الجزائر

هوامش بدايات..



هوامش               بدايات..
أستسمح القرّاء في نشر هذا الردّ الوارد إليّ من الشاعرة والناقدة خديجة باللودمو من جامعة ورڤلة، نظرا لأهميته في إثـراء هامشي السابق "نهايات" بوجهة نظر من زاوية مختلفة.. "لنا في حديث النهايات شجون" ولنا في حديث البدايات فنون.. دعني بدءا أتساءل قليلا لأضيف شيئا من الانفتاح على مقالي: أليست نهاية شيء ما هي لحظة ميلاد شيء آخر؟ أليست الرغبة في إزالة ظاهرة ما هي بمثابة التمهيد لإحداث تغيير ما؟ أسرد هنا بعض الشواهد التاريخية لأضفي نوعا من التعليل لتوجهي، انهار صرح فرنسا العجوز ليلوح نجم الدولة الجزائرية ثانية، وسقط الحزب الواحد بتحريض من المعارضة لتحتلّ التعددية الواجهة. ألم تسقط قوانين لتحلّ محلّها قوانين أخرى؟ عديدة هي الظواهر التي سقطت وأُسقطت لتفتح بؤرة لولوج بديل جديد، لكن الناس بغريزتهم البشرية يرفضون الوافد المستحدث ويتشبثون بما ألفوا والمرء عدوّ ما جهل، لنتذكر: ألم تقتل الكنيسة "غاليلي" لأنه قال بفكرة جديدة هي كروية الأرض؟ ألم تحارب قريش الدين الجديد واتّهمت نبيه بالسحر والجنون والشعر؟ ألم يسخر وينفر الناس من المسرح حال ظهوره لأنهم لم يعهدوا لونا تعبيريا مثله؟ ألم يفزع الناس من الاختراعات الإلكترونية واحترسوا منها ولم يتقبّلوها بدءا ؟ تروج في السنوات الأخيرة دعوات حادة وجادة لتجاوز الكتاب الورقي واستعاضته بالكتاب الرقمي الإلكتروني، هذه الدعوة أفرزت مصطلحا جديدا هو الأدب التفاعلي، وهو الأدب الذي يعتمد في قراءته على الوسيط الإلكتروني، هذا النص الرقمي متشعّب ومتفرّع وينفرد بقراءة خاصة وله علاقة مغايرة مع المتلقّي. كان السبق في عالمنا العربي للمبدعيْن عباس مشتاق معن ومحمد سناجلة. كل هذا راجع لأن عصرنا رقمي بالأساس وللمعلوماتية فيه يد في كل ركن، لن أدخل بؤرة الإشكالية حول هذه الدعوة وأبعادها. لكنّني أبلور الفكرة بأن العالم صار مرهونا بنقرة في الشبكة العنكبوتية، حتى صارت المعلومات مطروحة في الشارع يراها كل مارّ كما رأى الجاحظ بالنسبة للمعاني. حتى أن هذا العالم الرّقمي الافتراضي استطاع في ربيعنا العربي إسقاط أنظمة ما كان التفكير في سقوطها واردا أصلا. لن أبحر في الموضوع أكثـر لكنّني أقول: إن هذا المثال الذي اخترته يدعم رأيي؛ أن الإنسان لا ينزعج من أمر ما، ولا يمتعض من حيثياته إلا إذا كان هناك بديل يراود فكره ويغريه. ولنا في تاريخ البشر أمثلة كثيرة، كما سلف الذكر، وإنسان القرن الواحد والعشرين ليس هو إنسان العصور الوسطى الذي كانت ترهبه الطبيعة وتشكّل له عدوّا مدجّجا بالمخاطر، حيث كانت الظواهر الكونية بالنسبة له آلهة مقدّسة يخشى لعنتها، فإنسان اليوم جريء مقدام يعشق الفرادة والتجديد، ما عاد الخوف سجنه وما عادت المجاهيل تعجزه، فاختار الشك رفيقا له، إذ صار يمحّص كل شيء ويثمّن ما يراه من منظوره الخاص صائبا، ويمضي قدما في سبيل ترويجه، وإن عارض المتعارَف عليه. فلم تعد هناك حقائق مجرّدة ولا أفكار مقدسة، فله كل الحريّة للنظر في الموجودات وتقليبها على كل الأوجه، وله أن يعلن نهاية ما لا يخدمه، وما يهدد مصالحه، ويستحدث بذلك ما يلائم تطلعاته ويوفر له فضاءات منفعية أرحب. فطب نفسا أيها الإنسان فمعترك الحياة كفيل بإفراز عديد الإشكالات التي ستجد لها، إن أردت ذلك، بدائل ووسائط جديدة. لكنني ختاما أتساءل: هل الجديد هو الأحسن دائما؟ خديجة باللودمو شاعرة وناقدة / جامعة ورڤلة..   أحمد عبدالكريم  Hachimite5@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)