الجزائر

يمكن حكم تونس بدون النهضة



أفرزت الانتخابات التونسية الأخيرة نتائج تميزت بتصدر حزب النهضة الإسلامي المرتبة الأولى بنسبة 41% وهذا يعادل 90 مقعدا من بين 217 التي يتشكل منها البرلمان التونسي، ولكن دون حصوله على الأغلبية المطلقة وهذا أمر إيجابي في حد ذاته، يؤمن تونس من عودة ديكتاتورية من أي نوع كانت، حزبية، شخصية أو إيديولوجية. ويبدو من الوهلة الأولى أن النظام الانتخابي المبني على النسبة الذي اعتمد في تونس لا يسمح بفوز كاسح لأي تيار سياسي ويفتح الباب واسعا أمام التحالفات وهنا يمكن أن نلاحظ ذكاء جماعة النهضة بالمسارعة إلى مد يدها إلى باقي التيارات السياسية من أجل الظفر بالمناصب الحساسة بينما عملية حسابية بسيطة تثبت أن هناك إمكانيات حكم أخرى دون اللجوء إلى حزب النهضة لأن باقي الأحزاب نالت 60 في المائة من المقاعد وهي أغلبية مطلقة لإتلاف أخر.هذا الوضع يشبه إلى حد كبير وضع بلدية أنفرس الفلامانية التي يفوز بها في كل انتخابات الحزب اليميني المتطرف الفلامس بيلانغ ولكنه لا يحصل على أي منصب لتسيير ثاني أكبر مدينة في بلجيكا وتطبق الأحزاب الديمقراطية ضده ما يسمى بالحزام الصحي لمنعه من الحكم بكل ديمقراطية وهي وضعية تدوم لأكثر من 30 سنة، فالمواطن الذي يؤثر فيه الخطاب المتطرف يصوت ولكن حزبه لا يحكم وأكاد أقول إنه لن يحكم هذه المدينة، والفضل هنا يعود إلى النظام الانتخابي النسبي، والذي نجد له أيضا امتدادا على مستوى حكم الأقاليم والحكومة الفيدرالية.وجود النهضة في تونس كأول حزب سياسي في البلد لا يعطيه الحق في تبوؤ سدة الحكم بل يجبره إذا أراد أن يحكم البلاد إلى التفاوض مع القوى الأخرى حول قاعدة برنامج واضح ودون لبس وقد يرفض من باقي الأحزاب إذا لم تقبل به وليس للنهضة الحق إذا كان برنامجها يعمل في الاتجاه المعاكس لبناء ديمقراطية ناشئة في تونس، والنهضة تدرك ذلك جيدا لذلك تسرع في جو الحماس إلى الاستيلاء على المناصب في السلطة وهي تعرف ما قيمة ذلك لتقوية نفسها. نتائج الانتخابات التونسية المعلن عنها تبرز بكل وضوح أن هناك احتمالات كثيرة لبناء تحالفات خارج النهضة لحكم تونس في حالة ما أراد الشركاء فعل ذلك، لضرورة يدركونها تتعلق ببناء نظام ديمقراطي ناضل من أجله التونسيون لسنوات ضد الاستبداد والحكم الفردي، وهذا ما يتيحه النظام الانتخابي المعتمد في تونس.المواقف المعلنة من قادة النهضة جاءت مطمئنة للجميع لأن محركها الأساسي هو إدراكها أن حزب النهضة ليست له الأغلبية المطلقة وعليه لا يمكنه حكم تونس إلا بإنشاء تحالف يؤدي إلى ائتلاف سياسي واسع إذا أراد الوصول إلى كسب مواقع هامة في السلطة الجديدة في تونس تمكنه من تقوية قاعدته والتحضير لكسب المزيد من المكاسب وتوسيع قاعدته الشعبية عبر التسيير، والتسرع الذي أظهرته النهضة يثبت ذلك، حيث بدأت في الاتصالات لدعم بعض الشخصيات في منصبها وإعلان التخلي عن البعض الآخر، في محاولة تنظيم هجوم سياسي تسعى النهضة من ورائه لكسب هذه المعركة النفسية الدائرة حاليا في تونس.حقيقة الأمر في تونس أن الأغلبية ليست لحركة إسلاميي النهضة وأن 60 بالمائة من المقاعد موزعة على أحزاب وائتلافات أخرى غير إسلامية ويمكنها حكم تونس إذا أرادت دون النهضة، وقد يكون ذلك هو الأجدر لهذا البلد الذي سيتعلم قادته الجدد أن الحكم عبر التحالف يساعد إلى حد كبير الحوار والنقاش الديمقراطي وبالتالي بناء الديمقراطية المنشودة في تونس بعد ثورة قام بها الشعب التونسي بكل أطيافه.من بروكسل لخضر فراط


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)