أولا : المقدمة :
1 – طبيعة النص و صبغته : سياسية – ثقافية
2 – مصدر النص : الكاتب يحي بوعزيز
ولد الكاتب سنة 1929 بقرية الجعافرة بولاية برج بوعريريج ، حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ اللغة العربية على يد والده الحاج عبد الرحمن التحق بجامع الزيتونة بتونس سنة 1949 ، نال شهادة الليسانس من جامعة القاهرة سنة 1962 ، و تحصل على شهادة دكتوراه دولة في التاريخ بجامعة الجزائر العاصمة سنة 1976 ، تقلد عدة مناصب منها : عضو في المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر ، أستاذ في مادة التاريخ بجامعة وهران ، كاتب في جريدة الشعب
له مؤلفات عديدة منها :
ثورات الجزائر في القرنين 19 - 20 م. دار البعث، الجزائر، 1980 م.
الامير عبد القادر : رائد الكفاح الجزائري . الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1983 م.
كفاح الجزائر من خلال الوثائق . المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986 م.
الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية الجزائرية من خلال نصوصه 1912 ـ 1948 م ، الجزائر، 1987 م.
وصايا الشيخ الحداد ومذكرات ابنه سي عزيز. المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 9891 م.
مع تاريخ الجزائر في الملتقيات الوطنية والدولية . ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1999 م.
أعلام الفكر والثقافة في الجزائر المحروسة. دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1415 / 1995 م.
الاتهامات المتبادلة بين مصالي الحاج واللجنة المركزية وجبهة التحرير الوطني 1946 ـ 1962، الجزائر، 2001 م.
سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية 1830-1954. ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2007 م.
علاقات الجزائر الدولية مع دول ومماليك أوربا 1500 ـ 1830 م.
وهران عبر التاريخ.
الموجز في تاريخ الجزائر.
فضاء في رحلة العمر.
موضوعات وقضايا من تاريخ الجزائر والعرب. ج 1. ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
موضوعات وقضايا من تاريخ الجزائر والعرب. ج 2. دار الهدى، الجزائر.
الثورة في الولاية الثالثة التاريخية ( أول نوفمبر 1954 ـ 19 مارس 1962 م ) . دار الأمة للطباعة والنشر، الجزائر.
كما له أيضا تحقيقات
محمد الصالح العنتري ، فريدة منسية في حال دخول الترك بلد قسنطينة و استلائهم على أوطانها أو تاريخ قسنطينة، مراجعة وتقديم وتعليق يحيى بوعزيز . ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1991م.
الآغا المزاري بن عودة ، طلوع سعد السعود في أخبار وهران والجزائر واسبانيا وفرنسا إلى أواخر القرن التاسع عشر. تحقيق ودراسة يحيى بوعزيز 1410 /1990 م.
و مقالات
الدور الديني والسياسي للطرق الصوفية بالجزائر
وثائق جديدة عن موقف الأمير عبد القادر والدولة العثمانية من الثوار المقرانيين عام 1871 م
موقف الرسميين التونسيين من الصبايحية والكلبوتي
أفضال الزيتونة على المسيرة الثقافية والعلمية والتربويّة بالجزائر
هذا بالإضافة إلى حرْص الأستاذ بوعزيز على الاطلاع على المصادر والمراجع ، فقد كانت معاناة شعبه وما بقي في ذاكرته من مذابح 8 ماي 1945 ومشاهد القمع والقهر والإذلال لِبـني وطنه قد علّمتْه أن الكولونيالية شــرٌّ كله ولا خير فيها على الإطلاق ، وأن أكذوبة التمدين التي ما زالت تتردّد في الأوساط الفرنسية لم تكن سوى إبادة للأبرياء والمقاومين والمجاهدين من آبائنا وأجدادنا فقد كان أيّ كلبٍ أو قطٍّ في بيت الكولون أكثر قيمة من أيّ شخصٍ من جنس البرنوس la race du burnous ، وهو الاسم الذي أطلقه الأثنولوجيون الفرنسيون على كل الجزائريين .
