بقلم: لطفي العبيدي
التوترات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا تهيمن على السياسة العالمية ونتيجة لهذه الصدامات والانقسامات بين القوى العالمية المتنافسة لم تنجح معظم قمم مجموعة العشرين. المستشار الألماني شولتس أشار أثناء القمة الأخيرة في الهند إلى قضية مهمة بأن البلدان التي لها تاريخ استعماري تتحمل مسؤولية تمكين التنمية في مستعمراتها السابقة وحاول أن يطمئن الغرب بالقول إن مجموعة العشرين عليها تقديم مساهمة مهمة والتزام كبير يتعين الوفاء به خاصة في ظل زيادة أهمية مجموعة بريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا.
الحديث عن مساعدة المستعمرات السابقة على استغلال مواردها الطبيعية ومعالجتها فيما سماه الشراكات العادلة تعويم للخطاب الاستعماري المتلون الذي يرغب في استدامة وضع اليد على ثروات الدول تحت عناوين المساعدة في التنمية ومحاربة الإرهاب.. وافريقيا التي يتخبط ماكرون لخسارتها خير مثال.
* الطموحات الإمبريالية
كانت أوائل التسعينيات من الأوقات المفعمة بالأمل وكانت أيضا من الأوقات التي ضاعت فيها الفرص بتعبير مايكل دبليو دويل الذي يشارك بعضا من المفارقة المحزنة التي عبر عنها الروائي ديفيد كورنويل الاسم المستعار لجون لو كاريه في الحرب الباردة حينما قال في عام 2001: إن القوة الصحيحة خسرت الحرب الباردة لكن القوة الخاطئة فازت بها . في عام 2020 أوضح كاريه من خلال تعليق له في عام 1990 عن الشخصية التي حددها جورج سمايلي: يوما ما قد يخبرنا التاريخ عمّن فاز حقا. إذا ظهرت روسيا ديمقراطية فلماذا تكون روسيا هي المنتصر؟ وإذا كان الغرب يصرّ على نزعته المادية فقد يتحول إلى خاسر. لسوء الحظ دخلنا حقبة من الأُحادية القطبية للولايات المتحدة ممزوجة بالكثير من الغطرسة منذ التسعينيات. انحدرت روسيا إلى نظام حكم شعبوي وفي وقت لاحق هربت أوروبا الشرقية غربا للاعتماد على الناتو والاتحاد الأوروبي ونجحت الصين في اقتراض السوق لكنها أعاقت الديمقراطية. اليوم في الحرب الباردة الجديدة الناشئة ندفع ثمن فشل الإبداع في التسعينيات وهي أكثر خطورة مما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط أخطر من مجرد تداول الإهانات. يتحمل الأوكرانيون اليوم التكاليف وهم يحاولون الدفاع عن استقلالهم الوطني بدلا من وضع علامة على نهاية الصراع حول الأيديولوجيا وبدء نظام ليبرالي دولي متنام للسلام والتعاون أو العودة إلى توازن القوى الكلاسيكي متعدد الأقطاب. فإن حقبة ما بعد الحرب الباردة تتبعها حرب باردة جديدة. هذه حرب حتى الآن باردة بين القوى العظمى وأنظمة الحكم المتضاربة تتميز بالمنافسة الصناعية وتخريب المعلومات والحرب السيبرانية. الولايات المتحدة في تراجع هذا مؤكد لقد عبر عنها ابن خلدون بقوله: إذا استحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم وسواء رجحت كفة المتشائمين أو تأكدت تنبؤات الأقل تشاؤما كما ذهب الدكتور عطية عدلان فإنّ النتيجة بالنسبة إلينا واحدة أو متقاربة لأنّ المهم هو زوال الهيمنة والقطبية وسواء آل الأمر إلى قطبيات متعددة بينها تنافس أو إلى اللاقطبية واللاهيمنة فإنّ الفرصة لدينا كبيرة بتوفر هامش للاستقلال وفرص للحرية وسقف للإرادة السياسية التي يجب أن تتوجه نحو التحرر والانطلاق ولو بالتدريج. المهم هو أن تتوفر الإرادة ولا ريب أنّ الشعوب قادرة على الضغط على حكوماتها لتغير من سياساتها تبعا للمتغير الجديد. وكما شدّد مايكل براون وإريك تشوينغ وبافنيت سينغ في تقرير صدر عن مؤسسة بروكينغز فيجب على الولايات المتّحدة أن تستعدّ لماراثون القوّة العظمى وهو سباق اقتصادي وتكنولوجي مع الصين ليس من المرجّح أن يصل إلى نتيجة حاسمة. ولا بدّ للمجتمع الأمريكي كما يصرّ الأمميّون الليبراليون أن يبقى في تأهّب للحرب في المستقبل المنظور. أما السّلام فغير وارد. يحتاج المرء فقط إلى أن يتذكر أن الصين لديها معدل نمو اقتصادي يزيد على ضعف معدل نمو الولايات المتحدة كما أنها تمتلك ناتجا محليا إجماليا قريبا