الجزائر

{وَكانَ أَبوهُما صالِحًا}



{وَكانَ أَبوهُما صالِحًا}
ذكر الذهبي في سيره أن أحمد بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- الزهري العوفي البغدادي مضى إلى أحمد بن حنبل فلما رآه وثب وقام إليه وأكرمه فلما أن مضى قال له ابنه عبد الله: يا أبه شاب تعمل به هذا وتقول إليه؟ قال: لا تعارضني في مثل هذا إلى أقوم إلى ابن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.لم يكن هذا الشاب ليبلغ هذه المنزلة من الإمام لولا أنه رحمه الله كان على خطى آبائه أهل العلم ولسان حاله من التقوى والفضل يُذكِّر المعاصر له بمقال الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف عليه السلام: _وَاتَّبَعتُ مِلَّةَ آبائي إِبراهيمَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ_ ويقول الذهبي رحمه الله مصداقاً لهذا: وإنما احترمه الإمام أحمد لشرفه ونسبه ولتقواه وفضله فمن جمع العمل والعلم فناهيك به!
في بيوت العلماء والمحدثين كان الأبناء يتربون على _وَاتَّبَعتُ مِلَّةَ آبائي إِبراهيمَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ_ ويعلمون أن انتسابهم لأهل الفضل ليست مفخرة ولكنه أمانة وأن الشر منهم أعظم _يا أُختَ هارونَ ما كانَ أَبوكِ امرَأَ سَوء وَما كانَت أُمُّكِ بَغِيًّا_ والقرآن لما جاء يوبخ بني إسرائيل على أفعالهم القبيحة ناداهم ب (بني إسرائيل) تذكيراً لهم بانتسابهم إلى نبي كريم من أنبياء الله فكانت المعصية منهم أشنع وأعظم ولوكان النسب الصالح يغني عن عذاب الله لأغناهم إذ يتنسبون إلى نبي وليس إلى عالم أو طالب علم أو داعية.
وإن من تربية نبي الله يعقوب عليه السلام لأبنائه ربطهم بأسلافهم الصالحين من أنبياء الله كما يحكي الله عنه في أصعب لحظات حياته (الاحتضار) إذ يقول الله عنه وهو على مشارف الموت: _أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَ_هَكَ وَإِلَ_هَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ_ ورباهم كذلك ألا يزدروا الناس الأقل منهم نسباً فقد قال يوسف عليه السلام لصاحبيه في السجن الأقل منه نسباً حتماً _إِنّي تَرَكتُ مِلَّةَ قَوم لا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كافِرونَ _37_ وَاتَّبَعتُ مِلَّةَ آبائي_ الآية فلم يتعرض عليه السلام بأي تجريح لقومهم ولا لآبائهم وإنما قال لهم _وَاتَّبَعتُ مِلَّةَ آبائي_ الآية تعريفاً لهم به لا تعالياً عليهم بنسبه.
والوالد الصالح الذي يروم أن يربي أبناءه كتربية يعقوب عليه السلام يحذر من فهم أبنائه الخاطئ لقوله تعالى: _وَكانَ أَبوهُما صالِحًا_ فيتكلون على صلاحه فتتراخى عزائمهم وتفتر هممهم اتكالاً منهم عليه وهو يمحض لأبنائه النصح كما فعل ابن الجوزي رحمه الله محذراً فلذة كبده من الاتكال على النسب الصالح: يا بني واعلم أننا من أولاد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأبونا القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه وأخباره موثقة في كتاب صفة الصفوة ثم تشاغل سلفنا بالتجارة والبيع والشراء فما كان من المتأخرين من رزق همة في طلب العلم غيري وقد آل الأمر إليك فاجتهد ألا تخيب ظني فيما رجوته فيك ولك .
_وَكانَ أَبوهُما صالِحًا_ هو دعوة من القرآن للإنسان أن يكون هو صالحاً لا أن يتكل على صلاح آبائه وأجداده والقرآن يفسر بعضه بعضاً ولهذا يقول الله في آية النساء: _ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا _ يقول ابن تيمية رحمه الله: ليس في كتاب الله آية واحدة يمدح فيها أحداً بنسبه ولا يذم أحداً بنسبه وإنما يمدح بالإيمان والتقوى ويذم بالكفر والفسوق والعصيان .
ولما كانت الملامة على قدر المنزلة قرر القرآن تغليظ العقوبة على ذوي الأنساب الفاضلة فجعل لمن يأتي بفاحشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ضعفين من العذاب كما جعل لمن يقنت منهن لله ورسوله أجرين من الثواب . ا. ه من كلام ابن تيمية رحمه الله.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)