الجزائر

يا بوناطيرو ابتعد عن اليقينيات في الشريعة



الشيخ بن التواتي يرد على الفلكي المثير للجدل:
يا بوناطيرو.. ابتعد عن اليقينيات في الشريعة
لو أخطأ الرسول الكريم في المواقيت لأنبأه الله بذلك..
س. إ
أثار الخبير في علم الفلك لوط بوناطيرو ضجة كبرى على مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات أشعلت غضبا مصحوبا بتطاول وانتقادات من كثيرين.. وفي منتدى نظمته جريدة الحوار استشهد لوط بوناطيرو بخطبة حجة الوداع حينما قال الرسول محمد للمسلمين إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وأن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض .
ولطالما أثار الخبير الفلكي نفسه حفيظة بعض الأئمة وحتى رجال الدين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحاته حتى خرج وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى عن صمته عبر مقال نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عنونه ب أشعوذة ودجلا في عصر العلوم والمعارف؟ وهو ما قرأه البعض على أنه اتهام صريح لبوناطيرو ب ممارسة الشعوذة .
وفي إطار السجال الذي أثاره بوناطيرو تتشرف أخبار اليوم بنشر مساهمة متميزة وصلتها من الشيخ الدكتور التواتي بن التواتي الأغواطي بعنوان رد على افتراء دعا فيها الشيخ بن التواتي بوناطيرو إلى الابتعاد عن المسائل اليقينية في الشريعة.. هذا نصها الكامل:
من النابغين في علم الفلك في بلادنا الأستاذ الفاضل بوناطيرو-حفظه الله تعالى- فهو رجل من المتخصصين في هذا الميدان وكان يرشدنا بمنازل الأهلية ولا أحد يحترم نفسه أن يتدخل في تخصصه إلاّ من كان نظيرا أو عالما مثل علمه وإن العالم يبقى عالما في حدود علمه من لم يخرج عن نطاق علمه وتخصصه فهنا يصبح يخبط خبط عشواء.
التاريخ يتحدث..
وذكر الباحثون أن العرب كانت في الجاهلية وهم أصحاب حروب يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية بدون إغارة وهي أشهر الحج: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم فكانوا يُحلُّون المحرم ويؤخرون تحريم القتال إلى صفر ويجعلونه بدله من الأشهر الحرم وهكذا كانوا يفعلون كل عام بتأخير شهر عن موعده وكان يقوم بذلك واحد منهم لا يرد له قضاء اسمه القَلَمَّس .
لما جاء الإسلام رجع شهر المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان ثم قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس ذا الحجة قلنا: بلى….الحديث.
وكانت العرب تحرم الشهور الأربعة-كما ذكرنا- وكان هذا مما تمسكت به من ملة إبراهيم عليه السلام فربما احتاجوا إلى تحليل المحرم للحرب تكون بينهم فيكرهون أن يستحلوه ويكرهون تأخير حربهم فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم.
وهنا يجب أن نبيّن على ضوء شروح العلماء الذين بهم يقتدى معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض إنما قال هذا لأجل النسيء الذي كانت العرب تفعله وفيه نزل قوله تعالى: (إنما النسيء زيادة في الكفر)...الآية.
قال الماوردي في الحاوي: قيل: في مراده بهذا القول تأويلان:
التأويل الأول: أنه أراد حصول الحج في ذي الحجة لأنهم ربما كانوا قدموه إلى ذي القعدة وربما أخروه إلى المحرم.
التأويل الثاني: أنه أراد تحريم القتال في الأشهر الحرم عاد تحريمه إلى ما كان عليه بعد أن كان مباحا فإن قيل: إنما أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج إلى سنة عشر لاشتغاله بالحرب وخوفه على المسلمين من المشركين قيل: ما نقل إلينا من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدفع هذا التأويل وذاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحصر عام الحديبية في سنة ست فأحل ثم صالح أهل مكة على أن يقضي العمرة سنة سبع ويقيم بمكة ثلاثا فقضاها سنة تسع ولهذا سميت عمرة القضية ثم فتح مكة سنة ثمان فصارت دار الإسلام وأمر عتاب بن أسيد فحج فيها بالناس: ثم بعث أبا بكر سنة تسع فحج بالناس وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مشغول بحرب ولا خائف من عدو ثم أنفذ علي بن أبي طالب بعد نفوذ أبي بكر يأمره بقراءة سورة الجزء الرابع ( براءة ) فإن كان معذورا فلم أنفذه ؟ وإن كان غير معذور فلم أخره؟ ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممنوعا من الحج لكان ممنوعا من العمرة سنة سبع... انتهى كلام الماوردي.
