الجزائر

واقعية جديدة في دراما جديدة



واقعية جديدة في دراما جديدة
يتفق النقاد، في تعريفهم للواقعية، على أنها ليست بالضرورة ما حدث في الواقع بل الذي يمكن أن يحدث، وفي توضيح أكثر دقة أن يقدم الفن والأدب ما هو قابل للحدوث في الواقع.تلك الخلاصة تذهب بنا نحو محاولة مقاربة ما نشاهده على الشاشة الصغيرة من دراما نسميها عادة ”دراما واقعية” من دون تدقيق في حقيقة التصنيف أو تعبيره عن جوهر مادته التي يصفها. أبرز ما يجعل الشك يطاول واقعية تلك الدراما هو بالتأكيد الحدث السردي والشخصيات: أن نصف عملاً درامياً ما بأنه واقعي يعني سردية حدثه وانتماء تلك السردية الى صورة الواقع كما نراها (أو كما يمكن لنا أن نراها)، وكذلك صورة الشخصيات التي تتحرك في إطار تلك السردية وتنطق بألسنة صريحة تعبيراتها عنها.هكذا نكتشف صعوبة أن نطلق على معظم ما نشاهده اليوم من أعمال درامية صفة الواقعية، حيث السرديات تعيش اغترابها النابع غالباً من أفكار المؤلف بل حتى من رغباته، وتتبعه الشخصيات التي تفتقد في سياق تلك التبعية لملامحها الخاصة، المميزة والمتشكلة على ضوء انتماءاتها الاجتماعية، لا انتماءات المؤلف الفكرية ورغباته.كان الراحل أسامة أنور عكاشة أبرز أولئك الكتّاب الدراميين الذين قدموا الى الشاشة الصغيرة أعمالاً تنتمي حقاً الى الدراما الواقعية من خلال رؤى تعيش الواقع المصري وتتبصَر حركة المجتمع المباشرة والمضمرة على حد سواء. قارب عكاشة الكثير من هذا في أعماله، وإن يكن قد حقق نجاحه الأكبر والأهم في عمله الضخم ”ليالي الحلمية”، الذي تناول في صورة بانورامية تاريخ مصر الحديث، وبالذات تاريخ الطبقات الاجتماعية وحركتها في مواجهة الأحداث السياسية والاجتماعية، في مساحة زمنية تتجاوز نصف قرن طويل.اتسمت تلك المقاربة الدرامية المهمة بالكثير من العمق والتبصر حتى استحقت أن نطلق عليها اسم ”الرواية التلفزيونية” في مقابل ما عرفناه من سرديات درامية أحادية قبل ذلك. هكذا يمكن اليوم أن نرى الدراما الواقعية الجديدة ذات وشائج متينة مع ما قدمه أسامه أنور عكاشة مع اختلاف ضروري تفرضه وقائع الحياة الجديدة في مصر والعالم العربي، وهي مسألة تدعونا الى التفاؤل من خلال دراما تعي حقيقة دورها وتعبّر عنه بحيوية وصدق وبأساليب فنية متطورة.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)