الجزائر - Casbah d'Alger

هل صحيح أن مدينة الجزائر التاريخية (القصبة) أمازيغية...؟



هل صحيح أن مدينة الجزائر التاريخية (القصبة) أمازيغية...؟
مدينة الجزائر كانت بلدة صغيرة جدا عندما جاء العثمانيون إلى البلاد، تبدأ من الشمال في حومة "الزّوج عيون" وتنتهي جنوبًا عند جزء من شارع "باب عزون" وليس كل شارع باب عزون الحالي الذي كان جزءا هاما منه خالٍ من العمران عند دخول العثمانيين ومن تلاهم من خلفائهم. وكانت المدينة تمتد من ساحل البحر شرقا أسفل الجامعين الكبير والجديد الموجوديْن إلى اليوم، حيث كانت مياه البحر تلامس أسسهما، إلى ساحة الشهداء وفقط، مع بعض الهياكل العمرانية المحدودة والمتفرِّقة في الأطراف...
ولم يكن يصل عمران مدينة سيدي عبد الرحمن الثعالبي حتى إلى جامع كتشاوة الذي كانت بقعتُه أرضا دون عمران يُرعى فيها الماعز. ولذا، سُميتْ باللغة التركية "كتشاوة"، أي رحبة الماعز عندما بُني على هذه الرحبة في العهد العثماني جامع كَتَّشاوَة...
المدينة في الحقيقة وبعيدًا عن المبالغات كانت بُليدة وليست حتى بلدة لاسيّما بعد تراجعها سياسيا واقتصاديا على مدى مئات السنين منذ العهد الزيري إلى أن أحياها التحالف مع آل عثمان ابتداء من بدايات القرن 16م.
أما الذين ينسبون هذه المدينة التاريخية التي نعرف اليوم، وفي شكلها الموروث منذ العهد العثماني، جزافيا وحصريًا إلى بلغين بن زيري، الذي هو ذاته لم يُعرَف عنه أنه ادّعى هذا الأمر، مفيد لهم أن يعرفوا أن هذه المدينة، "القصبة" الحالية، لم تكن موجودة في عهد بلغين بن زيري. وحتى ما وُجِد في عهده زال أو أعيد البناء على أنقاضه مثلما أعيد بناء الجامع الكبير على أنقاض كنيسة بيزنطية، ولم يقل لنا أحد من أحفاد البيزنطيين حتى الآن أن الجامع الكبير بيزنطي...
وما نعرفه عن عمران ساحة الشهداء وجوارها في العهد العثماني إلى غاية الاحتلال في سنة 1830م قبل تهديمه من طرف المحتلين لم يكن يوجد فيه ما يمكن وصفه بالأمازيغي ولا وَصَفَهُ كذلك القناصلة والكُتَّاب العرب المسلمون ولا الأسرى والرحالة الاوروبيون الذين زاروا المدينة خلال القرون الخمسة الاخيرة، منذ الأسير الإسباني دييغو دي هاييدو (Fray Diego de Haedo) في نهاية القرن 16م إلى الأسير الامريكي جيمس كاثكارت (James Cathcart) في بداية القرن 19م مرورًا بالطبيبب البريطاني الدكتور شو (Dr Thomas Shaw) في القرن 18م والقنصل الفرنسي فونتور دو باردي (Venture de Paradis) والطبيب العالم الرحالة الألماني هابنسترايت (Hebenstreit). لا أحد منهم قال بذلك... وأصبح اليوم معلومًا أن العديد من الإنجازات العمرانية التي وجدها خير الدين بربروس وعروج عند حلولهم بالجزائر في بداية القرن 16م بُنيت وفقًا للنمط العمراني المعماري الاندلسي وبعضها ببنائين ومهندسين أندلسيين.
أما الإلحاح على أن مدينة الجزائرالتاريخية أسسها بُلُغِين بن زيري الصنهاجي، وهو ما لم يدّعه هذا القائد التاريخي الجزائري، فلا يُقدّم ولا يُؤخر، لانه معروف تاريخيا أن المدينة أقدم وجودا من بلغين وهي موجودة تُطل على البحر الأبيض المتوسط منذ على الأقل العهد الفينيقي وتُنسَب لهم وكانوا يسمونها إيكوزيم، ثم صحَّف اليونان هذا الاسم ليُصبح إيكوزيس وحوَّله الرومان إلى إيكوزيوم... وبالتالي، المدينة موجودة منذ تلك الحقبة البعيدة من التاريخ. بلغين لم يؤسس شيئا بل فقط قام بتجديد بعض عمرانها وتوسيعها نسبيا وإحاطتها جزئيًا بسور وليس كلِّيًا، ولو كانت المدينة في عهده بكل الأهمية التي يجري الحديث عنها منذ بضع سنوات بخلفيات إيديولوجية سياسية لاحتفظت كتب التاريخ وآثار الأقوام السابقة بصدى ذلك....
