الجزائر

ورثة الفردوس للزكاة فاعلون



ثالث صفة من صفات المؤمنين (والذين هم للزكاة فاعلون).والزكاة : هي اسم لما يخرجه الإنسان من حق الله إلى الفقراء .
كما نعلم أن السورة مكّية نزلت في وقت لم تشرّع فيه الزكاة بعد لذلك نجد إختلافاً بين المفسّرين في تفسير هذه الآية ولكن الذي يبدو أصوب هو أن الزكاة كانت واجبة بمكة لكن دون تحديد حيث كان الواجب على كلّ مسلم مساعدة المحتاجين بما يتمكّن إلاّ أنّه أصبح للزكاة اُسلوبها الخاص عقب إقامة الدولة وتأسيس بيت مال المسلمين حيث تحدّدت أنصبتها من كلّ محصول ومال. وأصبح لها جباة يجبونها من المسلمين بأمر من الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
يقول الشهيد سيد قطب :بعد إقبالهم على الله وانصرافهم عن اللغو في الحياة . . والزكاة طهارة للقلب والمال : طهارة للقلب من الشح واستعلاء على حب الذات وانتصار على وسوسة الشيطان بالفقر وثقة بما عند الله من العوض والجزاء . وطهارة للمال تجعل ما بقي منه بعدها طيباً حلالا لا يتعلق به حق إلا في حالات الضرورة ولا تحول حوله شبهة . وهي صيانة للجماعة من الخلل الذي ينشئه العوز في جانب والترف في جانب فهي تأمين اجتماعي للأفراد جميعاً وهي ضمان اجتماعي للعاجزين وهي وقاية للجماعة كلها من التفكيك والانحلال .
وعندما خلق الله تعالى الإنسان جعل فيه ميلا إلى حب المال وتملكه والاستكثار منه فقال عنه (وإنه لحب الخير لشديد) وقال تعالى :(وتحبون المال حباً جماً ) الفجر وقد جعل الله تعالى المال والبنين زينة الحياة الدنيا فقال: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) [الكهف:46] وقال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة). فإن المال لا يطلب لذاته في هذه الدنيا وإنما يطلب عادة لما يضمنه من مصالح ولما يحققه من منافع إنه وسيلة والوسيلة تحمد أو تعاب بمقدار ما يترتب عليها من نتائج حسنة أو سيئة.
فالمال كالسلاح والسلاح في يد المجرم يقتل به الآخرين ولكنه في يد الجندي قد يدفع به عن وطنه أو يحرس به الأمن في بلده فليس السلاح محموداً أو معيباً لذاته والمال كذلك وقد قال الله تعالى في المال وما يسوق لأصحابه في الدنيا والآخرة من خير أو شر قال: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى_ وَ_تَّقَى_ وَصَدَّقَ بِ_لْحُسْنَى_ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى_ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَ_سْتَغْنَى_ وَكَذَّبَ بِ_لْحُسْنَى_ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى_ وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى_ [الليل:5-11].
لماذا لم يخلق الله الناس كلهم أغنياء ؟ الله تعالى من حكمته أن خلق الأغنياء والفقراء لنعرف نعمة الله علينا من رؤية هذا الاختلاف قال تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَر مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ )الشورى 27 .
أيضا تسيير أمور الناس والفقراء يقومون بالأعمال التي في نظرنا وضيعة ولكنها شريفة ومن يقم بهذه الأعمال لو خلق الله العباد كلهم أغنياء ؟ وقال سبحانه: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) الزخرف : 32
لماذا أمر الله بالإنفاق ؟
1. المال مال الله:المالك لكل مال هو الله الذي ملكك ومنحك وأعطاك!! وأنت لست إلا صاحب يد عارضة عليه ومن فضل الله عليك أن جعل يدك في هذا المال تعطي نفسك وتعطي غيرك والمالك الأول هو رب العالمين وهذا المعنى هو الذي أكده القرآن في قوله جل شأنه: (وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) الحديد:7.
سئل أعرابي كان في قطيع غنم يملكها … سئل: لمن هذا القطيع؟ قال: هو لله عندي!! وهذا جواب سديد فلا تظن نفسك بالتملك قد أصبحت مالك الملك (لِلَّهِ مُلْكُ _لسَّمَ_و_تِ وَ_لأَرْضِ) الشورى:49.
2.المال ابتلاء من الله:ينظر ماذا أنت فاعل فيه هل تؤدي حق الله في المال أم لا ؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة : 254
وقال تعالى (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُفَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِوَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُفَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)الفجر 15 :16
3.الرغبة فيما عند الله من الأجر والمثوبة :
عن أ بي هريرة قال : قال رسول الله(من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله تعالى يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل). متفق عليه
الله تعالى فتح باب الإنفاق للجميع يا فقير يا غني يا كل رجل أو امرأة
أليس معك تمرة … تمرة من كسب طيب المهم الكسب الطيب …كانت عئشة تمسك الدراهم لأنها تقع بيد الله قبل أن تقع بيد الفقير والتشبيه بالفلو هنا لأنه يحتاج إلى رعاية خاصة فصاحبه يحرص على نموه ورعايته كالأم التي ترى ولدها يكبر كل يوم أمام عينها فالله ينمى لنا اللقمة …والإنسان يتصدق ولا يدري أن الله ينميها له .
4.اليقين بالعوض والجزاء : قال تعالى( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {245}البقرة
الله تعالى يعلم سجية الإنسان حب المال فعرض عليه الإنفاق في سورة قرض حسن وهذا القرض ليس للفقير إنما لله فلا خاب ولا خسر من عامل الله وطمأننا أن هذا المال سيعود لا محالة فقال تعالى :( وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ 34
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان أبو طلحة أكثر أنصاري المدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء - أرض بالمدينة - وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت هذه الآية: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران: 92 قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله ! إن الله تعالى يقول: (لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها حيث أراك الله فقال رسول الله : (بخ ذاك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه . متفق عليه.
و الملائكة صبح مساء تدعو للمنفقين .. مامن يوم يصبح فيه العباد إلا والملائكة تقول: ( اللهم اعط منفقاً خلفاً واعط ممسكاً تلفاً )
5.أكثر ما يندم عليه الإنسان عند الموت تركه للإنفاق :
قال تعالى (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْالْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَل قَرِيب فَأَصَّدَّقَوَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَوَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَاوَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)المنافقون
6- الإنفاق طهارة للنفس وللمال معا التطهير والتزكية اللتان وردت بهما الآية الكريمة : (خذ من أموالهم صدقة تطهرهموتزكيهم بها.وهما يشملان كل تطهير وتزكية سواء كانا ماديين أومعنويين لروح معطي الزكاة ونفسه أو لماله وثروته.
وهي أيضا تطهير منالشح:فالشح آفة خطرة على الفرد والمجتمع أنها قد تدفع من اتصف بهاإلى الدم فيسفكه وإلى الشرف فيدوسه وإلى الدين فيبيعه وإلى الوطنفيخونه.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)