توفي يوم الأربعاء 07 نوفمبر 2007 بمدينة وهران عن عمر يناهز 78 سنة.
- مصدر النص : كتاب : سياسة التسلط الاستعماري و الحركة الوطنية الجزائرية 1830 – 1954 الناشر: ديوان المطبوعات الجامعية ، المدينة : الجزائر ، السنة : 1985 ، عدد الصفحات 159
3 – الإطار الزماني و المكاني للنص : الجزائر ، خلال العهد الاستعماري الفرنسي
4 – شرح بعض المصطلحات و الأعلام الواردة في النص :
- الأهالي الأندجينا
الأهالي هو مصطلح أطلقه الفرنسيين على جميع الجزائريين بخلاف المستوطنين و المعمرين الفرنسيين و هذا قصد سياسة تمييز واضحة ، و قد صدر بموجب ذلك قانون بتاريخ 26جوان 1881 قانون الأهالي (le code de l'indigénat) و هو عبارة عن مجموعة من النصوص الاستثنائية التي فرضت على الشعب الجزائري ، ويقتضي من الشعب الجزائري إظهار الطاعة العمياء للمستوطنين ، وبقي ساري المفعول حتى سنة 1944، وعيّن متصرف إداري على مستوى كل بلدية لحمل الأهالي على التسليم لهذا القانون بالقوة والقهر والظلم ، ومنحت للمستوطنين المدنيين الصلاحيات والسلطات الزجرية وتشمل أحكام "الأندجينا" أربعة أصناف من السلطات
كما يأخذ هذا القانون بمبدأ المسؤولية الجماعية وكانت فرنسا( الحنونة ) قد حددت سريان هذا القانون بسبع سنوات حجتها في ذلك الحفاظ على الأمن العام .... وإذا به يمتد حتى عام 1944 ، وبالتالي فإن هذا القانون هو الترجمة الصحيحة لقانون الأرقّاء (العبيد).
و حدد القانون عند صدوره 41 مخالفة يعاقب عليها الجزائريون ، وخففت الى 21 مخالفة عام 1891 واستقرت عند 27 مخالفة في قانون 21 ديسمبر 1898. ورغم أن الإدارة الفرنسية حددت مدة سريان مفعول هذا القانون بسبع سنوات ، ولكنها ستمدده لنفس المدة عند نهاية كل أجل وذلك حتى عام 1944 .
- الجمهورية الفرنسية الثالثة : بالفرنسية La Troisième République و تكتب La III République
أعلنت الجمهورية الفرنسية الثالثة في أعقاب الهزيمة الساحقة التي مني بها الإمبراطور نابليون الثالث على يد الجيوش الألمانية التي استولت على إقليم الإلزاس واللورين . استمرت من عام 1870 حتى عام 1940 عندما سقطت باريس في قبضة الاحتلال الألماني النازي وتنصيب الجنرال بيتان رئيسا للحكومة الفرنسية الجديدة الموالية لألمانيا التي عرفت باسم حكومة فيشي. اتسمت سنوات الجمهورية الفرنسية الثالثة بالاضطرابات السياسية المستمرة وتعاقب الحكومات.
- جول فيري :
جول فيري بالفرنسية Jules François Camille Ferry ولد في 5 أبريل 1832 وتوفي سنة 1893 في 17 مارس . رجل سياسي فرنسي ووزير مستعمراتها ،ارتبط اسمه بإلزامية التعليم العلماني ومجانيته ، وبرغم عديد انجازاته خاصة منها التربوية في عهد الجمهورية الثالثة إلا أنه كان من أشد أنصار الحركة التوسعية الفرنسية .
