الجزائر

هوامش بين عقدة أوديب والبطريركية الجديدة



هوامش               بين عقدة أوديب والبطريركية الجديدة
منذ مدة كتب الروائي رشيد بوجدرة مقالا بعنوان "معادلة أوديب" قدّم فيه تحليلا نفسيا لحالة الجيل الجديد في محاولته الفاشلة لاغتيال الأب التي هي ضرورة ملحة على أكثر من صعيد: سياسيا واجتماعيا وثقافيا، لأنها السبيل الوحيد لبناء أو إعادة بناء الذّات، من أجل اكتساب نوع من الثقة بالنفس، لأن الابن يخشى   ولذلك يقع في التسرع والاضطراب من حيث يريد الإجهاز على الأب، ليلجأ هذا الابن إلى التطرف والغرور والتردد والشك الذي يؤرقه، بل يتحوّل إلى يقين وإصابة بالبرانويا، حيث يتصور أنه مسكون بالأب.وفي ظل النظام المغلق لمجتمعاتنا، ينخرط الابن في نظام شللي مضاد لشلة الأب، وفي محاولته لتدمير الآخر ينتحر هو، وينتهي إلى الموت نتيجة هشاشته وإحساسه بالذنب والدونية منذ البداية..كل هذه التوطئة المستفيضة من أجل أن يقول لنا الكاتب الليبرالي أإن احتفاء المبدعين الشباب بأنفسهم، في بلادنا، تحول إلى موضة، وفي ذلك شكل من أشكال التخلف.. لأن هؤلاء الشباب الذين ينتظمون في عُصب، يلمّعون صور بعضهم البعض وهم على علاقة وثيقة بالأب، بل أكثر من ذلك ينتظرون الاعتراف والتثمين منه. ونفس الشيء ينطبق على احتفاء الصحافيين الشباب بأنفسهم، إذ يأخذ نفس المنحى، وإن كان أكثرا خطرا منه، كونه يعمد إلى توجيه الرأي العام بأشكال مغلوطة وساذجة تعتمد على العناوين القاتلة ..كل هذه السلوكيات والتصرفات الصبيانية، بحسب بوجدرة تعود إلى طبيعة التاريخ الوطني، لأن التاريخ كان دائما يعمل بشكل مفاجئ وغير منتظر، وكمثال على ذلك ثورة التحرير التي كانت مفاجأة غير منتظرة، على الرغم من كونها كانت متوقعة. ونفس الشيء، بالنسبة لظاهرة الأصولية الإسلامية التي كانت مفاجأة أذهلت المثقفين ودفعوا ثمنها غاليا. ونفس الشيء بالنسبة لظهور مساحات التعبير في الصحافة المستقلة الذي كان بحاجة إلى نضج بطيء..ليخلص بوجدرة إلى أننا بحاجة ماسة إلى ميثاق شرف لوقف هذه الفوضى وهذا التعطش والتهافت الذي ينخر نفوس الشباب وبعض الشيوخ، ممن يريدون أن "يصبحوا زبيبا جافا قبل أن يكونوا عنبا أخضرا" بتعبير العنقا.والملاحظ أن عقدة أوديب لا تعدو أن تكون محاكمة أخلاقية قيمية، ليست لها علاقة وثيقة بشروط إنتاج النص.. كما تصر كلها على أن تجيء من حقل علم النفس، ومصطلحاته الكبيرة التي عفا عليها الزمن، والتي لم تعد بذات قيمة كبيرة، في ظل السياقات المعرفية الجديدة لمقاربة الأشياء .. حتى ليبدو أن هؤلاء الكبار قد استنفدوا قاموس العقد والأمراض العصبية والنفسية التي أسقطوها على كتّاب الجيل الجديد، في الوقت الذي يفترض فيهم أن يترفّعوا عن هذه الملاسنات، وأن يتعاطوا معهم كذوات إنسانية وكيانات كاملة بما هو حضاري وبناء، دون توجيه أو إملاء، حتى وإن كانوا أقل منهم سنا وأقل خبرة بالحياة وتمرسا بالكتابة وإلماما بأدواتها. فمن الطبيعي أن يشوب كل محاولة جديدة للتأسيس كثير من التعثر والخطأ. لماذا لا يستوعب هؤلاء الكبار أن الكتاب الجدد هم بقوة الأشياء نتاج زمن جديد، عنوانه الحرية وشعاره موت المسلمات الكبرى. وأنهم أبناء سياقات قيمية وجمالية مختلفة عمّا سبقها من حقب وسياقات تاريخية وأدبية.. وبالنتيجة فهم مختلقون عنهم كليا في كل شيء، ولا يمكن أن يكونوا نسخا مستنسخة منهم يفكرون ويبدعون بنفس الطريقة، ولا يمكن أن تكون رؤيتهم للأشياء هي نفس نظرتهم، بل أكثر من ذلك ليس مطلوبا منهم أن يبدلوا مجهودا خرافيا كما في الأزمان الغابرة لتحقيق شيء ذي بال، وما ذنبهم إذا كانت سبل النشر والانتشار، وآفاق الكتابة والحضور مفتوحة ميسرة أمامهم، كما لم تكن من قبل. لست في حاجة إلى القول إن سمة كالنرجسية - مثلا - ظلت ملمحا ملازما لكبار الخلاّقين، ولذلك فقناعتي أن كل إبداع أو نص هو في أبسط صوره ممارسة نرجسية على اعتبار أن الإبداع حالة فردية، تحيل على ذات واعية. وعليه، لا تكون النرجسية سُبّة بقدر ما يكون الغرور اعتدادا وتثمينا للكاتب شخصا وموضوعا..لا أكثر أو أقل.  نشرت بتاريخ6 ديسمبر 2009  أحمد عبدالكريمHachimite5@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)