في هذا السياق، يجري الحديث أيضا عن أن مدينة الجزائر التاريخية مبنية على النمط المعماري الامازيغي، فيما هذا غير صحيح ولا وجود له تاريخيًا، بل لا يوجد في مدينة الجزائر التاريخية ما يستأهل أن نسميه معمارا أو عمرانا أمازيغيا. وحتى ما كان يُبنى في عهد بلغين والزيريين بما في ذلك في الأندلس، بغرناطة، كان نمطا أندلسيًا، مستوحى في بدايته من النماذج الشامية البغدادية والبيزنطية الفارسية ليس إلا، في ظل نظام سياسي كان على رأسه حُكَّام بربر أو ينحدرون من قبائل بربرية قبل اختلاطهم بغيرهم من الأجناس. وأقول كان على رأسه حُكّام بربر وليس كل النظام كان يقوده بربر. وذلك مثلما بُنيت مدينة الجزائر في العهد العثماني في ظل نظام سياسي عثماني/جزائري مختلط في بدايته، لكن بنمط عمراني أندلسي لا يختلف عما نجده في غرناطة وإشبيلية وألمرية...
أما في ما يتعلق بالجامع الكبير الذي يُنسب أيضا إلى الأمازيغ أو البربر فهو كذلك ليس أمازيغيًا إلى هذا الحد، لأن الجامع الكبير لم يبنه المرابطون بل بُنِي في عهد المرابطين وبنمط أندلسي قريب جدا من نموذج جامع قرطبة مثلها مثل جوامع ومساجد في تلمسان بني عبد الوادي البربر الذين كانوا أندلسيي الثقافة بامتياز في مختلف جوانب حياتهم وإنجازاتهم حتى قيل إن تلمسان هي غرناطة شمال إفريقيا.
كذلك، الميناء العثماني في مدينة الجزائر، الذي يريد البعض مصادرة فضل إنجازه وإعطاءه لونا إيديولوجيًا منتحَلاً، لم يكن يوجد قبل أن يبنه خير الدين وهو موجود إلى اليوم والرصيف الأساسي والأوّلي فيه يحمل إلى اليوم أيضا اسم خير الدين: رصيف خير الدين. بل فقط وُجدت قبل الحقبة العثمانية منارة بناها أندلسيون فوق مرسى طبيعي يسمح بِرَسْوِ السُّفن التجارية والتي كان جزء هام منها يُتاجر بين هذه المدينة الجزائرية ونظيراتها في الأندلس...
وماذا عن جامع سيدي رمضان الذي لم يَسلِم هو ذاته من محاولات الاسترجاع والتوظيف السياسي/الإيديولوجي؟ هذا الجامع العتيق لا يُعرف بدقة تاريخ إنجازه، لكن ما هو مؤكَّد أن وجوده سابق للعهد العثماني وأن نمطه المعماري نمط أندلسي مثلما كان سائدا في كل المغرب الإسلامي والأندلس وحتى في بعض مدن جنوب غرب أوروبا كإيطاليا وفرنسا... وبالتالي لا يحق أن نضعه في رصيد ما يُسميه البعض دون حق "معمارا أمازيغيا"...
ولا يصح الانتحال بغير حق، وهذا لا يُنقص من قيمة من تم التعارف على تسميتهم بـ: الامازيغ وهم نحن ونحن هم.
وفي الحقيقة، حتى هذا المفهوم، بمافيه مقهوم "البربر"، فيه كثير من الغموض التاريخي، لأن الاثنين ليسا سوى تسمية مجازية ليست صناعة بربرية/أمازيغية بل هي اختراع من أمم أخرى تحتقر غيرها لِيشمل كل سكان أراضي الله الخارجة عن حدودها وسلطتها، بينما في الحقيقة بربرُنا خليط من عباد الله من مختلف جهات العالم فيهم نسبة كبيرة تاريخيا من الفينيقيين/البونيقيين، وأصلاً هؤلاء البربر وإلى غاية دخول الإسلام كانوا عمومًا قبائل مستقلة عن بعضها لم تكن تعتبر نفسها شعبًا أو عرقًا واحدا متجانسًا منحدرًا من جذور واحدة كما يدّعي البعض اليوم. مثلما كان لِسانُهم، على الأقل إلى عهد القديس أوغسطين (Saint Augustain) البوني/العنَّابي، وهو ابن البلد مثلهم، ينطق باللغة الفينيقية/البونيقية...
وهذا في الحقيقة موضوع آخر...



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)