– التشريع المدرسي الفرنسي 1883 :
إن أهم ما ميز هذه المرحلة ، هو صدور مرسوم 13 فبراير 1883 الخاص بتنظيم أمور التعليم في الجزائر و الذي جعله فرنسيا محضا شمل كل جوانب التعليم وبالتالي كان هذا القانون وراء إنشاء نوعين من المدارس الأول خاص بأبناء المعمرين و الثاني بأبناء الجزائريين ، و كلاهما يتلقي تعليما بالفرنسية . و الهدف من ذلك هو إبعاد اللغة العربية من برامج المدارس
5- استخراج الأفكار الجزئية و تحديد الفكرة العامة :
- الفكرة الأولى : سياسة التعليم الفرنسية في الجزائر
(( عملت الإدارة الاستعمارية على تجهيل الأهالي ... و لكن المستوطنين حاربوه و حاربوا مشاريعه و سياسته ))
- الفكرة الثانية : بعض الأساليب الاستعمارية لتحقيق ذلك
(( لقد اتبع الاستعمار في الجزائر سياسة التفقير و التجهيل ... و انتشار الحقد ضد الثقافة العربية و أصحابها ))
الفكرة العامة : الواقع الثقافي و التعليمي في الجزائر خلال العهد الاستعماري
ثانيا : الدراسة الضمنية للنص ( التحليل الباطني )
العنوان : الواقع الثقافي و التعليمي في الجزائر خلال العهد الاستعماري
1 – سياسة التعليم الفرنسية في الجزائر :
اعتمد الجيش الفرنسي و قادته إستراتجية الحرب الشاملة في تعاملهم مع الشعب الجزائري ، و كان الهدف المنشود من وراء هذه الإستراتيجية الإسراع في القضاء على تلك المقاومة المستميتة التي أظهرتها مختلف فئات الشعب و على جميع الأصعدة للهيمنة الأجنبية . و هذا بانتهاج كل أنواع القهر و الإبادة و التدمير دون مراعاة أي وازع إنساني أو ديني أو حتى حضاري .
كما بقيت معالم الحرب الشاملة التي خاضتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية ضد الشعب الجزائري ماثلة بكل أوجهها، من إبادة للجنس البشري و طمس معالم المجتمع الجزائري العربية و الإسلامية ، و هدم لمؤسساته الدينية و الثقافية و شن الحملات العسكرية دون هوادة ضد القبائل الرافضة للاستيطان، و ما ترتب عناه من أعمال تعسفية كالنفي و الإبعاد و التهجير و الحبس . و قد كان قادة و حكام فرنسا من عسكريين و مدنيين الذين تولوا تسيير شؤون الجزائر الأداة الفاعلة في تنفيذ هذه السياسة الوحشية ، مكرسين كل طاقتهم من أجل تثبيت الاحتلال و ترسيخ دعائمه .
فتعرضت المؤسسات الثقافية و الدينية إلى الهدم و التخريب و التدمير ، ذلك في إطار سياسة استعمارية تدخل بدورها ضمن الحرب الشاملة . وقد ركزت السياسة الاستعمارية معاول هدمها على المؤسسات الدينية ، وعلى رأسها المساجد و الجوامع و المدارس و الزوايا ، لما لهذه المؤسسات ، من دور في الحفاظ على مقومات الشعب الجزائري و انتمائه الحضاري العربي الإسلامي . ومن بين هذه المؤسسات نذكر المدارس كمدرسة الجامع الكبير و مدرسة جامع السيدة ، وكمثال ، نذكر أن مدينة عنابة كان بها قبل الاحتلال 39مدرسة إلى جانب المدارس التابعة للمساجد ، لم يبق منها إلا 3 مدارس فقط . ولقد لخص أحد جنرالات فرنسا في تقريره إلى نابليون الثالث إصرار الإدارة الفرنسية على محاربة المؤسسات الثقافية الجزائرية ، قائلا: " يجب علينا أن نضع العراقيل أمام المدارس الإسلامية ...كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا ... و بعبارة أخرى يجب أن يكون هدفنا هو تحطيم الشعب الجزائري ماديا و معنويا "
كما اتبعت فرنسا سياسة الإدماج التي أرادت من ورائها فعليا وبعيدا عما تتظاهر به من عبارات منمقة مخدِّرة أن توهم الشعب الجزائري ، بالمساواة ، ومن ثمة إعطاء هؤلاء المدنيين الفرنسيين المستوطنين النفوذ الواسع على الجزائر وتسليط أياديهم القذرة عليها ليحكموها بالحديد والنار .....فخرج للوجود قانون الأهالي الأندجينا code de l’indigénat بتاريخ 26جوان 1881 وهو عبارة عن مجموعة من النصوص الاستثنائية التي فرضت على الشعب الجزائري ، ويقتضي من الشعب الجزائري إظهار الطاعة العمياء للمستوطنين ، وبقي ساري المفعول حتى سنة 1944، وعيّن متصرف إداري على مستوى كل بلدية لحمل الأهالي على التسليم لهذا القانون بالقوة والقهر والظلم ، ومنحت للمستوطنين المدنيين الصلاحيات والسلطات الزجرية .
