" ليّ الذراع مع المتعاملين الاقتصاديين و الشعبوية مع العامة و الكاريزما في التعاطي مع الساحة السياسية و لغة الأرقام في المنتديات و اللقاءات و الاجتماعات ... تلك هي الصناعة التي أتقنها أويحيى و خلعها على حزبه"
هل تغيّب أحمد أويحيى عن الحكومة الجديدة؟ أم غاب عنها أم غُيِّب أم تغايب أم دخل في غيبوبة إرادية إلى غاية 2014؟
هذه الأسئلة تفرض نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأننا نعرف أن أويحيى هو الوحيد الذي شكل الاستثناء و تميز بحضوره المنتظم في مختلف المناصب السامية طيلة خمس القرن الأخير، سواء كرئيس حكومة أو كوزير أو كوزير أول أو كممثل و مبعوث شخصي للرئيس في بعض المناسبات الدولية. وزير العدل السابق - الذي احترقت في عهده عدة مؤسسات عقابية - هو الأكثر معرفة من غير أبناء جيل الثورة بخبايا النظام الجزائري و زمره و توازناته، و هو ذلك السياسي الذي وصفه عميد الحقوقيين الجزائريين علي يحيى عبد النور ب "العسكري في ثوب المدني".
هو ليس من النوع الذي يرضى بالجلوس في البيت، أو البقاء بمنأى عن تقلبات الساحة السياسية و التفرج على من يساهمون في صياغة توجهاتها. انه من النوع الذي يملك "العناد السياسي" و "الكاريزما" و "الدبلوماسية" و "القدرة على الاستقطاب" و الاستعداد لأداء أي دور يطلب منه، و أويحيى هو المسؤول الوحيد الذي يتسبب منصبه أو قراراته في إحداث أعمال شغب مثل حرائق السجون عندما كان وزيرا للعدل أو ثورة "الزيت و السكر" بسبب قرار إجبارية الصكوك في الصفقات ... حتى أنه لا يرى مانعا في وصفه ب "صاحب المهام القذرة" إذا كانت تلك المهام "في صالح الجزائر" كما قال هو عن نفسه.
جميع خرجات أويحيى الأخيرة و كل قراراته و اغلب المؤشرات و الدلائل تحيل إلى أن الرجل كان يطبخ شيئا ما و أنه كان يحضر نفسه إعلاميا و شعبويا (و ليس شعبيا) من أجل أن يلقى القبول، لا سيما و أنه قد قالها صراحة شهر آفريل الماضي "هناك أطراف تعمل ضد قيادة الأرندي" أي أنه صرح من حيث لا يدري بأنه "يعمل للبقاء في السلطة". أويحيى - الوزير الأول- كان يستغل الوقت من أجل أن لا يشكل ترشحه في 2014 و احتمال توليه الرئاسة صدمة لدى الرأي العام الذي مازال لا يتقبل أن يكون صاحب " حملة الأيادي النظيفة" و صاحب القسيمات "les vignettes" … رئيسا للجمهورية.
أويحيى يغيب عن الحكومة الجديدة ... رب ضارّة نافعة !!
تم استبعاده من الحكومة الجديدة رفقة بلخادم الذي لم يشكل غيابه مفاجأة مثل غياب أويحيى، في حين احتفظ الرئيس بنسبة كبيرة من الوزراء في التعديل الحكومي الجديد ما يعني أن الوضع العام بسلبياته سيبقى على ما هو عليه، بل و قد يزداد سوء مع مر الأيام مثلما كان عليه في عهد أويحيى .
و بالنظر إلى المعطيات السابقة، فان الأرندي بعيد نظريا من الآن إلى غاية 2014 عن جميع الإخفاقات و المشاكل و القلاقل التي سوف تتقاسمها التنفيذية في حكومة سلال التكنوقراطية من جهة، و من جهة أخرى السلطة التشريعية التي يهيمن عليها الأفلان و فاز بها بفضل ال 5%. هذا الكلام يعني أن أويحيى سوف يحاول أن يحول الغضب الشعبي لصالحه، و تحميل الحكومة و الأفلان حالة الغليان و السخط الشعبي و الفشل المنتظر و التركة التي ورثها عنه عبد المالك سلال.
