رحلة عبر النقوش الصخرية لمنطقة الجلفة:
أول شيء يتبادر إلى ذهن أي واحد منا قرر زيارة ولاية الجلفة هو زيارة أهم الأماكن والمعالم السياحية والفنادق المعروفة ذات السمعة الدولية مثل النايلي والأمير اللذان يعدان ملاذا لأمراء الخليج الذين يقصدون المنطقة للصيد خاصة في فصل الربيع، لكن نحن فضلنا في هذه الجولة التي قادتنا إلى الجلفة أن نغوص في تاريخها المجسد على صخور ضاحيتها، على تلك الصخور يمكن لنا أن نعاين يوميات عادات ومعتقدات أناس عاشوا منذ قرون في تلك الأماكن. عند نزولنا في مدينة الجلفة أول شيء وقفنا عنده هي الساحة الكبيرة التي تتوسط المدينة والمعروفة باسم ساحة محمد بوضياف حيث كانت الساعة تشير إلى حدود الثانية زوالا. كانت الساحة تعج بالحركة سواء الناس الذين يتجولون ويتسوقون في المحلات المجاورة للساحة أو حركة المصليين الذين بدأوا بالخروج من المسجد المقابل وهو يعتبر من أكبر المساجد في المدينة، أما نحن فقد كانت وجهتنا الأولى دار الثقافة فكنا نجهل أنه قد تم تغيير مقر دار الثقافة إلى المدينة الجديدة وقد علمنا ذلك من الشخص الأول الذي التقيناه أمام الباب ولما استرسلنا معه في الحديث اكتشفنا بأنه يعمل كحارس لموقع النقوش الصخرية في بلدية زكار التي تبعد بحوالي 16 كلم نحو جنوب مدينة الجلفة ويدعى طعبوب فرحات وهو يعتبر مكتشف الجدارية التي نقشت عليها صورة لكبش يحمل فوق رأسه هالة وعلى عنقه شكل يشبه مزخرف وقد تم اكتشافه سنة 2005 حسب ما قاله لنا. واصلنا الحديث معه عن النقوش الصخرية، في الجلفة أو “الآثارات” كما يحلو له ولسكان المنطقة أن يسمونها، إلى أن ذكر لنا اسم واحد ممن ساهم بقسط وافر في اكتشاف والحفاظ الكثير من النقوش الأثرية لمنطقة الجلفة والمناطق المجاورة لها مثل البيض والأغواط، وهذا الشخص هو الحاج بلعباس دلولة. يعتبر من المجاهدين المعروفين في المنطقة كما كان بعد الاستقلال أول رئيس بلدية الجلفة وقد ساهم أيضا في تأسيس جمعية المبادرات والسياحة لمدينة الجلفة التي تولى رئاستها بعد ذلك.
*
مع الحاج بلعباس دلولة
رافقنا السيد طعبوب فرحات وقمنا بالاتصال بمنزل الحاج دلولة بلعباس القريب جدا من مكان تواجدنا، استقبلنا في قاعة الاستقبال بمنزله المتواضع وسط المدينة القديمة، حيث كانت أرضية القاعة مفرشة بزراب تقليدية، تتوسط القاعة مائدة عليها مصحف كبير الحجم، وفي إحدى جوانب القاعة توجد خزانة مملوءة عن آخرها بكتب تناول جلها تاريخ المنطقة سواء الحديث منه أو القديم. كما زينت جدران القاعة بلوحات مرسومة وصور كذلك أغلبها مستوحاة من النقوش الأثرية للمنطقة، لكن الأجمل من بين كل تلك الصور تلك الصورة للأسد الذي انقض على غزالة، ووخز أسنانه في رقبتها وهي صورة نقشت في الأصل في موقع صافية البارود التي تقع شمال شرق مدينة الجلفة وقريبة من بلدية الإدريسية. ويعتبر موقع أو محطة النقوش الصخرية لصافية البارود من أهم المحطات في المنطقة وذلك نظرا لكثرة النقوش التي مثلت فيها خاصة تلك الحيوانات مثل ما ذكر سابقا الأسد المنقض على الغزالة إضافة إلى الفيلة بمختلف أحجامها ونقوش أخرى للنعامة، وقد تم اكتشاف هذه المحطة من قبل السيد دلولة بلعباس وباحث وعالم الآثار الفرنسي الذي اشتغل كبيرا حول النقوش الصخرية في الأطلس الصحراوي، ومنطقة الصحراء وهو HENRY LHOTE وذلك في حدود سنة 1984 م خلال عملية استكشاف قاما بها في المنطقة. كما جلسنا بدأنا نتبادل أطراف الحديث معه، فكلمنا عن أهم الأشخاص الذي عمل معهم في حياته والبلدان التي سافر إليها ممثلا لمنطقة أولاد نايل والأطلس الصحراوي أو ممثلا للجزائر وذلك من خلال نشاطه في جمعية المبادرات والسياحة لمدينة الجلفة بحيث يقومون بالترويح للمنتوج السياحي للمنطقة خلال سنوات الثمانينيات وأهم تلك البلدان إيطاليا، فرنسا والمكسيك كما قال. كما حدثنا أيضا عن تاريخ المنطقة إبان ثورة التحرير المجيدة وذلك كونه واحد من صانعيها في منطقة أولاد نايل والجنوب الجزائري ككل، وأهم الشخصيات السياسية والتاريخية التي التقى بها خلال سنوات الاستقلال.
