الجزائر

“وصمة العار” تحول فقدان المناعة إلى فقدان للحق في الحياة 14 ألف جزائري أصيبوا بالسيدا بسبب العلاقات الجنسية



“وصمة العار” تحول فقدان المناعة إلى فقدان للحق في الحياة               14 ألف جزائري أصيبوا بالسيدا بسبب العلاقات الجنسية
المصابون يستغيثون “ساندونا وكفانا أسئلة تديننا” الحديث عن مرض “السيدا” في الجزائر يجر وراءه العديد من الغموض وعلامات الاستفهام التي رسمها المجتمع عن أشخاص قررت العادات والتقاليد شطبهم من قوائم الحياة وسلبهم الجنسية الإنسانية، خاصة بعدما تجاوز عددهم 19 ألف حالة، 14 ألف منهم أصيبوا به جراء علاقات جنسية، في ظل عجز الدولة عن التكفل بهم ماديا ومعنويا. أكد جل المصابين بالسيدا، الذين تحدثنا إليهم، أن دول العالم اتفقت تحت لواء المنظمة العالمية للصحة أن تجعل من الفاتح من شهر ديسمبر يوما عالميا لفقدان المناعة المكتسبة، لتعرض فيه عدد المعذبين في الأرض، لكنها لم تتفق على يوم تجعل فيه من حاملي الفيروس أشخاصا عاديين، فهي لم تتمكّن من أن تغير نظرة المجتمع لهذه الفئة، التي وبالإضافة إلى صراعها مع هذا المرض الفتّاك وأعراضه العسيرة، تصارع المجتمع ونظراته المجحفة من أجل البقاء، فهو رغم الشعارات التي يرفعها العديد من ممثليه لم يتمكّن بعد من تقبّل هذه الفئة، وإعطائها الدعم المادي والمعنوي اللذان يمثلان العتاد الكفيل بقهر أصعب جانب من المأساة التي يعيشها حامل هذا الفيروس الخبيث. لن نقوم بجرد الحالات ووضعها في سجلات الأرشيف حتى تشهد على الكارثة، لن نتحدث عنهم كأرقام، ولا كإصابات، لن نصنّفهم حسب مراحل تطور المرض، بل حسب انتمائهم إلينا. لن نخوض في نقص الأدوية ولا في أسباب الانتشار، دعونا ولو لوهلة من الزمن نلقي عليهم نظرة بعيون قلوبنا، دعونا نضع الكمامات على جنب غير مبالين بالعدوى، لربما تمكّننا من مساعدتهم لو عرفنا حقيقة فيروس “الوحدة” الذي ينخر نفوسهم ويزيد إلى ألم أجسادهم ألما من نوع آخر. مرضى يستغيثون “تعبنا من الأسئلة التي تبحث عن إدانتنا” مهمة صعبة كانت تلك الزيارة الميدانية التي قامت بها “الفجر” إلى مستشفى الأمراض المعدية بالعاصمة “القطار”، حيث كان من الصعب العثور على حاملي فيروس السيدا، لأن كل الظروف كانت مواتية لعزلهم عن المجتمع في غرف مظلمة، ظلامها لم يسببه فقدان الإضاءة بل فقدان المناعة وفقدان الرغبة في التواصل مع المجتمع. ومن أجل التعرف على هؤلاء الأشخاص لا بد من إجراء سلسلة من التحريات، وتفعيل جملة من العلاقات الإنسانية التي مكّنتها أخيرا وبعد زيارتين من الاتصال ببعض المصابين ممن سمحوا لنا بإلقاء نظرة على التشوهات النفسية والجسدية التي خلّفها الهجوم المباغت لهذا الفيروس.  من خلال حديثنا إلى العديد من الحالات وعلى اختلاف تفاصيل آلامها إلا أنها اشتركت في سخطها على تعامل الأشخاص معها، خاصة ذلك السؤال عن سبب الإصابة أو انتقال العدوى والذي يحمل في طيّاته العديد من المعاني التي تتسبب في جرح مشاعر هؤلاء الأشخاص الذين ابتلاهم القدر وجعلهم يعيشون تحت رحمة أناس لا يهمهم سوى معرفة إن كانوا قد أقدموا على ممارسة علاقات غير شرعية نقلت لهم “فيروس العار” حتى يحكموا عليهم في محكمة المجتمع الظالمة، في حين أنهم يجهلون أنه لا أمية وسذاجة “عبد القادر” ولا براءة “ريان” ولا التزام “سهام” مكّنهم من اعتراض وباء العصر. استهتار طبيب يحكم على “عبد القادر” بالإعدام حالة مأساوية هي التي قابلناها في إحدى الغرف بالجناح الأول، شخص بدائي لدرجة أنه لم يفهم بعد سبب تواجده في المستشفى. هو شاب من ولاية الجلفة لا يعرف عن نفسه سوى أنه ولد في السنة التي توفي فيها الرئيس السابق هواري بومدين. كانت البراءة بادية على وجهه لترسم في وجهه جملة من علامات الاستفهام التي تجعل