الجزائر

وكيف يمكن وصف طبيعة نظام بومدين؟



أقام بومدين نظاما شموليا يسيطر على كل شيء، فلا مكان للتعبير الحر أو القضاء المستقل أو تعددية حزبية أو فصل للسلطات، وسيطر على الحزب الواحد الذي تحول إلى مجرد بوق لسياسته، ومنع كل صوت معارض إما بالسجن أو النفي، كما منع قيام أي مجتمع مدني مستقل، فكل شرائح المجتمع انتظمت في منظمات جماهيرية تابعة للحزب الواحد الذي يتحكم فيه.
إن هذا النظام الذي وضعه بومدين تجذر وتصلب، وبرزت من داخله لوبيات تدافع عن مصالحها الخاصة والضيقة تحت غطاءات شتى كالوطنية والاشتراكية والعروبة والإسلام والثورة والوحدة الوطنية، وغيرها من الشعارات التي تستخدم كرأسمال رمزي للوصول إلى السلطة والريع، كما استخدمتها أيضا لقمع وإسكات أي صوت نابع من قلب أي وطني أراد الوقوف ضد هذه الانحرافات الخطيرة التي يمكن أن تهدد مستقبل دولة وأمة استشهد من أجلها الملايين.
وقد تغولت هذه اللوبيات إلى درجة أنه أصبح من الصعب جدا إدخال أي إصلاحات على آليات عمل النظام السياسي في الجزائر والقيام بعملية انتقال ديمقراطي بفعل عرقلة هذه اللوبيات لها وانتشارها في بعض دواليب الدولة، وترى في أي إصلاحات أنها تهديد لمصالحها الضيقة، ويبدو أن هؤلاء هم وراء عرقلة وإجهاض كل المحاولات والدعوات إلى إصلاحات جادة لآليات عمل النظام السياسي الجزائري منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى حد اليوم، ويبدو أن الكثير من هذه اللوبيات والدائرين في فلكها هي التي تحولت إلى قوة و''مافيا مالية - سياسية''، حسب تعبير بوضياف، ولم يصلوا إلى ذلك إلا بفعل استغلالهم المناصب تحت شعارات الاشتراكية في عهد بومدين وانعدام قوى مضادة آنذاك تحد من سطوتهم بسبب غياب الحريات الديمقراطية.
ويمكننا إطلاق صفة ''المستبد المستنير'' على الرئيس بومدين بسبب الكثير من إنجازاته، ومنها خاصة التعليم والتوزيع العادل للثـروة وسعيه لتحديث المجتمع دون أن يحقق الحداثة، لأن هناك فرقا شاسعا بين المفهومين، إلا أن تغييبه للحريات الديمقراطية أدى إلى فشل مشروعه، ويمكننا أن نقول في هذا الفشل نفس ما قاله محمد عبده عن أسباب فشل مشروع محمد علي في مصر في القرن 19 عندما حصرها في استبداد محمد علي، أي انعدام الحريات وفصل السلطات وغيرها من مبادئ الدولة الحديثة الديمقراطية.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)