الكرامات الخارقة والمقولات الصادقة، وأدركت أنه جرى على طريق الأشياخ الذين يذيعون أمرهم، خلافا لأخيه مصباح الذي جرى على طريق الأشياخ الذين يكتمون أمرهم كم أسلفنا. تزوج في حياته بسبعة نساء، فأولهن حفصية بنت محمد الاحويذق، والثانية الحادة بنت امزيو الحمدي، والزهرة بنت محمد بن علي بن أحمد الحمدي، تركية بنت سيدي عزال بن اعمارة العشي، الزوجة الخامسة تركية بنت مسعود بن احليلة العشي، والزهرة بنت مسعود الحاقة العشي، والسابعة والأخيرة رقية بنت الصادق بن علي بن دراج. وله من أغلبهن العديد من البنين والبنات. توفي عليه رحمة الله سنة 1335هـ/1919م[25].
وبعد وفاة الشيخ محمد الصالح تولى مشيخة الزاوية بعده ابن أخيه "محمد العربي بن مصباح" المولود عام 1294ه/1876م الذي تربى في حجر والده وعمه، وأتقن حفظ القرآن وغيره من العلوم الشرعية، وواصل مسيرة أسلافه في القيام بشؤون الزاوية والتعليم والطريقة مدة 28 سنة إذ توفي عام 1363ه/1945م. وفي عهده وعهد سلفه محمد الصالح انتشرت السالمية الرحمانية بكثرة في سوف ونواحيها، وامتدت إلى الجنوب التونسي والجنوب الجزائري، وتذكر الإحصائيات الفرنسية التي وقعت سنة 1900م أن عدد أتباعها بلغ في الوادي نحو 20 ألفا بينما بلغ مجموع الرحمانية في الجنوب 86000 مريد[26].
وإثر وفاته خلفه ابن عمه الشيخ "محمد العزوزي بن محمد الصالح" المولود عام 1308ه/ 1889م، حفظ القرآن الكريم وبرع في علوم الشريعة والعربية والتصوف، وله تأليف حول أبناء الأسرة السالمية، وبقي مجتهدا مع أخيه محمد الطاهر في خدمة الزاوية وطلبة العلم والقرآن حوالي ثلاثين سنة قضاها في المشيخة بكل كفاءة وتواضع إلى أن توفي سنة 1392ه/1972م. فخلفه أخوه الشيخ "محمد الطاهر بن محمد الصالح" المولود في 1320ه/1900م الذي واصل مسيرة أسلافه مع التواضع والزهد وتلقين الأذكار وتعليم القرآن إلى أن توفي سنة 1398ه/1978م[27]، فخلفه الشيخ الحالي أخوه "سيدي الحسين بن محمد الطاهر" الذي ولد يوم 22 ربيع الأول عام 1359هـ الموافق 29/04/1940م، وهو القائم بها الآن منذ ما يقرب من 35 سنة، وقد قام بالتجديد الكامل للزاوية، وهو حريص على تعميرها بالقرآن الكريم والعلم والذكر[28].

3- الدور التنويري للزاوية السالمية في سوف وجوارها:
إن ظروف القمع الاستعماري أدت بالجزائريين إلى الانكماش، وبزعماء الدين والتصوف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الثقافة والمجتمع في وجه الغزو الثقافي والحضاري الفرنسي. وإن الانقاذ بواسطة الحركة المهدوية (الأشراف، المرابطون) قد فشل، ولكن الانقاذ الروحي والفكري قد تولاه كما أشرنا علماء ومرابطون[29] من نوع رجال الاخوة الرحمانيين. ومن ذلك فحول الزاوية العزوزية السالمية التي لعبت دورا مميزا في تعليم القرآن الكريم، وأصبحت مقصدا للطلبة من كامل وادي سوف، وتعدى ذلك إلى بلاد النمامشة ووادي ريغ وطلبة الزاب الشرقي وتقرت وتماسين[30]، وقد كان لهم نظام داخلي، يضمن لهم من خلاله السكن والإطعام. وأما نظام تلقي حفظ القرآن الكريم فكان على أساس الطبقات، ومنها: الطبقة الأولى والثانية، والثالثة والرابعة، والطبقة الخامسة والسادسة، والسابعة، وكل طبقة تضم عددا من الطلبة، والذين وصل بهم المطاف مع التدرج في الطبقات إلى حفظ القرآن كاملا؛ وعلى هذا الأساس استطاعت الزاوية تأسيس تعليم يعتمد النظام الداخلي. وقد توافد على الزاوية للزيارة من خارج المنطقة من أقطار المغرب العربي ومصر من أهل العلم والصلاح نجد: الشيخ إبراهيم البختري التونسي، والشيخ محمد بن حمد النفطي من علماء الجريد، والشيخ العروسي بن عزوز، والشيخ المكي بن عزوز، والشيخ الخضر بن الحسين، وغيرهم كثير[31].
