الجزائر

وعدة ركب سيدي الشيخ أصل الحكاية



وعدة ركب سيدي الشيخ أصل الحكاية
تقديم :
لإيلاف المريدين والأتباع , إيلافهم هذا التقليد السنوي , استحال إلى عرف لديهم ولدى سكان المدن المتاخمة وحتى النائية عنهم , لكن الأقوال تضاربت وكذا الآراء ذهبت كل مذهب بسبب انعدام مراجع مكتوبة , والأمر الذي استلزم الركون إلى معطيات هي لدى كل فريق أصل الحكاية , التي ظلت متواترة بعضها آخذ برقاب بعض وحقيقتها كامنة في كونها ذات منطلق صوفي محض , تعريجنا على بعض الآراء المتداولة في هذه المساهمة المتواضعة , يعتبر ضربا من محاولات البحث في عمق التراث , تراث هذه المنطقة العريقة , والتي شاءت العناية الإلهية أن تكون مثوى للولي الصالح / سيدي الشيخ .. فمن يكون هذا الأب الروحي ؟؟ وما زبدة تلك الآراء السائدة حول أصل هذا الحدث الموسمي , الراسخ في ذاكرة الجماعية ؟؟



إنه مؤسس الطريقة الشيخية , سيدي عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة , الملقب بـ ) سيدي الشيخ ) , ينحدر من نسل الصحابي الجليل عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما , ولد ____ رحمه الله ___ بنواحي أربوات , وقيل بضواحي الشلالة , موطن أبيه الواقعة بولاة البيض , سنة 940 هـ , ولم يوقف جهاده في سبيل الله والوطن على قلمه ولسانه , بل تعداهما إلى الجهاد الفعلي الميداني بسيفه في فترة احتلال الجيوش الأسبانية لشواطئ ومدن المغرب العربي , بما فيها الجزائر . ,,, المراجع المتوفرة ترجح أنه استشهد سنة : 1025 هـ , متأثرا بجروح أصيب بها , لما تلاقى وتلاحم الجمعان , العثماني والأسباني المحتل وقتذاك لوهران ,, هذا الموقف الباسل مع العثمانيين , ومواقف أخرى جليلة __ دينية وتاريخية __ دلت على أن الرجل كان صوفيا بالمدلول الايجابي لهذه الصفة وقد عمر 85 حولا .. حدثت الوفاة __ حسب القول المتواتر __ شرق قرية ( أستيتن ) الواقعة بإقليم ولاية البيض , ودفن بالأبيض المنسوب إليه , بناء على وصيته لصهره .. لقد أخذ هذا الشيخ الصوفي العمل عن المربي الشهير / سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي الشاذلي , اشتغل بالتربية والتدريس بعد وفاة شيخه , ثم أسس زاويته بـ ( فيقيق ) بالمغرب الأقصى , وكان كثير الترحال بزاويته المقصودة من قبل المريدين أينما اتجهت .
والجدير بالذكر أنه ليس في عداد الشعراء ولا ينبغي له ذلك , إلا أن قصيدته الموسومة
بـ ( الياقوت ) , ذات 178 بيتا من القريض الصوفي , جاءت ردا على خصمه المغربي ابن محلى , الذي رمى شخصه وتجاوز حد اللياقة بانتهاك لحرمته ,, إنها قصيدة جديرة بالدراسة , وفيها يقول :
وسميتها الياقوت رفعا لقدر ما ***** تسلسل فيها من شيوخ عديدة - الناظم رحمه الله – لقد خلف - رحمه الله - 18 ولدا ,, وظل ذكره طيبا في الأفواه والقراطيس وضريحه مزارا لمقداري أمثاله من ذوي العلم والورع .. والتقوى .



