بعد أن كانت حالات الاختطاف تهز الجزائريين، وتصنع الحدث كونها ظاهرة إجرامية جديدة على المجتمع الجزائري، خاصة أنها ارتبطت بالابتزاز وطلب الفدية والحالة النفسية لبعض الخاطفين، دخلت الآن يوميات المواطنين وأخذت أشكالا غريبة بلغت درجة أن خالا اختطف ابن أخته كما حدث في ولاية سكيكدة، وأبا اختطف ابنه كما حدث في قسنطينة، وبقي المخطوف الأول هو المجتمع التائه، الذي ما صار يعرف من أين أتى، ولا أين هو، فما بالك نهاية تيهانه.حكاية اختطاف أب لابنه من حضن أمّه الفرنسية، عجزت وكالات الأنباء ومختلف أقسام الصحف عن الخانة التي تضعه فيه، فقد أخذ أبعادا دينية وقانونية وسياسية واجتماعية ولخّص فعلا حالة التيهان التي يوجد فيها المواطن البسيط، وهو بذلك على شاكلة مسؤوليه الذين عجزوا عن رسم خارطة حقيقية للواجبات والحقوق، فصار الأب يضم ابنه إلى حضنه، وهو لا يدري بأنه ارتكب جريمة عابرة للقارات تدخّل فيها الانتربول، تماما كما يفعل مع تجار الأسلحة والكوكائين، وصار الابن لا يدري إن كانت صُحبة والده، من قمة العطف والحنان أم من حضيض الجُرم والحرام.
وعندما يفقد الوالد البوصلة، وتصبح حياته خبط عشواء، ويلحقه ابنه الذي تختلط في فكره الواجبات والحقوق، يكون المجتمع قد نسف أهمّ أركانه وهو الأسرة، التي تمزقت بشكل غير مسبوق أمام صمت السلطة، التي تتابع هاته المشاهد البشعة مثل الوالد الذي أبحر بابنه في رحلة هجرة غير شرعية، أو ذاك الذي سقى أبنائه بالبنزين تهديدا بنحر نفسه ونحرهم، من دون رد فعل بالعمل أوالقول ولا حتى بأضعف الإيمان.
في عملية الاختطاف التي يظن الكثيرون بأن المتضرّر فيها هو الطفل والخاطف والمجتمع، يختفي دور كل الذين من المفروض أن يتحرّكوا خاصة أنهم جميعا يتبوؤون أماكن راقية ويتقاضون مرتبات، نظير ما يسمى مجازا بأعمالهم، من أئمة وإعلاميين وجمعيات ورجال القرار بكل أطرافه، وفي هذه العمليات لا أحد يدرك بأن الوطن هو الذي يتعرض لمحاولة الاختطاف وسط هذه الفوضى التي عجز فيها بعض الأولياء حتى عن تعلم كيفية حبّ أبنائهم.
من المؤلم أن تحلّ علينا المناسبات الدينية، التي هي محطات لاستخلاص خصال محمد صلى الله عليه وسلم، والصحف والقنوات تقذفنا بأخبار غريبة ورهيبة، تجعلنا قبل أن نفكر في الاحتفال بمثل هذه المناسبات الكبرى ومنها مولد نبي الهدى، علينا بالتفكير في طريقة العودة إلى المنبع الذي نسيناه، ورحنا نطلب شربة الماء، من منبع آخر، بدليل أن المجتمع صار أشبه بشارب العلقم أو شارب الخمرة، إما على مشارف الهلاك أو سكران في شبه حانة، لا يدري ما يقوم به، اتجاه أقرب الناس إليه من إبن وشقيق ووالد، فما بالك اتجاه بقية الناس الذي يشكلون قوام الأسرة والمجتمع والأمة قاطبة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/11/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد الناصر
المصدر : www.horizons-dz.com