وتشمل أحكام "الأندجينا" أربعة أصناف من السلطات :
1 - سلطة الحاكم العام الفرنسي بتوقيعه العقوبات على الأهالي دون محاكمة .
2 - سلطة المسؤولين الإداريين بسَجن الأفراد ومصادرة ممتلكاتهم دون حكم قضائي .
3 - سلطة المديريات ذات الصلاحيات المطلقة وسلطة قضاء الصلح بسجن الأفراد ومصادرة ممتلكاتهم.
4 - سلطة المحاكم الزجرية التي خصصت للجزائريين .
بالإضافة إلى السجن أو التغريم أو مصادرة الممتلكات للمخالفات التالية :
- فتح مدرسة أو مسجد أو زاوية بلا رخصة.
- رفض العمل في مزارع المعمرين.
- التأخر في دفع الضرائب.
- التلفظ بعبارات معادية لفرنسا.
- التجمع لأكثر من خمسة أشخاص.
- عصيان القياد.
- ترك محل الإقامة بدون رخصة.
كما يأخذ هذا القانون بمبدأ المسؤولية الجماعية ، فالفرد وحده لا يعنيهم إذا ارتكب جريمة أو حريقا ، بل كل سكان المكان مسؤولون .... وبالتالي فإن هذا القانون هو الترجمة الصحيحة لقانون الأرقّاء ( العبيد ) .
و حدد القانون عند صدوره 41 مخالفة يعاقب عليها الجزائريون ، وخففت الى 21 مخالفة عام 1891 واستقرت عند 27 مخالفة في قانون 21 ديسمبر 1898. ورغم أن الإدارة الفرنسية حددت مدة سريان مفعول هذا القانون بسبع سنوات ، ولكنها ستمدده لنفس المدة عند نهاية كل أجل وذلك حتى عام 1944 .
- و هكذا نجد أن الديمقراطية والثورة للجمهورية الثالثة الفرنسية و التي نادت بالحرية والمساواة والأخوة والتي شدّدت على حقوق الإنسان ، كل إنسان في كل دول العالم ، قد أصبحت تؤيد التمييز العنصري ، و صنفتً المقيمين في الجزائر إلى فئتين مختلفتين : الأوروبيون من جهة، والجزائريون ( العرب والقبائل ) من جهة أخرى . و سعت إلى تطبيق الشرعية الإستعمارية
- و يعتبر أهم ما ميز هذه المرحلة ، هو صدور مرسوم 13 فبراير 1883 الخاص بتنظيم أمور التعليم في الجزائر و الذي جعله فرنسيا محضا شمل كل جوانب التعليم وبالتالي كان هذا القانون وراء إنشاء نوعين من المدارس الأول خاص بأبناء المعمرين و الثاني بأبناء الجزائريين ، و كلاهما يتلقي تعليما بالفرنسية .