من مثيله في الولايات المتحدة ويبلغ عدد سكانها ثلاثة أضعاف مثيلتها في الولايات المتحدة. وهناك مصلحة عالمية مشتركة كبيرة غير مسبوقة في الازدهار المتبادل وحماية الكوكب من التدهور البيئي. المؤكد في المدى المنظور في نظر عديد المراقبين أنه من غير المرجح أن تقوم الولايات المتحدة وروسيا والصين بإقامة سلام دافئ مثل السلام الذي تتمتع به أوروبا الغربية أو بين أوروبا والولايات المتحدة وحلفائها الآخرين. ستكون استعادة احتمالات التسوية الدبلوماسية صعبة بعد الصدمة ومآسي الحرب والعقوبات الانتقامية الشديدة التي نجمت عن غزو أوكرانيا. لكن حتى أسوأ الحروب تنتهي. انفراج الحرب الباردة أعقب الحرب في فيتنام والغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا. ما يجري في الشرق الأوسط يؤثر على التحولات العالمية وتوازن القوى دون شك الرئيس الروسي بوتين حمّل الغرب مسؤولية الأزمة في المنطقة حيث تقصف إسرائيل قطاع غزة واتهم الولايات المتحدة بأنها تريد أن تنشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط. في رأيه النخب الحاكمة في الولايات المتحدة ومن يدورون في فلكها يقفون وراء قتل الفلسطينيين في غزة. وخلف الأحداث في أوكرانيا والعراق وسوريا. إنهم يريدون استمرار الفوضى في الشرق الأوسط ولذلك تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لتشويه سمعة تلك الدول التي تصر على وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة ووقف إراقة الدماء التي تقف مستعدة لتقديم مساهمة حقيقية في حل الأزمة. تدعم روسيا وقفا فوريا لإطلاق النار في غزة كما أنها تساند حل الدولتين وفي تقديرها إن مفتاح حل الصراع يكمن في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وبطبيعة الحال هذا ليس هدف واشنطن المعلن. على أنه يبقى الهدف الأساسي للدبلوماسية الروسية يتمثل في إضعاف النظام العالمي الغربي وهو المشروع الذي يتقاسمه معها بشكل خاص حلفاؤها الصينيون والإيرانيون والكوريون الشماليون. حرب الانتقام الإسرائيلية على غزة بما فيها من قصف عنيف سلطت الضوء دون شك على ازدواجية المعايير التي ينتهجها الغرب في رد فعله على الصراعات والحروب. هذا ما دفع بوتين لأن يشبّه الحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة بحصار ألمانيا النازية مدينة لينينغراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية ودعا إلى التوصل إلى حل للصراع من خلال الوساطة. فالمأساة الحالية هي نتيجة لفشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. الصين التي تستعد لصدام محتمل مع الولايات المتحدة حول تايوان تستفيد هي بدورها من تحول انتباه واشنطن مرة أخرى بسبب الاضطرابات في الشرق الأوسط. فالفائدة الأساسية للصين في المنطقة هي الوصول إلى أسواقها واستثماراتها.
تضافرت حروب القوى الكبرى في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ مع تزايد سياسات إسرائيل المتطرفة والعنصرية واحتمالية تسبب إيران في عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لإنتاج أخطر لحظة منذ الحرب العالمية الثانية. ومع اشتدادا منافسة القوى العظمى والطموحات الإمبريالية والصراعات على الموارد يتجلّى الرهان في كيفية إدارة اصطدام الجغرافيا السياسية القديمة والتحديات الجديدة. ولكن ما لا شك فيه أنه لا يمكن للقوّة العسكرية السياسية وما تختزنه من عداء حضاريّ ثقافيّ أن تنشر على الإطلاق نظاما يدعم السلام أو تدفع باتّجاه أمان عالميّ بقدر ما تُساهم في مزيد من النزاعات والاضطرابات وتبحث عن إدارة أزمات لصالحها. وهذا النهج المتّبع من قبل أمريكا تحديدا وكيانها الصهيوني في المنطقة لن يقدّم للحضارة الانسانية مشتركا يجمعها بل يكرّس البربرية والعنف ويفاقم منسوب العداء والكراهية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 13/01/2024
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أخبار اليوم
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com