الجزائر

وأخيرا انتصرت العدالة للنساء..؟ كرونيك



شهدت محاكمة مدير القناة التلفزيونية الرابعة الناطقة بالأمازيغية، حضورا مكثفا للمحامين وممثلي المجتمع المدني والجمعيات النسائية والحقوقية والصحفية، وكثير من الشهود العاملين في المهنة.. هذا الحضور البارز الذي آزر بشدة دعاوى الصحفيات المتقاضيات ورفع من معنوياتهن، قد بارك العقوبة التي تقدمت بها النيابة العامة والمتمثلة في عام حبسا نافذا، وغرامة مالية بقيمة 100 مليون سنتيم كتعويض لكل واحدة منهن على الضرر المعنوي الذي لحق بهن.. والتي سيتم النطق بالحكم النهائي فيها يوم 14 أكتوبر الجاري.
أن تقاضي النساء تحرش المسؤولين بهن في المحاكم هو أمر جديد ومهم، وأن يؤازرهن زملاؤهن الرجال في ذلك هو أمر أكثر أهمية، إذ نكون بذلك قد أخرجنا قضية التحرش الجنسي في العمل من الخصوصية النسوية إلى الخصوصية المجتمعية، وهو الحلم الذي نناضل من أجل تحقيقه كمجتمع مدني نسائي منذ سنين.. أما أن تتخذ إدارة التلفزيون موقفا بإقالة مدير القناة الرابعة نتيجة إسفافه وسفهه، فهذا هو الأمر المشرف الذي لم يكن منتظرا لا بالنسبة لهيئة التلفزيون التي كان عليها أن تحارب تلك الظاهرة منذ زمان طويل، ولا بالنسبة لرجال المؤسسة الشهود، الذين إنما هم زملاء لعدد هائل من هؤلاء النساء العاملات، اللائي كن يعانين من تلك الممارسات أمام عيونهم..؟ لكن الشيء الناقص في هذه الخلطة هو اعتذار الوزارة لهن أيضا، ألم يعتذر الرئيس التونسي عن اغتصاب فتاة من شرطة الدولة في بلاده..؟
لقد كدنا نيأس من الوصول إلى نتيجة إيجابية، حتى بعد تعديل قانون العقوبات الذي ناضلت من أجل تعديله كثير من النساء وكثير من الجمعيات النسوية وعلى رأسهن فرع النساء في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وزاد من يأسنا ذلك الفراغ القانوني (عدم حماية الشهود) الذي كثيرا ما جعل المشتكيات من التحرش يعزفن عن مقاضاة الممارسين للتحرش ضدهن، مما يحصر القضية بين شخصين، الشاكية والمشتكى عليه، وكلنا يعرف مدى خطورة الوضعية، لأن القضاء قد عودنا الانتصار للمسؤول مهما كان نوع خطئه.. وإلا فكيف نفسر كم التحرش في مؤسساتنا، وكم الاغتصاب والخطف في شوارعنا وبيوتنا..؟
هكذا، ورغم وجود هذه الفسحة من القانون إلا أن الكل كان يسكت، بالأخص النساء المتحرش بهن، خوفا من السمعة السيئة أو تحسبا لمواقف الأهل، أو تجنبا لكلام الناس.. إنهن يفضلن المعاناة في صمت على الرفض أو المقاضاة، لسبب بسيط، لأنهن في كل الأحوال سيكذَّبن، بل هن من سيدفع الثمن.. لكنهن نسين أنهن بذلك وبكثرة السكوت عن الظلم والتمييز الممارسين ضدهن سيشجعن الرجال على التمادي في استغلالهن.
هل جعلت النساء الجزائريات بسكوتهن هذا، في هذه الأرض التي تسمى الجزائر، الرجال يتمادون؟.. نعم.. بل أكثر من ذلك لقد جعلتهم يربطون تصرفاتهم الخاطئة بعفة المرأة وبلباسها، وهو والله كذب وبهتان.. لأنه حتى لو كفنت المرأة لما تركت في حالها.. ألم يقل أحد المتكلمين باسم الدين في فتوى له إنه "يجوز معاشرة الزوجة الميتة..؟"، لقد عودونا بأنهم لا يتعاملون مع المرأة كإنسان له حق الرفض أو التجاوب، وكأن هذه الأرض قد ضاقت بنا معا، ولم تعد تستطيع حمايتنا من إذلالهم وتعسفهم لنا.. أقول هذا، وقد أصبحت أشك في نخوة كثير من رجالنا خاصة عندما أقرأ تعاليق بعضهم على هذا العدد "إن ذلك يحصل بسبب خروج المرأة للعمل أو بسبب كثرة العازبات وأشياء أخرى..."، بربكم متى كان هذا يبرر ذلك..؟
لكن هذا لا يمنعنا أبدا من طرح تساؤلاتنا عن الأسباب الحقيقية التي تجعل المرأة تدفع الثمن غاليا في كل مرة، إما بالخطف أو بالاغتصاب أو بالتنكيل أو بالإجبار على الدعارة..أو ..أو..؟ لماذا لا نرى أثرا للاستراتيجيات الوطنية للأسرة في الميدان..؟ وأين الساهرين على تطبيق القوانين والمدافعين عن العقيدة السمحاء..؟
في النهاية من نسأل ليرفع عنا نحن النساء تلك الإهانة، إهانة تلحقنا من أهالينا ومن حكامنا، وهي والله أقسى علينا وأشد من إهانة الأعداء لنا..؟ وهل بقي لنا مع كل ما يجري في تلك اليوميات من حقوق؟ بل هل بقي شيء من الكرامة والإنسانية، يمكننا أن نفتخر به يوما أمام أعدائنا؟.. وهل للمسؤولين عنا كرامة، بعد أن قتلوا فينا كرامتنا.. ونجحوا في التلذذ بانتهاك أنوثتنا والتفنن في انتقاص إنسانيتنا..؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)