و الهدف من ذلك هو إبعاد اللغة العربية من برامج المدارس الإبتدائية . أما ما يخص مراحل التعليم الثانوي فإنها لا تختلف عن سابقتها في شيء ، فالجزائريون أصبحت العربية بالنسبة إليهم بموجب القوانين الجائرة لغة اختيارية ، و عليه فإن التعليم خلال هذه الفترة كان فرنسيا بحتا و اللغة الفرنسية هي لغة التعليم بكل مراحله ، و هذا ما جعل الثقافة العربية محصورة في بعض الكتاتيب القرآنية و الزوايا التي لم تصلها يد الاستعمار . أما ما يخص التعليم العالي فقد تم تأسيس جامعة الجزائر في أواخر القرن التاسع عشر في مدينة الجزائر و هي الأخرى كان التعليم فيها باللغة الفرنسية على غرار الجامعات الفرنسية هناك, عدا الدراسات الإستشراقية , و بالتالي لم تكن هناك أقسام لدراسة التاريخ العربي و الإسلامي .
- كما عرف الفرنسيون أن تعليم لغتهم لأبناء الجزائريين هو السبيل السهل للسيطرة عليهم , لذا فقد دعا الكثير من عسكرييهم ومدنييهم إلى الاهتمام بذلك , ومن أشهر هؤلاء نجد الجنرال بيجو الذي كان يرفع شعار: السيف والمحراث والقلم , وكان الدوق دومال هو أيضا من المطالبين بهذا حيث يقول : " إن فتح مدرسة في وسط الأهالي يعد أفضل من فيلق عسكري لتهدئة البلاد." كما حاول جول فيري Jules François Camille Ferry ( 1832 - 1893 ) السياسي الفرنسي ووزير مستعمراتها ، و الذي ارتبط اسمه بإلزامية التعليم العلماني ومجانيته أن يؤسس مدارس و زوايا تمول باريس ثلاثة أرباعها ، و ليس هذا حبا في الجزائريين طبعا و لا بهدف نشر التعليم لترقية المجتمع الجزائري, بل كان التعليم بسيطا أوليا, كي لا ينافسهم هؤلاء أو يُعَرِّضوا وجودهم للخطر, أي أنه كان في حدودٍ ضيقة للغاية, حتى يبقى الجزائريون أسرى الجهل والأمية, كي يمكن استغلالهم على أوسع نطاق ممكن ، وبرغم عديد انجازات هذا الرجل خاصة منها التربوية في عهد الجمهورية الثالثة إلا أنه كان من أشد أنصار الحركة التوسعية الفرنسية ويتبنى مقولة أن الأجناس أو الشعوب السامية تتمتع بواجب الوصاية والرعاية للشعوب البدائية المستعمرة ، وبأن الشعوب الأولى تضطلع بدور تحضير وتأهيل الشعوب الثانية فمقولة : " حرية، مساواة ، أخوة " لم تنشأ و لا تصلح للشعوب المولّى عليها .
لهذا فقد كان الهدف من فتح مدارس تعليم اللغة الفرنسية هو القضاء على ما يسمونه بالتعصب الديني, وغرس الوطنية الفرنسية في أذهان الناشئة, وتسهيل التآلف مع الأوربيين وكسب الأجيال الصاعدة إلى جانبهم ليخدموا مصالحهم بين مواطنيهم.
و عليه فإن السياسة التعليمية لفرنسا في الجزائر و الخاصة بالتعليم الحكومي الرسمي اعتمدت الوسائل الكفيلة لتنفيذ السياسة التعليمية ، حتى تحصر تعليم الجزائريين في أضيق الحدود لأن قضية التوسع في التعليم الفرنسي في حد ذاتها قوبلت بالرفض التام من طرف المعمرين في الجزائر وفي فرنسا نفسها . وكان المعمرون أكثر تشددًا في هذا المجال , إذ أنهم كانوا يرون أن تعليم الجزائريين يعني نشر الوعي بينهم ليخرجوا للمطالبة بحقوقهم كمواطنين , فينافسون الأوربيين ويشاركونهم السلطة والنفوذ.
