كان يوما رائقا ذلك الأربعاء في واغادوغو التي كنت وصلت إليها ليلة الثلاثاء، الجو شديد الحرارة، لكن الشوارع التي مررنا بها ونحن متجهين إلى قاعة المؤتمرات لحضور فعاليات المهرجان الإفريقي لحرية التعبير والصحافة كانت مليئة بالحياة وبحركة المارة الدؤوبة والناس المنشاغلة بحياتها اليومية، لكن الهناء لم يدم طويلا، لأننا ما إن خرجنا من أشغال الملتقى حتى وجدنا المدينة منقلبة رأسا على عقب، والداجات النارية التي يبدو أنها المركبة المحببة لدى البوركينابيين، تجوب الشوارع محدثة ضجيجا رافضا للانقلاب.يا إلاهي منذ يوم فقط كنت أسير في الشوارع أبحث في وجوه البوركينابيين عن سر شجاعتهم لما انتفضوا على دكتاتورية بلاز كامباوري وأحدثوا ربيعا إفريقيا بدأ يعطي ثماره وكان على موعد مع آخر محطة بانتخاب رئيس وبرلمان لاستخلاف الرئيس المؤقت والمجلس الانتقالي الذي يرأسه الزميل الشريف مومينا سي الذي كان حاضرا معنا عند افتتاح الملتقى بحكم أنه كان رئيسه السابق، فكيف لكل هذه الديناميكية أن تسقط بطلقة رشاش وعلى يد طغمة عسكرية لم تيأس بعد من استرجاع الحكم الذي فقدت شيئا منه بذهاب كامباوري وكانت على وشك أن تفقده نهائيا لو لم يتم وأد المسار الانتقالي، فسبقت الضربة قبل أن تحرمها الديمقراطية الناشئة من القوة والعز الذي بنته منذ أن أسالت دماء سانكارا نهاية الثمانينات.لم يخطئ منشط إحدى جلسات اللقاء الإعلامي وهو يقول أن الوضع ما زال هشا في بوركينا ولا شيء يدل على أن رجال كامباوري لم يعودوا مندسين في كل مكان، وما هي إلا ساعات حتى تأكدنا من كلامه. وتدخل المدينة وسكانها في قلق وخوف من المجهول. لكن لم يفقد كل من تحدثنا إليهم وعلى رأسهم السيدة أغاثا سي زوجة الشريف التي استضافتنا على مأدبة عشاء في بيتها، في غياب زوجها الذي أجبرته ظروف الانقلاب على عدم الإفصاح عن مكان تواجده إذ كان هو الآخر بحكم منصبه كرئيس للمجلس الانتقالي مطلوبا، إلا أن تسارع الأحداث خفف من بريق الأمل هذا، وها هو المجلس الوطني من أجل الديمقراطية مثلما يدعي رئيسه ديانديريه يفرض شروطه على الجميع ويقرر بداية مرحلة جديدة في بوركينا التي اعتادت على الانقلابات ويبدو أنها مثل كل بلدان إفريقيا ستبقى على خصومة مع الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا شيء فيها يعلو فوق صوت الرصاص الذي ما زال حتى صباح أمس يلعلع في شوارع واغا دوغو ليمنع سكانها من الخروج في مظاهرات ضد الانقلاب. ها هو مومينا يدلي من مخبئه بالتصريح وراء التصريح رافضا الانقلاب محاولا تجنيد الشارع البوركينابي ضد سلطة الأمر الواقع لإجهاض الانقلاب ويبعث في نفوسهم الحماس الذي مكنهم السنة الماضية من الانتصار على دكتاتورية كامباوري وحرسه الرئاسي لكن نداءه الأخير لا يبعث على الأمل ويقول إن سلسلة الاعتقالات لعناصر المجتمع المدني ما زالت متواصلة رغم تخفيف ظروف اعتقال الرئيس المؤقت إلى إقامة جبرية في بيته... وما زالت بوركينا رغم كل الحراك الدولي تسير في طريق المجهول.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/09/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حدة حزام
المصدر : www.al-fadjr.com