الجزائر - A la une

وجهة نظر/ الشاشات التي تمارس كل شيء إلا مهامها!



وجهة نظر/ الشاشات التي تمارس كل شيء إلا مهامها!
لا أتصور أن مساحة هذا المستطيل تكفي لتناول موضوع "الشاشات" الفضائية التي أضحت أهم تأثيرا من أي "غرفة عمليات" في أي حرب حقيقية تخاض على الأرض. فالقنوات اليوم خاصة العربية منها - ليست سوى امتداد أو ممارسة حقيقية للحرب بطرق أخرى.وهنا لا تحدثني عن الشعارات واللافتات المجانية التي ترفع هنا وهناك ضمن "لوغو" معين أو إيحاء ما.
لن نتحدث هنا عن "القناة الأولى في الواقع العربي" (كما يعشق دراويشها وعرابيها تسميتها) لأن مذيعيها ومعديها بالفعل قد تحولوا إلى "جنرالات حرب" ولم يتبق سوى تعليق النياشين في صدور بدلاتهم اللامعة. وإن كانوا في الغالب أكثر تعصبا من جنرالات العسكر. حيث أن بعضهم لا ينتظر "خصمه المفترض" برهة وقتٍ ليلقمه بالرد القاضي. كما يفعل أي جنرال محنك يستدرج خصمه لغارة ثم يردمه بالقاضية، أو حتى "يجر شكل" لاستدراجه إلى تلك المساحة التي تسمح له بالقضاء عليه، حيث أن "جنرالات الشاشة" لا يملكون حيلة استدراج الضيف / الخصم. ولا حتى صبر "جر الشكل" معه، فسرعان ما ينهارون أمام أول حقيقة / فكرة، يتفوه بها ليبدأ فصل الردم والمقاطعات والهدير الذي لا يشبه غارة بقدر ما يشبه محاولة انتحاب!
لذلك دعونا عن ذلك ولنرى "جنرالات" من شكل آخر.. هؤلاء يمكن تسميتهم بجنرالات "الطبطبة"، حيث يتخيرون ضيوفهم من طرف دون آخر ولا يمكن تصور حدوث أي مواجهة هنا، عدا تلك المتعلقة بالطبطبة الناعمة طوال الوقت والتحريض على المزيد من الأحادية على كل المستويات.
إستوقفني عصر يوم الخميس مشهد غريب وأنا في قمة الاندماج في مشاهدة فيلم بإحدى الشاشات المصرية. فجأة تصدر "لوغو عاجل" وأكل نصف الشاشة، ليزف للمشاهد خبر اعتقال القيادي الإخواني محمد البلتاجي. ثم توقف الفيلم الجميل فجأة ليطل علينا المذيع بالكرافاتة الحمراء الزاهية وبابتسامة ظفر، ليؤكد انفراد قناته بالخبر الذي أذاعته في الساعة الرابعة و62 دقيقة وجزء من الثانية وهو ما يجعلها أول قناة تذيع خبر الاعتقال (حسبه). ثم في الدقيقة التالية استضاف عبر التلفون مسؤولا أمنيا كبيرا (يبدو أنه المصدر الأمني الذي زف الخبر للقناة وضمن لها الانفراد) لأنه بدا أنه كان ينتظر هذا الاتصال دقائق بعد القبض على القيادي الإخواني، لكن كل ذلك لم يكن مهما بل ما استوقفني الاستهلال الذي بدأ به المذيع سؤاله للمسؤول الأمني: ألف مبروك يا أفندم على نجاح مأمورية القبض.. وعقبال العريان يارب.. الخ"! فيرد عليه المسؤول الأمني: ألف مبروك للشعب المصري...إلخ"!
المفارقة هنا ليست في تجاوز الإعلامي لدوره وكذلك المسؤول الأمني وتبادل التهاني والتبريكات. بل في أن كلاهما نسيا أن "المتهم" أي متهم، بريء حتى تثبت إدانته. وأن القبض على البلتاجي مهما كانت أهميته وتأثيره على الوضع المصري فإنه أمرا لا يدعو إلى تبادل التهاني - على الأقل في الشاشات التي يتابعها الملايين الذين لا علاقة لهم بالشعور المتنامي في دواخل المذيع والمسؤول -.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)