وبدلا من ذلك طالبوا بتعليم أبناء الفلاحين تعليما فلاحيا "Ecoles Fermes" لخدمة مصالحهم ومصالح المستعمرة, لتكوين يد عاملة محلية رخيصة لمواجهة اليد العاملة الأوربية، التي تطلب أجورا أعلى, وإبقاء الجزائريين في الأرياف بعيدا عن الحواضر, حتى لا ينافسوا الأوربيين في الوظائف, إذا ما تابعوا التعليم العادي.
أما الجزائريون المتفرنسون الطامحون في التقرب من فرنسا فإن نظرتهم للسياسة التعليمية في جزئها الخاص بتعليم الأهالي مرتبطة بما يمكن للإدارة المركزية الاستعمارية عمله على أنه من واجبها رفع مستوى العنصر العربي المغلوب ، و لتحقيق هذا الواجب فإنه يجب اقتياد الطفل العربي إلى المدرسة الفرنسية و يجب افتكاكه من بين أيدي الوالدين لأنهما لا يدركان المغزى من التعليم الفرنسي و النهل من الثقافة الفرنسية و أنه من مصلحة المحتل أن يعمل على تمدين المناطق التي استعمرها , و بالتالي فإن موقف الجزائريين المتفرنسين من مرسوم 1883 هو ضرورة ذهاب الأهالي إلى المدرسة لتلقي المعارف , ولإنجاح هذه السياسة فإنهم يرون أنه من الضروري على فرنسا إنشاء مدارس لتخرج المعلمين الأهالي و هي إجراءات ضرورية ، لكن عدد المعلمين الأهالي الذين تم توظيفهم لتعليم أبناء الجزائريين كان في تراجع مستمر , ففي عام 1877 كان عددهم 216 معلم و في عام 1882 انخفض العدد إلى 198 معلم و بحلول عام 1886 تراجع عددهم إلى 115 ليتقلص عام 1889 إلى 81 معلما ، و بحلول عام 1893 تراجع عدد المعلمين الجزائريين إلى 69 معلما فقط
2 – بعض الأساليب الاستعمارية لتحقيق ذلك
لقد اتبعت فرنسا بعض الأساليب الاستعمارية العامة التي تهدف إلى تمكين الاستعمار من البقاء مدة أطول و من بين الأساليب التي انتهجتها : اتجاه عنصري في ميدان الثقافة أساسه محاربة اللغة العربية و نشر اللغة الفرنسية بدلا منها .
فقد رأى الفرنسيون أن اللغة العربية هي إحدى أبرز مقومات الشخصية الجزائرية, وأن بقاء هذه اللغة، يعني بقاء الشخصية الوطنية للجزائريين, التي تناقض حضارتهم وتعرقل أهدافهم ومشاريعهم, لهذا عملوا للقضاء عليها بمختلف الطرق ولتفكيك المجتمع الجزائري وفصله عن ماضيه ليسهل ضمه وابتلاعه.
وكانت الميادين التي خاضتها السلطات الفرنسية للقضاء على اللغة العربية هي ثلاث:
-المدارس
-الصحافة
-الكتب والمخطوطات
- المدارس:
استولى الفرنسيون على بعض البنايات المدرسية، بدعوى استغلالها وفق حاجاتهم, وحولوها إلى مكاتب إدارية مدنية أو عسكرية.
وهناك مدارس اضطرت إلى غلق أبوابها بعد مقتل معلميها في المعارك, أو لهجرتهم إلى مناطق آمنة بعيدة, داخل الوطن أو خارجه ذلك أن السلطات الفرنسية كانت تَعتبر المعلم الجزائري خطراً يجب محاربته لأنه الحامل والحافظ للمقومات الشخصية للشعب الجزائري.
