ماذا نسمي يا ترى أولئك القوم من النخب المثقفة وهم كُثر، ممن يستغفرون ربّهم صباح مساء ويؤمنون بالدار الآخرة والفردوس، لكنهم غير مقتنعين بتاتا بوجود رجل في التاريخ، وهو النبي الكريم «محمد» صلوات الله عليه وسلامه؟!، يؤمنون بعيسى وموسى وداوود وسليمان او غيرهم من الأنبياء، لكن ما إن يذكر على مسامعهم اسم «محمد»، حتى تستشيط خواطرهم وأفئدتهم!، ما الذي فعله لهم هذا الرجل الأمي الصادق الأمين؟!هؤلاء الملحدون أو اللائكيون يحكمون على الإسلام من خلال السُنّة في المقام الأول، ثم يعرّجون على النص الديني، وما أدركوا للأسف الشديد أن ما جاء فيها، أي المساند والكتب الصفراء، مناقض ومخالف لكثير من أحكام النصوص القرآنية.
ولا نود هنا أن نعطي عيّنات حيّة، لأن مساحة المقال لا تتسّع، ولكن حسب متابعتنا لكثير من تصريحات هؤلاء النخب، التمسنا أن مشكلتهم الجوهرية ليست بتاتا مع النبي «محمد»، وإنما مع الإسلام كظاهرة تاريخية جاءت لتحدّ من كثير من متاع الدنيا والفواحش والمناكر.
مشكلتهم الكبرى مع الإسلام، كأحكام قطعية ومقاصد وصون للنفس البشرية والأهواء والطيش، وهذا ما لا يستسيغونه، لأنها تكبيل لحرياتهم المطلقة ولمتعة أنفسهم، فيكرهون الإسلام ومن جاء به، لأن الديانات الأخرى، حتى لا نقول تحرم أو تبيح، تتغاضى عما يتعلق بالشهوات وبعض الأصول والأنجاس، كلحم الخنزير والخمور، لذلك فهم يفضلون أن يُنعتوا ب«اللادينيين» نكاية في آخر الأديان الذي وضع لهم إشارات «قف» في كل مكان.
ولو حاولنا دراسة نفسيات هؤلاء، فتجدها مليئة بالتناقضات والانفصامات، فمن جهة لا يؤمنون بوجود إله في الكون، بينما تراهم يمارسون طقوس وشعائر أصولها وفروعها من تلك الديانة، ولو سألتهم من أين جاءت هذه الديانة وكيف تأسست، لأوقعوا أنفسهم في حرج من حيث لا يدرون! وهناك صنف آخر يؤمنون بتعدد الآلهة السماوية، ولسنا ندري أيّ صفة تُطلق عليهم.
ومرات حين تجادلهم، يقولون لك إنه جاء في قرآنكم كذا وكذا، وهذا يعني بأنهم يستدلون بالقرآن ويتخذونه مرجعا حتى لا نقول سلاحا، لكنهم لا يؤمنون لا بالله ولا بمحمد عليه الصلاة والسلام، أليس هذا قمة التناقض؟، فمن أين جاء هذا القرآن ولمن؟، أجاء من المريخ أم من المشتري حين يعترفون بوجوده؟
إذا ما شاهدناه من أحداث جرت في الغرب أو أمريكا، وكانت ضدّ رسولنا الأعظم «صلى الله عليه وسلم»، هي في الأصل لم تكن ضد «محمد» كشخص، وإنما ضدّ الأمة الإسلامية والإسلام نفسه، الذي زاحمهم في عقر ديارهم، لأن شعوب العالم تزداد يوما بعد يوم يقينا واقتناعا به، فهم يكرهون الإسلام ولا يريدون أن يكون له أثر على المعمورة أو سيطرة أو تغلغلا.
أما معشر الملحدين عندنا،سواء في البلدان العربية أو في الجزائر، فنفس الطرح ينطبق عليهم، لأنهم سمعوا أو قرأوا عن الإسلام بأقلام مدسوسة أرادت التقليل من شأنه، وهذا عبر حقب من التاريخ، كالشيعة والمجوس والبوذيين، – ولننظر إلى أحداث «الروهينڤا» كنموذج-، لقد قرأوا كيف أنه انتشر بقوة السيف واستعبد الأهالي وأرغمهم على التديّن، وقرأوا كذلك تلك الأقاويل المنسوبة إلى النبي الكريم مع أنها كاذبة، لأنها لا تتفق مع القرآن الكريم.
وإن حدث وأن صدّقنا بهذا الحديث وذاك، فيجب أن نضع في عين الاعتبار بأنها قيلت في سياق تاريخي ما، ولا يمكن تطبيقها في كل زمان ومكان، فحتى القرآن الكريم فيه من الآيات التي نزلت من أجل هذه الواقعة أو تلك، وهو ما يسمى ب«أسباب النزول»، لكن معشر الفقهاء قالوا إنها لا تصلح لكل زمان ومكان، كقطع اليد والرّق والمؤلّفة قلوبهم وحدّ الرجم وملك اليمين وعدم زواج زوجات النبي من بعد موته.
فإن كانت حتى بعض الآيات صالحة لزمن تاريخي سابق، فما بالك بالأحاديث!؟، إذا، فالمسلم المعاصر لا يمكن أن يطبّق هذه المسائل وإنما كانت صالحة في عصرها، لذلك الفقه الإسلامي – كما يقال – يتجدد ولا يجمد أو يتبدد، وقد وجب الأخذ بالمفاهيم وليس بالتطبيقات.
نقول إلى الملحدين.. لو لم يجد العلماء مؤخرا وفي منطقة جزر «هاواي» براكين ونارا حيّة تتدفق وهي أجمل مناظر غروب الشمس في العالم، لما صدقنا نحن كذلك بالرسالة المحمدية، وقد جاء في القرآن الكريم «حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما»، وكان يقصد بها «ذي القرنين» الذي طاف بالعالم من مشرقه إلى مغربه.
فكيف لنبي أميّ يعيش في شبه الجزيرة العربية، حيث الرمال فقط والجِمال أن يعلم بهذا، وهو الذي لم يركب البحر أصلا لو لم يخبره الوحي بذلك؟!، وكيف عرف كذلك ظاهرة «البرزخ»، حيث الماء المالح يمتزج بالحلو، والذي عثر عليه مؤخرا في منطقتين هما كندا وألاسكا؟، وقد حدّث القرآن بها «مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان»، كيف علم محمد بهذا وهو ماكث في غار «حراء» يتعبّد؟!
ونختم بهذه المعجزة والتي تتحدث عن العثور عن جبال في منطقة «دانكسيا» بالصين ذات ألوان مزركشة مؤخرا، وحينما نعود إلى القرآن، نجد أن الله عزّ وجل ذكرها لنا في سورة «فاطر»: {ومن الجبال جددُ بيضُ حمر مختلف ألوانها وغرابيب سودُ}، .. فهي كثيرة الأمثلة الحيّة في الإعجاز العلمي التي تؤكد أن «محمد» صلوات الله عليه، لم يكن يكتب الآيات من محض خياله، أو كان ساحرا كما يدعّون، بل الحقيقة الدامغة أنه كان يوحى إليه من ربّ العزّة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/12/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : النهار الجديد
المصدر : www.ennaharonline.com