أقسى قلب يرأف لحالته. استغربنا وجود شخص مثله في هذا المكان لنعرف أنه كان ضحية طبيب غير مسؤول، لم يجد سبيلا لمعالجة “عبد القادر” سوى استعمال إبرة سامة اقتحمت جسده الضعيف على حين غرة. هذا ما رواه على مسامعنا شخص وجدناه برفقته في الغرفة، لأنه لم يعرف سوى أنه مريض إلى جانب ظهور تلك الدموع المحبوسة بين عينيه الخضراوتين البريئتن وابتسامة الحياء التي ارتسمت على محياه، فهو كان أميا وبالإضافة إلى كل هذا ترك هذا الإنسان مهجورا بين جدران هذا المكان المظلم، فعائلته لم تكلف نفسها عناء التنقل من الجلفة إلى العاصمة لتضمد جراح هذه الضحية. عندما يتحول حامي العائلة إلى جلادها  خلال تواجدنا بالمستشفى عرفنا من أحدهم أن هناك إصابات بهذا الفيروس في صفوف الأطفال الرضع، وهو ما أثار فضولنا وجعلنا ننطلق في رحلة بحث أخرى، لنعثر على الصغير “ريان” الذي لم يتجاوز السنتين من عمره، والذي لم تشفع له براءته عند هذا الفيروس الخبيث الذي أبى إلا أن يتوغل في جسده وهو لا يزال جنينا في بطن أمه. لا تستغربوا من الأمر، فرب هذه العائلة هو مصدر تعاستها بعدما أدمن العلاقات المحرمة، باحثا عن المتعة الدنيوية الزائلة والتي أزالت معها حياته وسلبت كل عائلته الحق في الحياة. بصعوبة كبيرة حدثتنا والدة “ريان” عن قصتها مع زوج مستهتر، فهي تزوجت منه منذ ثلاث سنوات لتحتمي به من غدر الزمان بعدما توفي والداها لتجده يدينها على ثقتها به، لم تعرف بمرضه ولا مرضها إلى غاية إنجابها لريان، الذي أثبتت التحاليل إصابته بالمرض، وأكثر ما يحزّ في نفسها هو عدم قدرتها على رؤية ولدها يكبر أمام أعينها، ومعايشتها لعذابه المتواصل منذ ولادته.  فقدان المناعة أفقد “سهام”  انتماءها للعائلة أما في جناح النساء فلم نتمكّن من الاقتراب من أية مريضة إلى غاية أن التقينا “سهام” في الأروقة، فتاة في مقتبل العمر لم يمض سوى شهر واحد على اكتشافها للمرض، وهي إلى حد الساعة لم تتوصل إلى معرفة السبب الرئيسي الذي جعلها تلتقط هذا الفيروس الخطير، فهي فتاة ملتزمة تعيش وسط عائلة محافظة، لم تستوعب إلى حد الساعة الإجحاف الذي طالها من طرف عائلتها التي أدانتها مباشرة بعدما عرفت أنها تحمل هذا الداء، وخوفا من الفضيحة التي ستشوه اسم العائلة إذا عرف الجيران، أفراد العائلة والعشيرة بأن واحدة من العائلة تحمل ما اصطلحوا على تسميته بفيروس “الرذيلة”.. حتى والدتها شككت في براءتها وامتطت جهل ورجعية التقاليد البالية، لتتخلى وبكل بساطة عن فلذة كبدها. للإشارة، فإن سهام اكتشفت إصابتها بعد تحليل روتيني من أجل أن تتمكّن من التبرع بالصفائح الدموية لامرأة من قريتها بتيزي وزو استنجدت بها. هي إذن عينة تمثل جزءا صغيرا من الحالات البائسة التي ترقد وراء الأبواب الموصدة لمستشفى الأمراض المعدية.  لن يكتمل الحديث عن هذه الفئة المهمشة دون الاتصال بالأطراف المجنّدة للوقوف على حالات هؤلاء المرضى ومساندتهم ماديا ومعنويا، يتعلق الأمر بالجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق مرضى السيدا. فيروز دباري رئيس جمعية تضامن إيدز لـ”الفجر” 75 بالمئة من الإصابات ناجمة عن العلاقات الجنسية أكد السيد بوفنيسة حسن رئيس، جمعية “تضامن إيدز”، أن عدد المصابين بفيروس السيدا في ارتفاع مستمر ينبئ بكارثة إنسانية خاصة في ظل تسجيل عدة حالات جديدة تتضمن 50 حالة في شهر سبتمبر المنصرم، مرجعا ذلك إلى الإقبال المحتشم على الفحص الطوعي للكشف عن المرض وعدم تغطيته لكافة التراب الوطني، في حين يقدر عدد المصابين في الجزائر حسب مقاييس المنظمة العالمية للصحة المبنية على إحصاء سلسلة العدوى بـ19 ألف مصاب، في حين أكد ذات المتحدث أن الحالات المعروفة إلى غاية سبتمبر المنصرم تقدر بـ6 آلاف حامل للفيروس، و3 آلاف مريض بالسيدا. شبان يجرون الفحص الطوعي خارج ولاياتهم  أضاف ذات المتحدث أن هناك ما لا يزيد عن 12 مركز في الجزائر مخصص للتكفل بمرضى السيدا وحتى الكشف الطوعي، معظمها في الولايات الكبرى حيث توجد أعلى النسب لتمركز السكان، خاصة وأن نسبة ما يفوق 90 بالمئة ممن يقبلون على الكشف يفعلون ذلك خارج ولاياتهم هروبا من نظرات التساؤل والحرج الذي يثيره مجرد شكهم بأنهم قد يكونون من حاملي الفيروس.  