ومنذ أن أسس سيدي سالم مدرسته القرآنية بالزاوية كأبرز الأعمال المتميزة في عصره، وجلب لها المعلمين، واستقرت الإمامة والتعليم القرآني في أولاد بكار بن احميدة، وتولى بكار في زمن سيدي سالم، وتداول أبناؤه وأحفاده، أحمد بكار إلى سنة 1885م، ثم خلفه ابنه العيد، الذي مكث في تعليم القرآن بالزاوية أزيد من ستين سنة، وخلفه في ذلك إثر وفاته ابنه محمد بكار[32]، وقد تخرج على يديهم الكثير من القراء خاصة من وادي سوف[33]. ففي عهد سيدي صالح تخرج أكثر من مائة طالب حافظ، وكان حفظا متقنا بشهادة العارفين من الحفاظ. ومما أُثر عن سيدي مصباح وسيدي محمد الصالح من بعده أنهم كانوا يقبلون رؤوس أبناء بكار، وعندما يقول أحدهم ممتنعا باستحياء، لا ينبغي ذلك فأنت شيخي، يقول له: "أنا لا شيء وإنما أنت الذي تستحق التقدير؛ لأنك ملأت لنا الزاوية والمسجد بالصلاة والقرآن"[34]. وكما كانت الزاوية أيضا ملاذا لكثير من علماء المنطقة من معلمين ومدرسين مثل: الشيخ عبد الرحمن العمودي، والشيخ العربي بن موسى، والشيخ إبراهيم بن عامر، والشيخ الطاهر العبيدي، وشقيقه الشيخ أحمد العبيدي، والشيخ محمد جديدي، وغيرهم[35].
وقد كانت الزاوية مأوى لكل صادر ووارد، ومنارة وكعبة للذين يريدون تلقي القرآن المجيد على نفقة الزاوية، وقد قيّد سي محمد بن عزوز في كتابه المذكور قوائم للطلبة من الرجال على اختلاف أماكنهم وأعراشهم، ولم يرتبهم كما يقول في أزمان ورودهم عليها، غير أني ابتدأ بمن قرأ القرآن من العائلة، ثم أورد غيرهم. وأولهم سيدي مصباح، وسيدي محمد الصالح، وسي محمد الطاهر بن محمد الصالح، وسي محمد العربي بن مصباح، وسي محمد الطيب بن محمد الصالح، وسي محمد الصادق بن محمد الصالح، ومحمد بن عزوز بن محمد الصالح، ومصباح بن محمد الصالح، ومصباح بن محمد الصالح الثاني، ومحمد الهادي بن محمد بن عزوز، عبد الحفيظ بن محمد الصادق بن محمد الصالح، مصطفى بن محمد الصادق بن محمد الصالح، ومحمد العربي بن محمد العربي بن مصباح، وسي محمد الطاهر بن محمد الصالح الثاني. ولم يقتصر التعليم القرآني على الرجال، وهناك من النساء من تعلمن القرآن في الزاوية، نذكر منهم: خديجة بنت سي مصباح، وآمنة بنت محمد الصادق، ومايسة بنت محمد بن عزوز، وهن من بنات العائلة[36].
ونجد من طلبة النمامشة، العديد من الأسماء على اختلاف أعراشهم، فهناك طلبة من أولاد ارشاش النمامشة، فأولاد عز الدين ثلاثة عشر طالبا، وأولاد سليم تسعة وثلاثون طالبا، والبعارة عشر طلبة، وأولاد شعالة تسع طلبة، وأولاد بوشارب أربع طلبة، وأولاد الغوار خمس طلبة، والخلافنة تسع طلبه، وأولاد كياته ثماني طلبة، وأولاد لمبارك طالبان. ومن النمامشة الجلامدة، ذكر أولاد موسى منهم ثمانية عشر طالبا، والفجوج منهم ثماني طلبة، وأولاد حراث ومنهم ثلاثة عشر طالبا، وأولاد بوقصة ومنهم ثماني طلبة، ومن أولاد احميده البرارشة ثلاثة وثلاثون طالبا، ويُحصي في مناسبة أخرى من طلبة هذه القبيلة حوالي ستة وعشرون طالبا، ومن أولاد مسعود أحد عشر طالبا، ومن أولاد خليفة ثماني طلبة[37]. ثم ذكر قائمة لطلبة من مختلف الأعراش والأماكن من سوف وخارجها، تحتوي على تسعة وثلاثون طالبا، فهناك القماري والتاغزوتي والعبيدي والخلفاوي، والحركاتي، والنايلي، والبريكي، ومن بادس، وتمرنات، وزردام وغيرهم.
ومن بين طلبة الزاب الشرقي، ذكر من أولاد بوحديجة خمسة عشر طالبا، ومن أولاد اعمر ثمانية، وهم: الحركات بن حمتين وسالم داد بن عبد الله، ومحمد بن بوعزيز، بالعشي بن الطيب بن لخضر، علي بن لخضر بن الحشان، وعبد الله بن العلوشي، والدراج بن علي بن مبروك، وعمار بن أحمد بن عمار. ثم انتقل إلى تقييد طلبة وادي ريغ، وبدأ ببلدة زاوية سيدي العابد، وأحصى من طلبتها ثلاثة عشر طالبا، ومن طلبة قرية تبسبست ستة عشر طالبا، ومن ابني أسود بتقرت قيّد ستُّ طلبة، في حين دوّن اسم ستُّ طلبة من أبناء تماسين[38]. وينتقل بعد ذلك إلى إحصاء طلبة الوادي المركز حسب أعراشهم، وطلبة القرى المجاورة من عميش (قرى الرباح والبياضة والنخلة والعقلة) والطريفاوي؛ وقيّد من الأولى عشر طلبة، ومن الثانية ست طلبة. ثم يُفصل في تصنيف طلبة الوادي الذين درسوا القرآن على أيمة الزاوية، حسب الطبقات والقبائل .





سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)