الرأي الأول : الوعدة من أصل الوعد :
إن المرحوم , سيدي عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة ( 940 هـ - 1025 هـ ) الذي يطلق عليه لقب ( سيدي الشيخ ) هو في حقيقته , عالم من علماء الصوفية وشخصية مجاهدة , كان خلال حياته مرجعا للراغبين في الاستزادة من ذات العلوم الدينية , لذا كان يؤمه الناس من كل ناحية , يطلبون حاجتهم من ذات العلوم , مخصصين لذلك وقتا معلوم , سمي في الأصل لا( الوعد ) يأتونه محملين بالهدايا , وأصناف الأطعمة والأنعام ( أغنام , ماعز ...) ليزودوا أبناءهم بالمعرفة النافعة .
هذه العادة تحولت إلى عرف فيما بعد , إلى أن صار الجمع من الناس يلتقون هنا بمكان دفنه بالأبيض سيدي الشيخ , المسمى باسمه , لكن بعد انتقاله إلى رحمة الله , استحالت المناسبة إلى ما يضاهي ( الحج ) إلى هذا الوالي الصالح حيث يأتي الناس رجال ونساء للتبرك به , ولازالت المناسبة السعيدة ( الزواج مثلا ) مرتبطة به , إذ الهودج أو السيارات المقلة للعروس , لا تتجه رأسا إلى بيت الزوجية , إلا بعد القيام بعدة دورات حول الضريح .
لقد اكتسب هذا الوالي (تبجيلا خاصا ) , وقصيدته الشعرية ( الياقوت ) , لازالت في متناول الأفواه والقراطيس , متواترة لدى العديد من مريديه , أما المناسبة السنوية , فتحول اسمها من ( الوعدة ) إلى تسمية ( ركب سيدي الشيخ ) , وقد تعودها الناس حسب بعض الآراء , بمجرد وفاة هذا الشيخ الصوفي سنة 1025 هـ , علما أن المناسبة , كانت في البدء فرصة للتعارف بين الناس وفض النزاعات والسعي إلى الصلح , خاصة ما بين ( العروش ) لكن مع مرور السنين وتطور العقليات , أصبحت مناسبة تجارية عموما , بل داخلها في بعض السنوات حتى لعب المنافسات الكروية , السهرات الفنية , الاستمتاع بقصائد الشعر الملحون , في حين , لوحظت مظاهر حسنة كاستغلالها في معارض الكتب وقراءة القرآن الكريم من طرف تلامذة فقيه منطقة أدرار الفقيد ( الشيخ بلكبير ) _ رحمه الله _ الموفدين من أدرار لأجل هذا الغرض
يجد تلامذة المغفور له , الشيخ بلكبير كل الترحيب وعوامل الراحة , المعدة من قبل القائمين
على ( الزوايا ) في مقدمتهم زاوية سيدي الشيخ المركزية , التي يرأسها أحفاد الولي الصالح ثم زاوية سيدي الحاج بحوص , فعائلات ( لغرابة ) و ( البوابة ) وهم جميعهم يسمون لدى العامة : خدام الزاوية , الذين تظل منازلهم مفتوحة طيلة أيام الوعدة , وعلى مدار السنة أيضا , أرباب هذه العائلات , يقومون بجمع الماشية وما إليها ( لقفر ) أي النذر , من محبي سيدي