الجزائر

يقيمون في أكواخ ويعملون في البناء جزائريون بلا هوية يعيشون حياة اللجوء في وطنهم



يعملون في البناء، ويقيمون في أكواخ من البلاستيك والقماش، ويعيشون خارج نطاق الحضارة، أقصى ما يتمناه أي منهم هو العمل على مدار الشهر في ورشات البناء، لتوفير النقود وإرسالها إلى أسرته في عمق الصحراء. تجمع 10 شباب في كوخ من القماش والأعمدة لا تزيد مساحته عن 4 أمتار مربعة، وجلس عدد منهم يتناولون وجبة الغداء، وهي عبارة عن معكرونة مغلية في الماء. كان الجو شديد الحرارة، وانهمك الشباب في الأكل غير مبالين بالحرارة التي تلفح الوجوه، والغريب هنا هو حالة الرضى التي تراها في وجوههم وفرحتهم بإبريق الشاي.
لم يسمع المقيمون في هذه الأكواخ ببرنامج المليون سكن، ولم يسمعوا ببرامج تشغيل الشباب والقروض المصغرة، كما أنهم لا يملكون حتى شهادات الميلاد، فكيف بوثـائق الهوية البيومترية. كل ما يملكه هؤلاء هو سوادهم القاسية والإرادة والتضامن فيما بينهم، فترى من لم يسعفه الحظ في العمل لدى المقاولين اليوم يأكل من عرق جبين زميله في الخيمة، كل ما يعرفه هؤلاء هو التحقيق الذي خضعوا له من قبل الشرطة بعد أن اشتبهت فيهم واعتقدت بأنهم مهاجرون سرّيون. وبعد تحقيق طويل، تأكدت مصالح الأمن في غرداية بأن الأمر يتعلق بمواطنين جزائريين لا يملكون أي إثـبات للهوية.                  
كانت صدمتنا كبيرة، ونحن نعاين الأكواخ التي أقامها محمد علي وعبد الله وقزقز على عجل داخل ساحة يملكها أحد الخواص، أكواخ لا تصلح حتى لإقامة الحيوانات. رغم هذا، يعيش فيها أناس لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في مناطق نائية لم تصلها المدنية وحرم أغلبهم من التسجيل في الحالة المدنية، وهم بهذا بلا وثـائق ولا إثـبات هوية. في كل خيمة يقيم شباب ينتمون لقبيلة معينة، ويتجمع ما بين 8 و12 منهم في خيم تتحوّل إلى أفران تحت الشمس الحارقة لشهر جويلية بغرداية، يجلسون تحت ظل قطع البلاستيك والقماش القديم، ويفترشون بطانيات وقطع قماش قديمة، في منظر لا يوحي بأنك في مدينة. يقول ''قزقز''، وهو رجل مسن وأكبر المقيمين في هذا المخيم سنا، إن أغلب الموجودين هنا ينحدرون من مناطق تيغرغار وتيمياوين ومناطق أخرى جنوب شرق تمنراست، وبعضهم من قبيلة آكلان والطواري وقبيلة لنصار، وهم غير مسجلين في السجلات المدنية في بلديات جنوب تمنراست، لكن أغلبهم سجل مؤخرا وينتظر الحصول على وثـائق هويته.
ويقول محمد الأنصاري المقيم في المخيّم إن غير المسجلين في الحالة المدنية بالآلاف، ويقيم أغلبهم في المناطق النائية بولاية تمنراست.
ويقول ايغهن علي، 24 سنة، ولدنا في الصحراء في منطقة تيمياوين بتمنراست ولا نعرف سوى رعي المواشي، ولا نملك في صحراء تيمياوين سوى بيت من طين تقيم فيه أسرتي المكوّنة من أب وأم و7 إخوة، ولا معيل لكل هذه الأسرة سوى رعي الماعز والعمل، وأنا الآن أعمل لإعالة أبي وأمي وإخوتي، والمثـير هنا وكيف يعيل علي أسرة مكوّنة من 9 أفراد من العمل في البناء بأجر لا يزد عن 700 دينار''. ويعلق هنا رئيس جمعية البر الخيرية التي تجمع تبرعات للمقيمين في هذا المخيم وأسرهم ''لا أعتقد بأن الجزائر تشهد بؤسا أكثـر من هذا''.
على السادسة صباحا، التقينا محمد الأنصاري في ساحة يتجمع فيها عمال البناء بوسط غرداية في انتظار المقاولين. وبسبب أن هذا الشاب قصير القامة، فإن أغلب المقاولين لا يرغبون في تشغيله لديهم. وبعد انتظار ساعتين ونصف، عاد محمد من حيث أتى، حيث لم يظفر في هذا اليوم بالعمل ويعلق قائلا: سأعود في الغد.  ويضيف: يجب علي العمل حتى في شهر رمضان، وأنا صائم، من أجل توفير قوت يومي وإرسال بعض النقود لأسرتي في تمنراست. ومع كل ما يلاقيه محمد من متاعب الحياة، فإنه تعرّض للاحتيال من طرف مقاول حرمه من أجرة أسبوع.   


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)