Djelfa 1 150x150 روبورتاج: رحلة عبر النقوش الصخرية لمنطقة الجلفة
*
محطة النقوش الصخرية “صافية بورنان”
أما نحن بدورنا فقمنا بعرض فكرة الخروج معنا لزيارة موقع ما من المواقع للنقوش الصخرية الموجودة في المنطقة، فقد تردد في البداية نظرا لسنه الذي يناهز الثمانين لكن بعد الإصرار، قبل أن نزور معا محطة النقوش الصخرية المعروفة بصافية بورنان كون هذه الأخيرة المحطة قدم تم اكتشافها من طرفه أيضا على غرار الكثير من المحطات الأخرى. بالرغم من إننا في البداية كنا نود أن نزور محطة النقوش الصخرية الموجودة بالقرب من بلدية مجبارة والمعروفة باسم محطة النقوش الأثرية عين الناقة وذلك نسبة إلى المنطقة التي يقع فيها، ورغبتنا في زيارة هذه الأخير تكمن من جهة نظرا لقربها من مدينة الجلفة حيث لا تبعد إلا بحوالي 30 كلم نحو الجنوب مرورا بالطريق الذي يربط بلدية محبارة وبلدية مسعد. ومن جهة أخرى ما سمعناه من قبل عن هذه المحطة والمشهورة خصوصا بالجدارية التي نقش عليها شخصين متقابلان واحد منهما ذكر والآخر أنثى وقد أطلق عليها اسم جدارية العاشقان الخجوليين ولما حدثنا السيد الحاج بلعباس دلولة عن هذه المحطة فقد أفادنا بمعلومات أخرى عنها وهي أن هذه المحطة تحوي عدة واجهات صخرية منقوشة فواحدة منها وهي الأكبر فقد نقش عليها كبش يحمل فوق رأسيه هالة بالإضافة إلى عقد على عنقه مثل كبش الذي اكتشف في موقع زكار وواجهة أخرى وهي صغيرة الحجم مثل فيها شكل حيوان كبير وهناك من المختصين من يعتقد أنه أسد وآخرين ممن يعتقد ويقول أنه كبش ووسط هذا الشكل نقش شكل صغير وهو عبارة عن أرنب، وعلى بعد أمتار من هذين الواجهتان الصخريتان نجد واجهة أخرى ونقش عليها شكل حيوان منقرض حاليا وهو كما يعرف بالجاموس العتيق ذو القرنين الكبيرتين والمستديرتين نحو الخلف بالنسبة لرأسه. بالإضافة إلى هذه الواجهات الصخرية المنقوشة نجد أيضا “العاشاقان الخجولان” وهي في نفس الموقع. في اليوم الموالي، استأجرنا سيارة لتنقلنا إلى عين المكان أو موقع النقوش الصخرية لصافية بورنان وهذا الموقع يبعد بحوالي 50 كلم جنوب شرق مدينة الجلفة، في الطريق عاد الحاج دلولة بلعباس يحدثنا عن أهم علماء الآثار والباحثين الذين عملوا معه سواءا كانوا جزائريين أو فرنسيين، وذلك في سنوات السعبنيات والثمانينات ومن بين هؤلاء نجد FRANCOIS DE XILLARET, HENREY LHOTE , GENETTE AUMASSIP وكذلك مليكة حاشيد. عند بلوغنا المكان، تخلينا عن السيارة على قريعة الطريق وواصلنا السير مشيا على الزقدام نحو صخرتان كبيرتين بصعب نوعا ما بلوغها نظرا لإنعدام الطريق المؤدي إليهما، على إحدى الواجهة الأولى نقش عليها من اليمين إلى اليسار نعامة صغيرة الشكل، شخص، نعامة ذات جسم بيضوي وكذلك كبش. أما الواجهة الثانية فنجد بالإضافة إلى عدة أشكال لأحصنة مختلفة الحجم، نقش لغزالة متوسطة الحجم، وتعد هذه المحطة الأثرية من بين الأحسن محطات الأثرية في المنطقة وهي قد أشير إليها سنة 1954 من طرف الباحث الفرنسي Piere Bellin قبل أن تصنف ويعاد جردها سنة 1984 ضمن أهم المحطات النقوش الصخرية لمنطقة الجلفة من طرف الحاج بلعباس دلولة وH. LHOTE أما نحن فقد انشغلنا بتصوير النقوش والتأمل في جمالها مرفوقين بشرح وتوضيحات من الحاج بلعباس دلولة، وبعد حوالي ساعة ونصف الساعة من الاستمتاع والتأمل والتجوال حول تلك النقوش الصخرية عدنا أدراجنا نحو المدينة وكلنا شوق لزيارة النقوش الأخرى المنتشرة في كافة أنحاء الولاية والتي يقدر عددها بحوالي 50 محطة أثرية كما أسر لنا الحاج بلعباس لكن نظرا لضيق الوقت والتعب الذي نال من دليلنا في هذه الزيارة لم نتمكن من ذلك بل ودعنا بلعباس دلولة عند بلوغنا وسط المدينة كما كلفناه بتبليغ سلامنا للسيد طعبوب فرحات حارس موقع زكار الذي وعدناه بزيارته في زكار، لكن للأسف لم نتمكن من ذلك.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/10/2012
مضاف من طرف : nourdine
صاحب المقال : nourdine
المصدر : الاثيــــــــــــــــــــــــر