والعنوان، ليس من عندي، إنّما هو تعبير لميشال عفلق، قاله في أربعينيات القرن الماضي.الرجل الذي هو مسيحي أرثوذوكسي سوري وصف حالة العرب ضمن سياق تاريخي قبل البعثة النبوية بهذه الجملة أو تكاد: «كانوا يعيشون وحشة المكان وغربة الزمان، فأتى الإسلام فحرّرهم من الإثنين»...أذكر بهذه المقولة كحقيقة تاريخية... وأخشى أنها تتكرر الآن، على الأقل في شقها الثاني المتعلّق بالزمان... وأذكر بها أيضا ليس إشهارا أو دعاية للبعثية... وأتذكر أن مخربش هذه السطور، اتّهم يوما بها...فقط، أستعيدها في سياق حال العرب الآن، كل العرب تقريبا... ونحن نلج سنة 2014، ما هو الحال، وما هي الآفاق، وأين الاتجاه، وهل لا نملك سوى تعبير المتنبي لنردد معه: عيد بأية حال عدت يا عيد؟والعام الجديد في صيرورة الزمان هو عيد، شئنا أم أبينا، تأسفنا على ذلك الذي مضى أم فرحنا، استبشرنا بهذا الجديد أم تطيّرنا، وفي كل الأحوال ماذا نملك لاستقباله، وهل هناك إحساس أصلا بالزمان، أم نعيش كالغرباء فيه؟أسئلة قد تبدو متشائمة، بل قد تبدو استسلامية، وأحد الجوانب السلبية في الفكر العربي أنه قدري وجبري، رغم فكر المعتزلة وفقه أبي حنيفة وفلسفة إبن رشد، كأمثلة وليس حصرا...الأمة التي أُخرجت للناس كخير أمّة، بحسب التعبير القرآني، وبالإسلام تبوّأت تلك المكانة، فتحرّرت من وحشة المكان وغربة الزمان، بحسب تقييم عفلق، ها هي اليوم، من حيث تدري أو لا تدري، تعود إلى الجاهلية الأولى يضرب بعضها رقاب بعض، وكأنّ خطبة حجة الوداع محتها البغضاء والشحناء من الصدور.نظرة بسيطة للجغرافيا العربية تعطينا هذا الثقب الأسود، بحسب تعبير اينشتاين، لذلك الفراغ الرهيب الذي يبتلع كل الكتل ولا ينجو منه أي شيء حتى الضوء، ومن الخضراء مرورا بالكنانة وصولا للرافدين وبين النهرين، لا نجد سوى ذلك السديم من العتمة السوداء، الرمادية التي تظلل هذه المنطقة التي كانت يوما ما تشع ثقافة وحضارة وفكرا وتسامحا على كل الدنيا...كل هذه الردة، وهذه الفظائع وهذه الانحرافات وهذا الغلو يسوقه البعض باسم الإسلام، كما يدّعي البعض أنه الإسلام، وأتساءل عن مصدر هذا الاجتهاد الذي لا أرى فيه أثراً لفقه أبي حنيفة، أو مالك أو الشافعي، أو إبن حنبل أو الفقه الجعفري، فاختلاف أولئك الرواد كان يعتبر «جنة» أي رحمة، أما الاختلافات المصطنعة المختلقة لهؤلاء اليوم، فهي القتل وسفك الدماء والفساد في الأرض.إن الذين يوقظون الفتن ويشعلونها هم ملعونون، بحسب الحديث النبوي الشريف، والذين يتصدرون مجالس الفتوى ويصدرونها بهذه السهولة في قضايا ومواضيع معقدة ويحللون ما حرّم الله وما لا تتقبله النفس الإنسانية وتأباه الأعراف والعادات الاجتماعية، أولئك يذكرونني بغلاة أحبار اليهود والتوراتيين الذين يأخذون من ألواح موسى العشرة ما يتماشى مع أهوائهم ويهملون باقي التوراة، بل يحرفونه وأحيانا يزيلونه تماما...وبما أن الإسلام، كما ورد في القرآن، هو كلّ متكامل من بداية سورة الفاتحة إلى نهاية سورة البقرة، هو كل يكمل بعضه في المعنى والأحكام، فإن المغالطات التي يسعى البعض، دون تورّع أو خشية أو أخلاق، لاحتكار فهمه، على أن ما يصدر عنهم هو الحق، وما سواه هو باطل الأباطيل فإن ذلك يجعلني أتذكر ادّعاء الخوارج الذين أجابهم عنه الإمام علي أنها كلمة حق أُريد بها باطل حين تمرّدوا على كل الأمة تحت دعوى لا حكم إلا الله.هل عاد الخوارج اليوم؟ أولئك الذين كانوا الفتنة الكبرى في صدر الإسلام، فكان أن تصدّت لهم الأمة كلها من المدينة المنورة إلى دمشق حينئذ... ومن ثمة ظهر تعبير «أهل الجماعة» الذي يعني كل الفرق والتوجهات التي وقفت ضد نهج الخوارج وفكرهم وممارساتهم، وليس كما يحاول البعض اليوم وهو يسعى لتسعير الصراع المذهبي أن يحصر ذلك الموقف على أهل السنة وحدهم، مستبعدا أصحاب آل البيت، أي أهل الشيعة.إنها حقيقة تاريخية...وبعد، أختم هذه العجالة بالتذكير بذلك الموقف للمرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم، وكان وزيرا للتعليم الأصلي والشؤون الدينية، حيث قطع زيارة رسمية للاتحاد السوفياتي في سبعينيات القرن الماضي، وتسبّب في حادث ديبلوماسي بين الجزائر وموسكو، لأنه قطع زيارته وهو في إحدى الجمهوريات الإسلامية لآسيا الوسطى، حين رأى استهزاء الشيوعيين آنذاك بالمعالم الدينية من مساجد ومقامات وإهمالهم لها قائلا لهم: نحن بهذا الإسلام تحررنا..؟
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/01/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشعب
المصدر : www.ech-chaab.net