تمتاز أيّام الحجّ المباركة بصور وعِظات، وعِبَر وآيات، وحصول منافع ودفع سيِّئات، ودوام ذِكرٍ وابتهالات.
قال الله تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.
إنّ المتدبِّر لحجَّة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي سردها الصّحابي الجليل سيّدنا جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه، وما فيها من العِبَر والعِظات والآيات، لاسيما أنّ بعض أهل العلم قد استنبط منها أكثـر من مائة فائدة.
والمتأمِّل لحجّته صلّى الله عليه وآله وسلّم ربّما يقف على مئات الفوائد، قال الإمام النووي رحمه اللَّه عن حديث جابر: ''وهو حديث عظيم، مشتمل على جمل من الفوائد ونفائس من مهمّات القواعد، وهو من أفراد مسلم، لم يروه البخاري في صحيحه، ورواه أبو داود كرواية مسلم، قال القاضي: وقد تكلّم النّاس على ما فيه من الفقه وأكثـروا، وصنّف فيه أبو بكر بن المُنْذِر جزءاً كبيراً، وخرَّج فيه من الفقه مائة ونيفاً وخمسين نوعاً، ولو تقصى لزيد على هذا القدر قريب منه''.
ومن هذه الفوائد أنّه تَجَلَّى في حجّه سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الاعتناء بأمر التّوحيد وإخلاص العمل لله، حيث سأل ربّه عزّ وجلّ أن يُجنِّبَه الرِّيَاء والسُّمْعة، قائلاً: ''اللّهمّ حجَّةً لا رِيَاء فيها ولا سُمْعَة'' رواه ابن ماجه. وكان عليه الصّلاة والسّلام في حجّته حاضر القلب، خاشع الجوارح، كثير التضرُّع والمُنَاجاة، حريصاً على السّكينة والوقار، يقول جابر رضي الله عنه: ''أفاض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه السّكينة''.
كما تجلَّى بوضوح تعلُّقَ نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم بالدار الآخرة، وزُهْده في عاجل الحياة الدنيا، فقد حَجَّ على رحل رَثٍّ، وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم، كما عند ابن ماجه، وقال وهو واقف بعرفة: ''لبيْك اللّهمّ لبيْك، إنّما الخير خير الآخرة'' رواه الحاكم والبيهقي. وقد حرَص النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في الحج على تعليم النّاس أمر دينهم، فبَيَّنَ لهم أحكام المناسك، وأركان الإسلام وقواعده، ونهاهم عن الشِّرك، وانتهاك الحُرمات العظيمة التي جاءت الشّرائع بالمحافظة عليها، من الدِّماء والأموال والأعراض، وذلك في مواطن عديدة من حجِّه.
ومن المظاهر الّتي تجلّت في حجّة الرسول الكريم تواضعه صلّى الله عليه وسلّم مع النّاس، وكذلك رحمته بالنّاس وشفقته عليهم، ومن ذلك جمعه لصلاتَيْ الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، حتّى لا يَشُقّ على النّاس، وإذنه للضُّعفاء في الإفاضة من مزدلفة قبل النّاس حين يغيب القمر، تخفيفاً عليهم ووقاية لهم من الزحام، ومن ذلك أيضاً رفعه الحرج عن النّاس في التّقديم والتّأخير في أعمال يوم النحر، إلى غير ذلك من مظاهر رحمته صلّى الله عليه وسلّم بأمّته.
ومن المظاهر جُوده وكرمه وإحسانه إلى النّاس، فقد قَرَّب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مائة بُدنة، وأمَرَ علياً رضي الله عنه أن يقسِّمَها كلّها، لحومها وجلودها وجلالها، على المساكين. كما تجلّى في الحجّ تعظيم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لشعائر الله، وصبْرِه على النّاس على اختلاف طبقاتِهِم وبلدانهم ولغاتهم، إلى غير ذلك من المظاهر الكثـيرة الّتي لا يتّسع المجال لذكرها.
هذه بعض المظاهر المضيئة والجوانب المشرقة في حجِّه صلّى الله عليه وسلّم. فحري بالمسلم أن يعتني بحجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويتدبَّر ما فيها، حتّى يكون حَجُّه مطابقاً لحجِّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/10/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: عبد الحكيم قماز
المصدر : www.elkhabar.com