الشيخ محليا وفي الصحاري , ومن لدن أتباع الولي عبر الوطن وبذلك هم مجبرين على ذبحها ( أيام الركب ) لذلك نراهم يجلبونها عند اقتراب المناسبة ومعها أمتعة أخرى ومواد غذائية كالسمن ( الدهان ) الطبيعي المستخلص من زبدة حليب الماشية بالإضافة إلى التمر ومادة ( لكليلة ) أيضا لإطعام ضيوف سيدي الشيخ , دون استثناء أو محاباة كما جرت عليه العادة .
الرأي الثاني : حكاية الرجل المريض :
هي مناسبة قديمة , أي منذ كان ( سيدي الشيخ ) على قيد الحياة , حيث كان الناس يأتونه مثقلين بالهبات ( تمر – دهان – ماشية ...) , وما يسمى ( لفقر ) لأنه كان عالما يقصده الناس للتبرك به وبعلمه الصوفي ( وقيل كان العازمون منهم على الذهاب لأداء الحج على الإبل يتركون لديه أبناءهم وديعة ليعلمهم حتى يعودوا لأخذهم وبعد انتقاله إلى جوار ربه الأعلى , ازداد تمسك الناس بالمكان الذي أمر صهره بدفنه في ثراه ( الضريح الموجود الآن بالأبيض سيدي الشيخ المسمى باسمه , لقد ألف الناس المجيء إليه للزيارة والتبرك , ويقال أن الذي ابتدع هذه الوعدة هو رجل من بلدية ( أستيتن ) المجاروة لمدينة البيض ( بعيدة عنها بـ : 30 كلم ) , حيث كان مريضا بمرض استعصى علاجه فلجأ إلى سيدي الشيخ في حياته قائلا له : إنني أتعهد أمامك لو دعوت لي بارئي ومصوري كي يشفيني , وشفيت ,لأجعلن ( معروفا ) سنويا لك , وبالفعل شفي الرجل بإذن الله , وأضحى ركب سيدي الشيخ , لا طعم له إلا إذا جاءه مواطنو ( أستيتن ) _ ركب أستيتن _ المحمل بالأمتعة على ظهور الأنعام , فيضرب الخيم حول محيط الضريح ( الجهة الغربية منه ) , ويظل على امتداد خمسة (05 ) أيام مستمرا في الدعوات للولي الصالح , حتى أن الرجل من ( أستيتن ) لشدة تمسكه بالوعد المذكور أصبح حين يرغب شخص في مصاهرته , يشترط عليه أن يسمح لابنته بالذهاب إلى سيدي الشيخ للزيارة والتوسل , ومن ميزات هذه المناسبة ما يلي :
أولا : قراءة القرآن الكريم من طرف تلامذة زاوية الشيخ بلكبير ( أدرار ) , رحمه الله .
ثانيا : أداء قصيدة الياقوت لصاحبها سيدي الشيخ داخل الضريح ( 178 بيتا من القريض الصوفي ) .
ثالثا: الاستمتاع بلعبة الفروسية ( العلفة ) _ في بطحاء ديار ( لالة ربيعة ) والأهازيج الشعبية والأغاني الفلكلورية , باستخدام الآلة الموسيقية المسماة المزمار ( أي الغايطة ., كما يحلو للبعض تسميتها ) والطبول , والألعاب السحرية .
رابعا : التحلق حول ( القوالين )
خامسا : تنظيم معارض للتعريف بتراث المنطقة ( ثــورة أولاد سيدي الشيخ وأول نوفمبر 54 ) .