الزمان قد استدار
ومعنى الحديث-والله أعلم- دار على الترتيب الذي اختاره الله تعالى ووضعه يوم خلق السماوات والأرض وهو أن يكون كل عام اثني عشر شهرا وكل شهر ما بين تسعة وعشرين إلى ثلاثين يوما وكانت العرب في جاهليتهم غيروا ذلك فجعلوا عاما اثني عشر شهرا وعاما ثلاثة عشر فإنهم كانوا ينسئون الحج في كل عامين من شهر إلى شهر آخر بعده ويجعلون الشهر الذي أنسئوه ملغى فتصير تلك السنة ثلاثة عشر وتتبدل أشهرها فيحلون الأشهر الحرم ويحرمون غيرها فأبطل الله تعالى ذلك وقرره على مداره الأصلي.
فالسنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هي السنة التي وصل ذو الحجة إلى موضعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الزمان قد استدار يعني أمر الله تعالى أن يكون ذو الحجة في هذا الوقت فاحفظوه واجعلوا الحج في هذا الوقت ولا تبدلوا شهرا بشهر كعادة أهل الجاهلية.
أما قوله تعالى: (النسيء) إن النسيء هو التأخير ومنه قيل: بعت الشيء بنسيئة. فكانوا يحرمون صفر يريدون به المحرم ويقولون: هو أحد الصفرين. قال أبو عبيد: وقد تأول بعض الناس في قوله صلى الله عليه وسلم : ولا صفر على هذا ثم يحتاجون أيضا إلى تأخير صفر إلى الشهر الذي بعده كحاجتهم إلى تأخير المحرم فيؤخرون تحريمه إلى ربيع ثم يمكثون بذلك ما شاء الله ثم يحتاجون إلى مثله ثم كذلك فكذلك يتدافع شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وصفه الله به وذلك بعد دهر طويل.
وإذا قلنا: أن للناس الحرية في تنظيم أمورهم وتوقيتها فإنها حرية مقيدة بما حدده الله سبحانه فللصلوات وللصيام وللحج وغير ذلك أوقات محددة اختارها بعلمه وحكمته لتدور مع الظروف ولينسجم المسلمون مع سنن الله الكونية وليظهر إيمانهم المطلق بشريعة الله مهما كان فيها من امتحانات.
قال ابن تيمية-رحمه الله تعالى-: حفظا لهذا الدين عن إدخال المفسدين فإن هذا مما يخاف تغييره فإنه قد كانت العرب في جاهليتها قد غيرت ملة إبراهيم بالنسيء الذي ابتدعته فزادت به في السنة شهرا جعلتها كبيسا لأغراض لهم وغيروا به ميقات الحج والأشهر الحرم حتى كانوا يحجون تارة في المحرم وتارة في صفر. حتى يعود الحج إلى ذي الحجة حتى بعث الله المقيم لملة إبراهيم فوافى حجه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وقد استدار الزمان كما كان ووقعت حجته في ذي الحجة فقال في خطبته المشهورة في الصحيحين: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وكان قبل ذلك الحج لا يقع في ذي الحجة حتى حجة أبي بكر سنة تسع كان في ذي القعدة. وهذا من أسباب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج. (انظر مجموع فتاوى ابن تيمية).
توضيح: لا محالة إذا كان هكذا أن حج أبي بكر رضي الله عنه كان في غير وقت الحج فلم يكن ما فعله أبو بكر ومن حج معه في تلك السنة حجة الإسلام وهذا يدل على أن فرض الحج لم يكن تقدم وجوبه قبل تلك السنة التي حج النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
هذا ما ندعو بوناطيرو إليه..
وقال أحد العلماء الكبار محتجا لعذر النبي صلى الله عليه وسلم في تأخره عن الحج في السنة التي بعث فيها أبا بكر: أن المشركين قد كانوا يحجون البيت وكانت تلبيتهم شركا وكفرا وكان منهم من يطوف بالبيت عريانا الرجال والنساء فصان الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن مشاهدة ذلك فأمره بتأخير الحج إلى السنة الأخرى لينبذ إلى المشركين عهودهم في تلك السنة وقال: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كغيره لأن من كشف عورته بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم استخفافا كان كافرا.
نكتفي بما ذكرنا وأقول لسيدي الفاضل بوناطيرو-حفظه الله-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه من الله لو كان يصوم في غير الشهر الذي فرضه لبيّن له الله تعالى ثم لترتب على ما ذكرتم أن كلّ أركان الإسلام كانت تؤدى في غير وقتها وهناك أمر آخر غاب عن أستاذنا الفاضل-حفظه الله تعالى-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفث برعاية الله وبأعين الله أليس الله قد خاطبه صلى الله عليه وسلم بقوله: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم) الطور/48.
وأخيرا أسأل الله تعالى الهداية داعيا أستاذنا الفاضل أن يواصل بحثه في مجال اختصاصه مبتعدا عن المسائل اليقينية في الشريعة وذلك لها اختصاص آخر. وإليكم منّي سيدي الفاضل بوناطيرو: تحية وسلام.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)