عجيب أمر بعض مثقفينا، يتبجّحون في كتاباتهم بقيم الحق والخير والتسامح والاختلاف وكل القيم النبيلة، وهم على غير ما يقولون وعكس ما يدّعون، بل هم أبعد ما يكونون عما يقتضيه الخلق الإنساني. في داخل كل واحد من هؤلاء جبّار متغطرس وديكتاتور فتّاك، لو كان الأمر له لفعل الأفاعيل بمن يخالفونه الرأي أو يرون غير رأيه. لكنه على مستوى الادعاء فنّان يظهر بمظهر المتحضّر الحداثي والديمقراطي والمعارض لكل السُّلط. ويلبس لكل حال لبوسها.لكنه في حقيقته دعيّ مراء، لأنه مستعد للانقلاب في كل لحظة، حتى على أقرب المقربين منه، ومن لهم فضل سابق عليه، يعوزه كثير من الصدق في التعامل مع الآخرين. يبدو في الظاهر انطوائيا منسحبا ولكنه مترصد كبير لكل ما يحدث في المشهد.شعاره الأول "لا أريكم إلا ما أرى" . فكل كتاب لم يقرأه تافه، وكل كاتب لم يفتك اعترافه متواضع، وكل فكرة لم يتبنها، أو قضية لم يحتضنها باطلة شكلا ومضمونا .. يتحدث عن الكتابة حديث العارفين، ولا يتجسّد ذلك في نصّه، ويغار ممن حقق شيئا ما ..شعاره الثاني "صديق عدوّي عدوّي، وعدوّ عدوّي صديقي .." ولذلك يطالبك أن تكون خصما للجميع معه، وأنت مخير بين أن تكون معه ضد الجميع أو مع الجميع ضده.. لا سيما وأنه لا يحب خوض المعارك بنفسه بل يحاول أن يتخذ له بيادق يخوضونها مكانه، يؤثر السلامة والانعزال ولا يرى أبدا في منتدى عام، مناقشا أو مدافعا عن موقف ما .. لأنه نرجسي متعال. شعاره الثالث "الريع ثم الريع .." فهو يأكل من الغلة ويسب الملة، سواء ككاتب أو كموظف في مؤسسة لا يجرؤ على ذكر اسمها، ويحاول إقناع الجميع بأنه معارض شرس، وقد سافر عشرات المرات خارج الوطن، ولم يدفع دينارا من جيبه، ومع ذلك حين يحدث أن يسافر كاتب مهمش مرة في عمره، على حساب الدولة في مهمة وطنية يطلق اتهاماته له بالولاء والعمالة وكل التهم الجاهزة..شعاره الرابع "اقترب أيّها الغافل" لأنه مولع باستغباء الآخرين واستغلال الطيبين الغافلين، خاصة من أبناء المدن الداخلية ممّن يعينونه على قضاء مآربه وجمع مادته الورقية والعينية، لأنه يعرف أنهم يستحون من المطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية، وعندما يقضي منهم وطرا يرميهم ويغلق هاتفه في وجوههم..شعاره الخامس "...ما أعظم شأني" فهو لا يعترف بقيمة التواضع التي يتحلّى بها العظماء من كتّاب الجزائر، بل يزعجه ذلك السلوك منهم، معتبرا إيّاه انتقاصا من قدر الكاتب.إن هذه الملاحظات لا يمكن تعميمها، فثمّة مثقفون نزهاء، وليس المقصود بها شخصا بعينه، بقدر ما هي رصد وفضح لممارسات وأخلاقيات تتفشى في وسط مثقفينا، لأن الكاتب الحقيقي في ظنّي هو جِماع كل القيم النبيلة والجميلة والخيّرة، من تسامح ومحبة وصدق وتواضع، حتى وإن لم يبلغ درجة الكمال ، لكنه ينأى بنفسه عن أن يسقط في درك كل ما ينتقص من إنسانيته التي هي رأسماله الحقيقي. أحمد عبدالكريمHachimite5@yahoo.fr
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 17/05/2010
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com