لهذا عملت على غلق الكثير من المدارس وطرد معلميها, لتحويل المجتمع الجزائري إلى مجتمع أمي, وسنّت قانونا يمنع تنقل الأشخاص من مكان لآخر بدون رخصة, فكان ذلك عقبة في وجه طلبة العلم الذين يتنقلون بهدف اكتساب العلم والمعرفة في الداخل والخارج. "وباسم سياسة الدمج ثم العلمنة حُددت المدارس القرآنية بدقة, وروقبت مدارس الزوايا وأغلقت وأزعجت... وتناقص عدد معلمي القرآن والمدرسين (الآخرين), ومنذ ذلك الحين تقهقرت معرفة اللغة العربية الأدبية, إذ كانت لا تكاد تدرس.
كما مُنع فتح المدارس العربية وبخاصة منذ صدور قانون 18-10-1892 الذي يقضي بعدم فتح أية مدرسة إلا برخصة من السلطات الفرنسية, ولكي تُسلم هذه الرخصة تم وضع عدة إجراءات منها:
-الاستعلام عن صاحب الطلب, أي معرفة كل ما يرتبط بحياته وانتماءاته.
-قبول عدد محدود جدا من التلاميذ في هذه المدارس.
وفي سنة 1904 صدر قانون يمنع فتح أية مدرسة لتعليم القرآن إلا برخصة من السلطات, وإذا ما سمح بفتحها تبعا للشروط السابقة فإنه يمنع عليها تدريس تاريخ الجزائر وجغرافيتها .
وفي المدن الكبرى منع تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم, أما في الجهات التي لم تمس فيها مدارس القرآن البسيطة, فقد منع عليها فتح أبوابها خلال أوقات عمل المدارس الفرنسية, حتى لا تمنع عنها التلاميذ.
الصحافة:
استطاع بعض الجزائريين أن يحصل على نصيب من التعليم خلال العهد الاستعماري, فقام بعضهم بإصدار صحافة ناطقة بالعربية ذات ميول دينية ووطنية متماشية مع مصالح السكان الجزائريين المسلمين. فكان رد السلطات الفرنسية هو متابعة هذه الصحافة بالتضييق أو الغلق تحت ادعاءات وذرائع مختلفة.
- نهب الكتب والمخطوطات الجزائرية:
في الوقت الذي كان التوسع العسكري على أشده في مختلف جهات الوطن الجزائري، كان الفرنسيون من مدنيين وعسكريين يستولون على ما تحتويه المكتبات العامة والخاصة في المساجد والزوايا والدور. وقد لقيت مكتبة الأمير المصير نفسه بعد سقوط عاصمته المتنقلة "الزمالة" سنة 1843. وتلت هذه العملية، عمليات نهب وسطو على مختلف المخطوطات في مختلف المجالات. وكان الكثير من الفرنسيين, من صحفيين وعسكريين أو هواة أو غيرهم يتنقلون بين المدن والقرى وفي المؤسسات الثقافية يجمعون هذه الكنوز الثمينة بطريقة أو بأخرى لدراستها أو بيعها لدور الوثائق والمخطوطات في فرنسا نفسها أو غيرها من البلاد الأوربية.
خاتمة : .. من نتائج هذه السياسة الاستعمارية
استطاعت المدرسة الفرنسية, عن طريق سياستها التعليمية, التي شوهت تاريخ الجزائر, وقدمت التاريخ الفرنسي على أنه التاريخ الوطني, أن تكوّن فئة من الجزائريين انفصلت عن شعبها, وتنكرت لأمتها, واندمجت في الحضارة الأوربية, وتجنست بالجنسية الفرنسية, ودافعت عنها دفاعا مستميتا, وبخاصة منذ مطلع القرن العشرين.
