تتميّز الاحتفالات الخاصة بإحياء مناسبة ينّاير في قصر مدينة أنقوسة العريقة بولاية ورقلة بعادات وتقاليد قديمة، الكثير منها اندثرت بدخول تفاصيل جديدة وتغير نمط الحياة الاجتماعية، والاحتفال يطلق عليه بالنقوسية اسم "النّاير" ويعدّ هذا اليوم حدثا هاما بالنسبة لهم باعتباره إيذانا عن انقضاء سنة كاملة وبداية سنة جديدة حسب التقويم الفلاحي عند الأمازيغ.يحظى الاحتفال بأهمية بالغة لدى ساكنة أنقوسة، نظرا لكون المورد الاقتصادي الوحيد للمجتمع النقوسي آنذاك هو النشاط الفلاحي، كما أنّ استمرار الحياة كلّها كان معتمدا على النشاط الفلاحي الذي يطبع هذه المنطقة.
وكانت تمارس في هذا اليوم طقوس وعادات، تعبر عن اعتقادات فكرية تصبّ في مجملها بالتفاؤل بالخير القادم خلال السنة الجديدة، كما أنّ ما يتميّز به هذا اليوم هو الإكثار من الصدقات وميل الناس إلى كلّ ما هو خير واستبعاد كلّ ما هو شرّ وشؤم.
وكان لهذا اليوم شأن كبير ومكانة خاصة لدى ساكنة قصر أنقوسة، حتى أنه أصبح يوما احتفاليا، تحرص النسوة فيه قديما على تجديد الموقد الناري للمنزل والمتكوّن من ركائز عبارة عن ثلاثة أحجار وفرشة من الرمل الناعم الذي يسمى بالنقوسية "الكانون"، كما يجدّدن الأواني المنزلية خاصة منها الفخارية، والرجال بدورهم يجدّدون الآلات والمعدّات الفلاحية في البساتين ويكون هذا اليوم هو يوم راحة من العمل. وفي المساء يجتمع الأطفال الصغار الذين لم يتموا السنة من عمرهم بعد، أيّ الذين هم في عامهم الأول خلال هذه المناسبة فيقعدونهم على "قصعة" مقلوبة وترمى على رؤوسهم الحلوة والفواكه الجافة فيلتقطون نصيبهم، ثم توزّع الحلوى على باقي الأطفال الحاضرين في جوّ بهيج.
وفي هذا اليوم يعدّ طبق الكسكسي المعتاد مميّزا، حيث يكون اللّحم فيه من الديك المحضر مسبقا لهذه المناسبة، لأنّ الديك في اعتقادهم يبعد العين والحسد، أما المرق فيكون حلو المذاق، حيث يضاف له التمر والتي تسمى بالنقوسية "تيحلاوت"، ففي هذه المناسبة لا يتناول الناس إلا ما هو حلو ويمتنعون عن تناول ما هو مرّ، حتى الكلام الذي يتفوّهون به لا يكون إلا الكلام الطيب فقط، أما طعام الكسكسي فيوضع دون وضع الحاشية المحفوفة بين القدر والكسكاس فيتصاعد البخار ويخرج من بين القدر والكسكاس وتردّد المرأة المُعِدّة للطعام خلال ذلك العبارة التالية "دجامبر في السماء ومحمد في الماء" كدعاء للحياة التي تحيى بالماء.
وعندما يجهز الطعام قبل أكله يوضع في أحد غرف المنزل التي تكون مخصّصة لتخزين المؤونة وتسمى بالنقوسية (تسقا)، تفاؤلا بأن يكون مخزن المؤونة مليئا بالخير طيلة السنة الجديدة، ثم يغلق باب المخزن والطعام بداخله لفترة من الزمن كأنّه مقدّم للضيوف وكانوا يقصدون بذلك في القديم الأرواح التي تعيش معهم في المنزل وتشاركهم يومياتهم، دون رؤيتها ويطلقون عليهم بالنقوسية "إمسلمن نتدارت" أيّ مسلمون الدار، فمن العادة لابد أن يسبقوهم في أكل هذا الطعام.
بعدها تخرج القصعة إلى جميع أفراد العائلة الكبيرة كطبق خاص للعشاء في هذه الليلة وبعد الأكل يواصلون سهرتهم مجتمعين على الكانون، أين يسرد لهم الجدّ والجدّة الحكايات القديمة والقصص الشعبية، خاصة منها الخرافية وتطرح الأسئلة على الأبناء والأحفاد حول جوانب الحياة وعلاقات القرابة فيما بينهم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/01/2024
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : إيمان كافي
المصدر : www.ech-chaab.net