و بخصوص مواقف أويحيى السياسية، يبدو لنا جليّا أنه لا يعير أي أهمية للحديث عن التعديل الدستوري المرتقب، و لعل هذا الموقف يسنده سببان : أحدهما هو أن نواب الأرندي لا يملكون الرقم المؤثر للتصويت على ذلك (مع العلم أن السلطة التأسيسية ملك للشعب و لا دخل للرئيس و لا للنواب فيها طبقا لأحكام المادة السابعة من الدستور)، و السبب الثاني هو أن أويحيى قد اطمأن إلى تصريحات الأفلان "صاحب الأغلبية البرلمانية" بشأن تبني جبهة التحرير الوطني "النظام الرئاسي" بتوابل جزائرية. ما يعني أن أويحيى مستفيد من الأفلان مئة بالمئة كون هذا الأخير يعبّد له الطريق (عن غباء وجهل) إلى الرئاسة و يكفيه مؤونة النقاش الدائر حول النظام السياسي الأصلح للجزائر ... أويحيى يركب ظهر الأفلان الغارق في نرجسيته و مشاكله الداخلية و الذي مازال لا يملك إلى حد الآن مرشحا قويا ذا كاريزما. كما أنه يستغل الصورة السيئة التي انطبعت في أذهان الجزائريين عن حزب "تاج" الجديد الذي ولد مشوها بسبب تخلي "أشخاص" عن قناعات حزبية من اجل مناصب وزارية.
القرارات "الشعبوية" للوزير الأول السابق ... المترشح المحتمل في 2014
أويحيى يلعب على وتر العاطفة و الذاكرة القريبة للجزائريين لذلك رأيناه في الفترة الأخيرة يتبع أسلوب الشعبوية في القرارات التي تصنع له الرضا و توحي بأن الرجل يفكر في الصالح العام.. يعني القرارات التي تصنع له الشعبية الوهمية و الجاذبية و التأثير مثل التعليمة التي تعطي الأولوية للتوظيف لأبناء المنطقة، و قراره بإلغاء الرقابة القبلية للوظيف العمومي على مخططات الموارد البشرية و منح حرية التوظيف للإدارات العمومية.. و هناك قرارات "شعبوية" أصدرها أويحيى رغم أنه يعلم استحالة تطبيقها على أرض الواقع، مثل دعوته إلى إصدار تحفيزات لإطارات القطاع الاقتصادي من اجل العمل في الوظيف العمومي رغم أنه يعرف الفرق بين أجر الوظيف العمومي و القطاع الاقتصادي. و لا ننسى قرار إزالة الأسواق الفوضوية الذي ربما سيعرف تعثرا أو تجميدا أو حتى إلغاء من طرف الوزير الأول الجديد عبد المالك سلال الذي يفتقد الكاريزما التي تجعله يذهب بعيدا في إقرار هكذا إجراءات.
ثم هاهو أويحيى يتوقف نهائيا عن إصدار القسائم (les vignettes) و هو المعروف عنه بأنه يأخذ من الجزائري باليسرى ما يعطيه باليمنى، و هو الذي يجتهد في تقديم المبررات "الغريبة" لقراراته مثل تبرير قسيمة السيارات الجديدة المفروضة على كل الجزائريين من أجل تدعيم تذكرة الميترو الذي يركبه العاصميون ( !!!)