ورغم هذا فإن هذه الفئة التي دعيت بـ "النخبة" لم تجد مكانها بين الفرنسيين, لأن هؤلاء لم يكونوا ينظرون إليهم كفرنسيين حقيقيين, بل كرعايا أو مواطنين من الدرجة الثانية, ولهذا قام هؤلاء يطالبون بالمساواة, لأنهم كانوا يؤمنون "بالتقارب مع الفرنسيين والاندماج مع الجزائريين, وقد مثل هذا التيار جيل من الشباب منهم: أحمد بن بريهمات ومجدوب بن قلفاط وربيع الزناتي وسعيد الفاسي ومحمد صوالح وعباس بن حمانة وأحمد بوضربة و بلقاسم بن تهامي والشريف بن حبيلس ومحمد الصالح بن جلول وفرحات عباس ونحوهم ممن آمنوا بالأبوة الفرنسية.
أما بقية أفراد الشعب الجزائري وأغلبية أطفاله، فإن فشل الفرنسيين كان واضحا, رغم الجهود التي بذلها المعلمون في مختلف الأوساط ، بدعم من ضباط المكاتب العربية, الذين حاولوا التقرب من السكان، فوزعوا الملابس على التلاميذ الفقراء، ووفروا حاجيات المدارس المختلفة, وأعطوا الجوائز للمتفوقين منهم, وأخذوهم إلى المسارح للترويح عن النفس، والتأثير عليهم.
لقد كانت الاستجابة جد هزيلة بين الجزائريين، رغم كل المغريات . كما أن قلة الوسائل المادية للجزائريين، جعلتهم ينقطعون أو لا يلتحقون أصلا بهذه المدارس من جهة أخرى . ثم إن الفرنسيين أنفسهم لم يكن من أهدافهم أن يحصل التلميذ الجزائري على تعليم كاف شاف لمستقبله.
وقد تحمل الجزائريون نتيجة لذلك الامتناع كل العواقب المتمثلة في الطرد من أراضيهم ، أو الخسارة في أموالهم . لقد تقوقعوا واحتضنوا تراثهم المتمثل أساسا في اللغة العربية والدين الإسلامي، وشدوا عليها بالنواجذ إلى أن بدأت بوادر النهضة الثقافية تبرز إلى الوجود مع مطلع القرن العشرين, وبرز علماء جزائريون، تزعموا هذه الحركة, وكانوا النواة التي ستتفتح في شكل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وهكذا لم يستطع الاستعمار الفرنسي القضاء على الثقافة الوطنية للشعب الجزائري "لأنها لم تكن مجرد بقايا وآثار لبنى ثقافية قديمة شعبية, بل كانت ولا تزال ثقافة عالمية, حية لغة وأدبا ودينا وفكرا , متغلغلة في العقل والشعور, في الفكر والسلوك. "
لا تني تدافع عن نفسها بكل ما أوتي حاملوها من صبر وجلد ، ومن خلال المقاومات الشعبية المسلحة أولا، ثم الحركة الوطنية لاحقا. وما واكب ذلك من حفاظ على أهم مقومات الشعب الجزائري وهي اللغة العربية والدين الإسلامي.
و في النهاية و من خلال هذه النص يمكن القول أن صاحب النص الدكتور يحي بوعزيز قد سلط الضوء بصورة واضحة و كافية و أفادنا كثيرا في التعرف على بعض من جوانب الواقع الثقافي و التعليمي في بدايات العهد الاستعماري في الجزائر .
بسم الله. تحيةالى الطالب و المشرف. ورمة الله على استاذنا د.يحي بو عزيزرجمة واسعة. ان شاء الله اما بعد فشكري الى القائمين على المنتدى والى كل من يساهم في اثراء تاريخ الحركة الوطنية والتعريف بها للجيل الناشئ...شكرا و السلام احوكم حسن نوني
حسن نوني - شيخ - البليدة - الجزائر
20/03/2015 - 248426
شكرا على المعلومات القيمة
الفتاة الموهوبة - طالبة - ام البواقي - الجزائر
19/02/2014 - 178577
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/01/2013
مضاف من طرف : hichem
صاحب المقال : تحليل نص : فقرة من كتاب لمؤلفه الأستاذ الدكتور : يحي بوعزيز الطالب : بربورة حسن الفوج الأول إشراف الأستاذ : جرد
المصدر : الموسم الجامعي 2010 – 2011