الجزائر

واقع اللغة العربية اليوم



واقع اللغة العربية اليوم

لم تكن اللغة العربية في تاريخها القديم والجديد في ضيق وحرج مما هي عليه اليوم،إذ هي لا تحاصر باعتبارها لغة يتحدث بها قوم مستعمرون كما كان الشأن في فترات الاستعمار،ومن ثم وجوب تحييدها وركنها في زاوية ضيقة من الاستعمال للقضاء عليها تدريجيا،بل صار التضييق عليها اليوم يأتيها من قبل كونها لغة "دين" يتهم في الدوائر العالمية العلنية والسرية على أنه دين معادي لكل الحريات الإنسانية، وأنه يقوم حجر عثرة في وجه الانتشار العلماني الذي تروج له الحداثة الغربية. ومن ثم صار حصارها يأخذ بعدا عالميا على اعتبار أن نصوصها الدينية هي السبب في خلق هذه التشنجات المذهبية والفكرية التي يعيشها العالم العربي قبل أن يصطلي بنارها العالم الغربي.
هذا الوضع الذي تخطى حدود الثقافة الضيقة،وصار هما عالميا يجعل من اللغة العربية المستهدف الأول في كيانها لغة وفي محمولها التراثي ذخيرة ومرجعية.
لقد حاول الاستشراق الذي كان ولا يزال في بعض فروعه طليعة الحملات الاستعمارية المادية والفكرية أن يبث في صفوف المتحدثين بالعربية فرقة طائفية ليغذي من خلالها بعض النعرات القومية،يحيي بها لغات مندثرة،وانتماءات قديمة طواها التاريخ من أزمنة بعيدة، ليصنع منها عوائق في وجه العربية. كما أثار حملات تزعم أنها تخدم تسهيل استعمال اللسان العربي كفكرة تجديد النحو، وتجديد الكتابة،والاستغناء عن أجزاء كبيرة من التراث اللغوي في المعاجم الضخمة واختصارها على الدارج المستعمل اليوم بغية تخفيفها كلسان العرب،وتاج العروس،والبحر المحيط... وغيرها من الموسوعات اللغوية ليبتر شطرا من تاريخها الطويل،فتضيع معه نصوص تراثية كثيرة لا تزال تصنع حاضر اللغة العربية وتجدد قاموسها الحديث.
واليوم تعيش اللغة العربية غربة في أقلام أبنائها: أخطاء لغوية، وأخرى تركيبية، واستعمالا لمفردات في مواطن ليست لها أصالة... وإذا لم يتدارك الأدباء هذا الوضع بإعادة إحياء اللغة في كتاباتهم وأشعراهم، كتابة تضع نصب أعينها جودة السبك،ومتانة العبارة،واللفظ في موضعه الذي هو له... فإن القادم من الأيام سيشهد تراجعا كبيرا للغة العربية أمام تحديات ترفعها الوسائط التكنولوجية الجديدة، وتضعها بين أيدي جيل ضئيل الزاد،ضعيف الصلة بلغته، مهزوز الانتماء.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)