أويحيى قام بفرض اقتراح شرط عدم الإحالة على التقاعد دون بلوغ سن ال 60 سنة ثم تم إلغاء هذا الإجراء في لقاء الثلاثية في ديسمبر 2009 و كأنه يعبث بالقوانين فتارة يشرع و تارة يلغي بعد لقاء مسرحي في الثلاثية ... ربما تلميعا منه لنقابة "بقايا العمال". كما لا يجب أن ننسى أن أويحيى هو صاحب قانون المحاصصة (51% / 49%) في الشراكة مع الشركات الأجنبية و التي تنال فيها الدولة الجزائرية نسبة 51% في محاولة منه لخلق تصور عام بأن الحكومة تسيطر على القطاع الصناعي و خلق حالة من الاطمئنان الكاذب مثلما كان الأمر عليه في سنوات الرخاء في السبعينيات، و أن قانون المحاصصة سببه أن أويحيى غاضب من أوراسكوم المصرية التي باعت مصنع المسيلة للأسمنت الى "لافارج" الفرنسية ... سبحان الله هل غاب عنهم ذلك حقا ؟؟
أما إذا ركزنا اللقاءات و الخرجات التي كان يعقدها مولود شرفي عبر الولايات ،الناطق الرسمي للأرندي و رقم 2 بعد أويحيى ، نلاحظ أنه يركز خطابه كثيرا على لغة الأرقام عكس الخطاب الديني لحركة مجتمع السلم أو الخطاب الحماسي الثوري للأفلان. ففي جميع خرجاته إلى الولايات، و التي نقلتها الصحافة العمومية، نجد أن مولود شرفي دائما ما يلقي خطابا يتحدث فيه و بالأرقام عن المخصصات المالية التي استفادت منها الولاية التي حل بها، و كذلك المشاريع التي تم تسجيلها و تلك التي هي في طور الإنجاز و المستلمة و الغلاف المالي لكل مشروع. و هذا أسلوب شعبوي (الشعبية الوهمية و المؤقتة و التي لا أساس لها في الواقع و ترتكز على إحداث الانفعال دون مخاطبة النفس الواعية و المدركة) يستعمله الأرندي كثيرا في خطاباته و لقاءات كوادره و تجمعاته الشعبية من أجل الإيحاء بأن الأرندي هو صاحب اليد الطولى في إسناد تلك المشاريع و توزيع المخصصات المالية على الولايات و صاحب الفضل في البرامج التنموية.
محليات نوفمبر 2012 ... أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم
في تشريعيات ماي 2012 لاحظنا أن أويحيى حافظ على حضور الحرس القديم و لم يتبن التشبيب (شريف رحماني، شيهاب صديق، ميلود شرفي، ... مازالوا أصحاب سلطة وتأثير و حضور إلى غاية 2017). أما بالنسبة للمحليات القادمة فإن أويحيى قد أعطى لها أهمية بالغة و قرع طبولها باكرا و شرع في التحضير لها قبل جميع الأحزاب، و نصب اللجنة الوطنية للتحضير للانتخابات المحلية في شهر رمضان/ أوت 2012 بينما كان الجميع منشغلا بذلك اللغط الدائر حول تأخر الإعلان عن الحكومة القادمة و كون ذلك مرتبط بصراعات أو متعلق بتغيير جذري في تشكيلتها، و كذا المولود السياسي الجديد "تاج". و قد كانت محصلة ذلك أن أعلن الأرندي بداية سبتمبر الحالي أنه تم الفصل في 80% من قوائم المترشحين في المحليات.
أويحيى يلعب الآن على وتر التشبيب و التجديد و التغيير و منح الفرصة للشباب و المرأة (العلامة كاملة في سلم التنقيط) في المحليات القادمة لأن موعد 2014 يحتاج إلى التقرب كثيرا من المواطن و لو "شعبويا"، و لهذا لا يجب أن نتفاجأ إذا نال الأرندي (ينال و ليس يفوز عن جدارة) حصة معتبرة من المقاعد في المحليات القادمة (التي ستشهد نسبة مقاطعة أكبر حسب المؤشرات) تحضيرا له للرئاسة ... و ربما بسبب ذلك قد يصدق القول بأن الأفلان قد أكل طعم التشريعيات و سوف تتجه النقمة نحوه و تحميله مآسي البلاد في الفترة الأخيرة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/09/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : خلوي طسطارة
المصدر : www.djelfa.info