الجزائر

وظائف لا نفكر فيها... تدرّ الكثير



وظائف لا نفكر فيها... تدرّ الكثير
لم يُخطئ من قال إن حضارة الشعوب تقرأونها من أحلام اطفالها، فأحلام هؤلاء تُنسج في منازلهم وفي مجتمعهم، على الطريق وفي المدرسة والشارع. وما تكشفه طموحاتهم، تعكس واقع ما يعيشونه، وعلام تتركز تربيتهم... فبماذا يختلف أبناء مستقبلنا عن غيرهم في العالم؟


من يتذكر البرنامج الفرنسي l'école des fans الذي قدمّه لسنوات طوال جاك مارتين، حيث كان يستضيف أطفالا ضمن مسابقة طريفة، وكان كلّ طفل يعبّر عن أحلامه المستقبلية، وكانوا بمعظمهم يقولون إنهم يريدون ان يصبحوا رجال شرطة، او رجال إطفاء، وفي كثير من الأحيان كانوا يختارون أن يكونوا رياضيين. اما الفتيات، فكنّ يخترن التعليم وتصميم الازياء والمجوهرات. ومن هنا، نلاحظ انه في دول الغرب، تتركز أحلام الاطفال على مهن هي في الواقع في خدمة المجتمع، وسط تنوّع في الوظائف.


أما عندنا، فالواقع مغاير تماما، فإبن المحامي محامٍ، وإبن المهندس مهندس، فيما البقية أطباء. فإذا توجّهت إلى أطفالنا بالسؤال نفسه: "ماذا تريدون ان تصبحوا حينما تكبرون؟" سيأتي الجواب محصورا بالإجابات الثلاث السابق ذكرها، مع استثناءات بعض الفتيات اللواتي سيخترن الصحافة وتقديم البرامج. وكلّ ما تقدّم، تساهم بعض الجامعات في جعله حقيقة، مع خفضها لمعايير قبول الطلاب. ومن هنا، باتت الوفرة في عدد محدد من المهن، يجعل من الكثيرين عاطلين عن العمل، فيلجأون الى الخارج بحثا عن فرص أهمّ.


من جهة أخرى، نلاحظ ان المهن التي لا يتمّ "التسويق لها" مثل "الحداد"، و"النجّار"، و"معلّم الالومنيوم"، إنما هي اكثر ما بات يدرّ مالا على اصحابها في الجزائر، رغم اننا لا نسمع أحدا يشجع ابنه على امتهانها. فـ"الحداد" قد تصل ساعة عمله إلى حدود الـ20.000 دج، وهو مبلغ يقضي كثيرون أياما حتى يجنوه. خزانة صغيرة لغرفة نومك، ستستلزم من النجار العمل ليوم او يومين، وهي ستكلّفك اكثر من 50.000دج... هذه امثلة بسيطة عن مهن نعتبرها أدنى شأنا، فيما هي تحقق أرباحا لا تخطر في بالنا.
إلى ذلك، دائما ما يكون البطل في مسلسلاتنا ثريا ذو مهنة محترمة، بمعنى اوضح دائما ما يكون "محاميا او مهندسا أو طبيبا" وفي أسوأ الاحوال يكون رجل أعمال ورث ثروته عن والده، الامر الذي يلعب دورا اساسا في ترسيخ هذا المفهوم في أدمغتنا، كما في ادمغة ابنائنا.


وفي نظرة إلى الافلام أو المسلسلات الاجنبية، نجد أن الابطال هم دائما اناس طبيعيون، موظفون، عُمال، كتّاب، موسيقيون، الامر الذي يعكس اتهمامات هذه الشعوب ورؤيتهم لمجتمعهم.
لم أقصد في هذه السطور أن اشجّع على مهنة دون أخرى، فالعلم يبقى الأهمّ. غير أن الوضع المعيشي في الجزائر والذي يتذمّر منه كثيرون، عن طريق الكلام او السفر بحثا عن فرص أفضل، يحتّم وقفة تأمل لتركيبة مجتمعنا، ولما ينسجونه في أحلامنا، علّنا ولو لمرّة واحدة نحاول إيجاد حلّ بدل "الثرثرة في الفراغ".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)