فضلا عن تدخل الدولة كظاهرة جديدة في تنظيم بعض المظاهر الاحتفالية كالافتتاح الرسمي من طرف السلطات ( فرضتها أهمية الحدث وكثافة التجمع ) وتنظيم محاضرات أو ندوات , ومباريات رياضية , زيادة عن كونها فرصة سانحة للتجار القادمين من كل فج , وإذا كان لابد من ملاحظة في هذا الصدد , نؤكد أن هذه الوعدة توقفت خلال الحقبة الاستدمارية , لأن الفرنسيين كانوا لا تفلت من أياديهم ودهائهم الخبيث , فرصة تمكن المواطنين من التجمع , حتى في مثل هذه الأمور غير السياسية , لكن تم استئنافها بعد الاستقلال , ولازالت إلى حد الساعة تنظم سنويا , علما بأن ظروف العشرية السوداء , لم تكن تسمح بتنظيمها كالمألوف فاكتفى المواطنون القانطون بعيدا عن الأبيض سيدي الشيخ بالإقبال في شكل جماعات صغيرة وحدانا في نفس الموعد , للزيارة فقط , لكون السلطات المؤهلة أصبحت هي المحددة لموعدها ( اعتاد الأهالي ميقاتها في الفترة ما بين شهر ماي وجويلية من كل سنة ) , حسب الحال , وتدوم خمسة أيام كاملة ( من الخميس إلى الاثنين ليلا , كانت تنتهي بتجمع ليلة الاثنين , يسمى عرفيا : العادة ينظم بزاوية الحاج بحوص أحد أبناء سيدي عبد القادر بن محمد ( سيدي الشيخ ) وقد كان لا يسمح للزائرين بالرجوع إلى أهاليهم ( قبل انتهاء التجمع ) , إلا بترخيص من أحد مقدمي الزاوية , ولقد كان الناس أيامها يخشون الذهاب من تلقاء أنفسهم مخافة أن يصيبهم مكروه أثناء العودة , وقد لوحظ بعين المشاهدة ( بعد انتهــــــــاء
الوعدة ) , مجيء زوبعة رملية معتادة .
الرأي الثالث : منطلقها صوفي بحت :
يوم وفاة سيدي عبد القادر بن محمد _ سيدي الشيخ _ متأثرا بجراحه عقب موقعة مع الاسبان بنواحي وهران ( الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول سنة 1025 هـ ) , توفي في موقع شرق بلدية أستيتن , بأرض قبيلة أنكاكعة وقيل بين بلديتي الكراكدة وأربوات حسب تحديد ( العياشي ) عن عمر يناهز خمسا وثمانين 85 سنة جاء لتشييع جنازته 350 تلميذا من تلامذته .
قام بتغسيله ( رحمه الله ) , أخوه الشيخ سيدي أحمد بن موسى , وبعد عملية الدفن ( في اليوم الرابع من الشهر ربيع الأول من نفس السنة ) , قرأ التلاميذ 60 حزبا التي نزل بها الروح الأمين على سيد الخلق ( ص) في ليلة واحدة ( أي حتموا القرآن كله : السلكة ) , ومنذ ذلك الزمن , اعتاد ركب أستيتن لإحياء ذكراه , أن يبيت ليلة الخميس حول مقام سيدي سليمان بن أبي سماحة الموجود عبر الطريق المؤدي إلى بلدية أربوات ( المقام : بعيد عن الأبيض سيدي الشيخ بحوالي 12 كلم ) , ثم يواصل سيره يوم الخميس ( مشيا على الأقدام , حفاة ) في اتجاه الأبيض سيدي الشيخ ظل الحال بالسوء , فحدث أن انحرفت عن طريقتها المعلومة لدى الآباء والأجداد والتي كانت متمثلة في :
- قراءة القرآن العظيم ( ختمة في ليلة واحدة __ ترديد قصيدة الياقوت لصاحبها : سيدي عبد القادر بن محمد سيدي الشيخ ) .
- تنظيم ما يسمى بـ ( الحضرة ) في الصباح وعبد المغرب
- العمل على مساعدة الفقراء والمعوزين .
- تعويد الناس على المصالحة والتراحم , بزرع المحبة والتآخي فيما بينهم .
وجدير بالتذكير , أنه منذ سنوات السبعينات , تقرر إعادة الاعتبار إلى هذه الوعدة , والمحاولات لا زالت صادقة وقائمة للمحافظة على أصالتها , غداة وفاة الأب الروحي للمنطقة ( سيدي الشيخ ) , الذي هو ( من نسل الصحابي الجليل , الابن الأكبر لشيخ الصحابة : عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق التيمي , القرشي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

ظاهرة المزمار ومظاهر الترفيه جميعها , الملحوظة يومئذ , تعتبر دخيلة ليس على وعدة سيدي الشيخ فحسب , بل ينطبق الأمر على وعدات المنطقة عامة , باعتبار أن المنطلق الأصلي , منطلق صوفي , بعيد عن المغالاة غير المحبذة في الطرائق الصوفية .


كتاب الياقوت لعبد الله طواهرية _ كتاب : الياقوتة / لبودواية بلحيا _ كتيب : أولاد سيدي الشيخ ومقاومتهم ضد الاحتلال ( منشورات المتحف الوطني للمجاهد ) ,, كتيب : وقال نسوة في المدينة للشيخ قدور بن علية .




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)