الانحلال الخلقي وبيوت الدعارة يسببان  75 بالمئة من إصابات فقدان المناعة من جهة أخرى، دق ذات المتحدث ناقوس الخطر حول إسهام العلاقات الجنسية بنسبة 75 بالمئة من الإصابات المسجلة، مشددا على ضرورة الحد من نشاط بيوت الدعارة وكذا التفعيل الصارم للفحوص الطبية لما قبل الزواج والتي يؤدي إهمالها إلى إصابة ما يزيد عن نصف النساء المصابات بهذا الفيروس. مضيفا أن نسبة تنقله من الأم إلى الرضيع تتراوح ما بين 15 إلى 18 بالمئة من الحالات لتأتي في المرتبة الأخيرة حالات انتقاله عبر الأدوات الطبية واليومية المتداولة بين الأفراد، بالإضافة إلى وجود حالات مجهولة الأسباب.  وزارة الصحة عاجزة عن التحكم في انقطاعات الدواء  ربط رئيس جمعية “تضامن إيدز” مشكلة الأدوية التي يعاني منها المصابون بأسباب داخلية وأخرى خارجية، أما الداخلية فتتعلق بطلبات الدواء التي تجريها الجمعيات بشكل افتراضي على أساس الحالات المعروفة لتجد أنها غير كافية بعد اكتشاف حالات جديدة، لأن الجزائر تقوم باستيراد الدواء من الدول الأجنبية. وعلى المستوى الخارجي، فهناك أكثر من 12 دواء موصوف لهذا الدواء وكل مريض حسب حالته الخاصة، فهو قد يتعرض لتغيير الدواء في العديد من المرات من طرف الطبيب المعالج ما يجعل من توفيره في كل مرة أمرا صعبا، خاصة وأن أسعاره جد غالية تتجاوز الست ملايين للدواء الواحد. وعن مستوى التكفل النفسي بالمرضى تأسف السيد بوفنيسة لعدم توفر الإمكانيات المادية والمعنوية التي تمكّن الدولة من استيعاب هذا الكم الهائل من المصابين، في الوقت الذي يشدد فيه علماء النفس على أهمية تقديم السند النفسي لهذه الشريحة من أجل تجنيبهم الإقدام على الانتحار الذي لجأت إليه العديد من الحالات عبر كافة دول العالم. وفي الأخير أكد محدثنا أهمية نشر الثقافة الصحية في أوساط المجتمع، والتمسك بتعاليم ديننا الحنيف في مكافحة ومجابهة هذه الداء الخطير والتصدي لزحفه المخيف.  فيروز دباري منظمة الأمم المتحدة تؤكد تراجع حالات الإصابة بالسيدا عبر أنحاء العالم  أكدت منظمة الأمم المتحدة تراجع حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (السيدا) عبر أنحاء العالم وذلك للمرة الأولى منذ اكتشاف المرض.  وأوضح تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا حول آخر ما توصلت إليه الدراسات حول عدد المصابين، أن عدد الأشخاص الذين يتعايشون مع الفيروس بلغ 34 مليون مصاب سنة 2010 وذلك بفضل “تحسن دورات العلاج” الذي ساهم في خفض معدل الوفيات وإنقاذ حياة 700 ألف مريض سنة 2010.  وأفاد برنامج الأمم المتحدة لمكافحة السيدا أن فيروس الإيدز “لم ينته بعد ولكن نهايته قد تكون قريبة شريطة أن تستثمر البلدان بذكاء كافة الإمكانيات الكفيلة بالقضاء عليه”.  وأضاف التقرير أن النسب الأعلى للإصابة بالمرض لا تزال تسجل في جنوب إفريقيا التي تضم أكبر عدد من الأشخاص المتعايشين مع المرض في العالم.  ويأمل برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا أن تساهم الاستثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة في إحراز تقدم يهم مجال مكافحة المرض وتحقيق هدف “صفر إصابة جديدة” بالسيدا و”صفر تمييز” و”صفر وفيات” مرتبطة بهذا المرض.  واج 


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)